صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/18

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الجمال عند الجنسين تتقارب ولا تتماثل كل التماثل، ولو أتيحت للمرأة القدرة على الاستقلال بالنظر وتحليل ما تشعر به ووصف ما يدور بوجدانها لأثبتت منذ زمن بعيد أن مذهبها في الجمال يختلف من وجوه أساسية شتى عن مذهب الرجل فيه».

وهذا الرأي تبطله ملاحظات وجيزة لأنه أقرب الآراء التي قيست في تعليل الجمال إلى البطلان.

فلا يمكن أن تكون الغريزة الجنسية هي الجمال، لأن الغريزة الجنسية نفسها تستعين بالجمال لتمييز امرأة من أمرأة وتفضيل أنثى على أنثى.

ولا يمكن أن تكون الغريزة الجنسية هي الجمال، لأن الغريزة الجنسية واحدة والجمال حتى في الجارحة الواحدة أشكال وألوان.

ولا يمكن أن تكون الغريزة الجنسية هي الجمال، لأن الغريزة الجنسية هي واسطة تجديد الحياة، ولن تكون الحياة نفسها خلوا من الجمال قبل ما يساورها من طلب التجديد.

ولا يمكن أن تكون الغريزة الجنسية هي الجمال، لأن حظ الأحياء من الجمال أو من الفطنة له ليس على مقدار حظهم من الغريزة الجنسية.

ولا يمكن أن تكون الغريزة الجنسية هي الجمال، إذ المرأة ليست بالجميلة لأنها امرأة، وإنما هي امرأة ثم يضاف إليها وصف الجمال.

وقد عرضنا لمذهب نوردو المتقدم في فصل من فصول كتابنا «المراجعات» وأتينا ببعض الملاحظات التي توجب مخالفتـه ثم قلنا: «إن الغريزة الجنسية لا ريب من أقوى الغرائز تفرعا وتوزعا في جوانب الإحساس ودخائل التفكير، وإنها ولا جدال على اتصال وثيق بشعور الجمال ومطالب الفنون لا نراهـا منعزلة عنها فيما ينظمه الشعراء ويمثله المصورون ويغنيه المنشدون، ولكن ليس معنى ذلك أنها هي أصل كل شعور بالجمال وأن الحياة نفسها لا جمال لها إلا من حيث إنها علاقة بين ذكر وأنثى ووسيلة لإعطاء الحياة لمخلوق جديد، فإن الحياة غاية الغريزة الجنسية وليست هي الجسر الذي نعبره إلى الحب والجمال، فإن كانت الحياة في ذاتها خلوا من معنى جميل أو مقضيا عليها بالحرمان من رؤية الكون في هيئة تسرها وترضيها وتوسع لها من أكناف الأمل وتضاعف لها من بهجة الوجود فأي شيء يزيد عليها من انقسام الأحياء إلى قسمين أو جنسين؟ ثم ما فضل البقاء المشوه الذي نتوسل إليه باختلاف ذينك القسمين أو ذينك الجنسين؟

______

۱۸