صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/17

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وهنا قد يسأل السائل: هل معنى ذلك أن الجمال هو أداء وظائف الأعضاء؟

والجواب لا. ليس الجمال هو أداء وظائف الأعضاء، ولكن وظائف الأعضاء في الجسم الحي كالوزن في القصيدة وكالحبل تحت قدمي اللاعب وكالألحان في الغناء، فهي التي تقيم لنا الفارق بين الحرية والفوضى، وهي المعيار الذي نعرف به حرية الحياة في الانتقاء والتوفيق بينها وبين ما تبغيه.

فلولا وظائف الأعضاء لكانت الحياة حركة فوضى لا غاية لها ولا حرية فيها.

ولكنها – بوظائف الأعضاء - هي حركة لها حرية ولها وزن ولها جمال كلما طابقت في حركتها معنى الحرية الموزونة.

☆☆☆

وقيل: إن الجمـال ولـيـد الـغـريزة الجنسية، كما أشرنا إلى ذلك في كتابنا «المراجعات».

وأصحاب هذا الرأى جماعة من الأطباء والعلماء الطبيعيين يمثلهم ماكس نوردو حيث يقول:

«كل أثر ينبه في الدماغ – بأي شكل من الأشكال – مركز التناسل سواء أكان هذا التنبيه مباشرا أم آتيا من تداعي الفكر وتساوق الخواطر فهو الأثر الجميل. وصـورة الجمـال الأول فـي نـظـر الـرجـل هـي المرأة في سن الـنضج الجنسي والاستعداد لتجديد النسل، أي المرأة في عنفوان الشباب والصحة.

ففي محضر هذه المرأة يختلج مركز الغريزة النوعية من نفس الرجل بأقوى الإحساسات وأشد الخواطر، وتثير رؤية (الظاهرة) وتصورها عنده أقوى بواعث السرور التي يمكن أن تستفاد من مجرد النظر أو التصور. وقد تعود الطبع أن يقرن بين صورة المرأة وفكرة الجمال؛ فيغريه السرور الذي يستمده من ذلك بأن يصور كل ما يروقه أو يرى فيه معنى من معاني الجمال في صورة امرأة، فالإمة والشهرة والصداقة والمحبة والحكمة وغيرها وغيرها إنما تمثل الحواس في هيئة مؤنثة، ولكن لا أثر لكل ذلك فيما تدركه المرأة وتتصوره؛ لأن رؤية شخص من جنسها لا تحرك بأي شكل من الأشكال مركز النسل من غريزتها، ولا تجد المثل الأعلى للجمال إلا في الرجل. أما ما يشاهد من أن المرأة تكاد تقيس الجمال كله بمقياس الرجل فسببه أن الرجل لتفوقه عليها في القوة يستطيع أن يوحى إليها برأيه وأن يسيطر على أفكارها التي تخالف فكره، ومع هذا نرى في الواقع فكرة