صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/23

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وتنبغي التفرقة على كل حال بين هذه الأجسام حين ينظر إليها للذة وهذه الأجسام حين ينظر إليها للجمال.

لأن الجميل واللذيذ قد يتفقان، ولكن الجمال واللذة قد يتناقضان، فتكون اللذة تغليبا لجسد ويكون الجمال تغليبا لمعنى، وهو كذلك في كل مظهر وفي كل حال.

فالجسم الجميل هو الذي تتزن فيه وظائف الحياة بغير زيادة ولا نقصان؛ لأن الزيادة فضول غير مطلوب يشير إلى دافع واغل لا تستدعيه وظائف الحياة، ولأن النقصان آفة مكروهة تشير إلى تقصير وتقييد.

وآية الجسم الجميل أن تنهض أعضاؤه حرة سلسة ميسورة الحركة لا ترى عضوا منها عالة على سائر الأعضاء، يخيل إليك أن كل عضو فيه يحمل نفسه غير محمول على سواه.

ومن هنا جمال الرأس الطامح، والجيد المشرئب، والصدر البارز، والخصر المرهف الممشوق، والساق التي يبدو لك من خفتها وانطلاقها واستوائها أنها لا تحمل شيئا من الأشياء، ولا تنهض بعبء من الأعباء.

بل من هنا جمال الحيوان الأعجم، وجمال المهر الكريم وقد اختال بعنقه وشال بذنبه: وضمر بدنه وأصبح في الجملة كالكلام المختصر المفيد، والكلام المختصر البليغ، لأنه يبلغ حيث شاء

والجسم الجميل الذي نشهده على هذا المنوال تراه العين ولا تحس أنها أدركته، لأنها إذا أدركته تأملت فيه وسرحت في معانيه، فإذا هي بعيد بعيد... أبعد من الفراش الذي يقع عليه الطفل فإذا هو على الغصن، ويثب إليه في غصنه فإذا هو في الهواء.

هو مدرك نفوس وأرواح وليس بمدرك نظرات ولمسات، ومن هنا قلنا: إن الجمال واللذة قد تتناقضان؛ لأن الجمال معنى تفرغه على جسد، واللذة جسد قبل كل شيء.

ولن يتمثل هذا الفارق في شيء كما يتمثل في الحركة الجميلة من الجسم الجميل: أي في الرقص الفني الرفيع.

فالراقصة وهي تتمايل كما تريد على أطراف أصابعها ترتفع بالجسم إلى عالم المعاني التي تسخر المادة لحركاتها ولا تحفل بقانون الجذب الذي يتسلط على الأجساد الأرضية من الأحياء وغير الأحياء.

______________

۲۳