صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/22

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الجسم الصحيح وغير الجسم القوى وغير الجسم النافع؛ لأن الجسم قد يكون نافعا أو قويا أو صحيحا أو لذيذا وهو في كل ذلك غير جميل.

قيل لبعض الحكماء: إن فلانة كبيرة البطن ضخمة الثديين فقال: «نعم. حتی تدفئ الضجيع وتروى الرضيع»... فهذا وصـف صـادق للجسم النافع ولكنه لا يستلزم جمال الجسم الموصوف... كما يقال: إن هذا الكساء يدفئ صاحبه ويعيش سنوات ولا يستلزم ذلك جماله فيما يكون به جمال الكساء.

ووصفت في الشعر العربي وأشعار الأمم كافة نماذج من الأجسام المشتهاة. كما مثلت هذه الأجسام كثيرا في الصور والتماثيل.

فإذا كان هذا وأشباهه وصفا لشيء فهو وصف للجسم الشهي أو الجسم اللذيذ، وليس بوصف للجسم الجميل على اعتبار الجمال معنى من المعاني التي تقاس بالإدراك، كما يقاس معنى البيت البليغ، ومعنى الصورة البارعة، ومعنى التمثال المتقن، ومعنى الخيال المجرد، ومعنى الحلم البعيد.

ولا ننسى أن الجسم الجميل يشتهى . ولكننا نريد أن نذكر من ينسى أنه ليس بالجميل لأنه مشتهى أو مرض للغريزة الجنسيـة، بـل هـو جميـل لمطابقته معنى الجمال في الإدراك، وهو الحرية الموزونة.

والرجال في تفضيل الجسم الشهي أو الجسم اللذيذ مذهبان مختلفان: رجل عنده عادة الاستحسان كعادة التدخين، فهو يألف طرازا واحدا من المرأة كما يألف المدخن لفيفته المعهودة، فلا يغيرها ولو كان الخلاف بينها وبين غيرها كالخلاف بين علامة الجمل وعلامة الخلطة السعيدة، وهما من أصل واحد!

فهذا الرجل إذا استحسن المرأة الطويلة لم تعجبه القصيرة، ولو كانت لها ملاحة ونضارة ومتعة وحلاوة.

وإذا استحسن السمراء لم تعجبه البيضاء، أو استحسن بنت العشرين لم تعجبه بنت الثلاثين، أو استحسن المصرية لم تعجبه الإنجليزية أو الروسية، وهما معجبتان.

والمذهب الآخر في تفضيل الجسم الشهي أن يستحسن الرجل النساء كما يستحسن الفاكهة أو كما يستحسن صحاف الطعام، والمعول على صناعة الطاهي وغواية الأوان.

فالتفاح مقبول، والبرقوق كذلك مقبول، والتين لا يرفض والجميز لا يعاف، والشواء مستطاب، والسمك المملح له وقت يجوز اشتهاؤه فيه!

☆☆☆