صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/19

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

أما أننا نتصور الإمة والشهرة والصداقة والمحبة والحكمة وغيرها في صورة مؤنثة فإنما يدل على أن للجمال في أذهاننا معاني كثيرة غير معنى الأنوثة، وأننا نصور تلك المعاني في صورة المرأة لأنها «الشخص المحسوس المحبوب» الذي تقدر الفنون على إبرازه للعيان. ولولا ذلك لما جاز التشابه بين مثال المعاني في الذهن ومثال المرأة في النظر، مادامت المرأة قد استأثرت بكل صفات الجمال في هذه الحياة.

ويقابل هذا أننا نصور الخواطر القوية في هيئة الرجولة ولا نستخلص من تصويرها كذلك أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي أصل كل ما في الحياة من بأس وقوة، وسبب كل ما يتصوره العقل من قدرة ونفاذ. على أن تماثيل الرجال في الفن اليوناني والروماني لا تقل عن تماثيل النساء، والإعجاب الفنى بجمال جسم الرجل لا ينقص عن الإعجاب الفنى بجمال جسم المرأة، فلماذا يعجب الفنانون بأمثلة الجمال في أجسام الرجال إن كان في غريزتهم ألا يحبوا الجمال ولا يتخيلوه إلا في أجسام النساء؟»

☆☆☆

غير أننا إذا نفينا أن الغريزة الجنسية هي الجمال أو هي مصدر الشعور بالجمال فلا يستلزم ذلك أن ننفي العلاقة بين شعور الجمال ووظائف الأعضاء.

لأن الرجوع إلى وظائف الأعضاء لازم لقياس حرية الحياة في أداء تلك الوظائف على وجه لا نقصان فيه ولا زيادة.

ومثلها في هذا – كما قدمنا هو مثل الأوزان والبحور التي تقاس بها حرية الشاعر في التعبير وقدرته على التصرف بالمعاني والألفاظ.

أو هو مثل كل وزن وكل نظام مطرد في فن من الفنون الجميلة: ليس مكانه أنه قيد عائق معطل للحرية، بل مكانه أنه مقياس الحرية الذي يميز بينها وبين الفوضى المطلقة بغير وزن أو نظام وإلى غير غاية أو استقامة.

ومـتـى عـرفـنـا أن وظائف الأعضاء هي مقياس الحرية والجمال في جسم الإنسان - عرفنا كيف يكون جمال المرأة أو كيف ينبغي أن يكون.

فجسم المرأة جسم تابع وليس بالجسم المستقل الذي لا ينظر في تكوينه إلى غيره. . ۱۹