صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/25

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وأرفع من أن تكال جزافا للملايين من الخلق في المغارب والمشارق، وبين الأذكياء والأغنياء، وعند من يحسون ولا يحسون.

ولكنها «الطيارة» قد أتمت مذهب السرعة في كل شيء، والسرعة والخفة لا تفترقان، والخفة والسمنة لا تتفقان.

وهكذا تعلمنا الآلات أحيانا كيف نشعر وكيف نتذوق الجمال، وكيف نصحح الأذواق!

☆☆☆

والمرأة الجميلة – بعد هذا – ليست بشيء واحد يقاس بمقياس واحد في كل ما تبديه وكل ما تحتويه، لأنها جملة مجتمعة من الأشكال والألوان والحركات والمعاني يقاس كل منها بمقياس الجمال الذي قدمناه، وهو الحرية الموزونة،

ونسـتـطـيـع أن نـقـول: «الحرية» وكفى؛ لأن الحريـة كـمـا قـدمـنـا تستدعى الوزن والقانون، لتظهر فيها المشيئة والغاية، وهما قوام الاختيار الذي لا تكون الحرية بغيره، وليتضح الفرق بينها وبين الفوضى وهي أقرب إلى العدم منها إلى الوجود.

ولكننا نقول الحرية الموزونة تقريرا لهذا المعنى وتبيينا للقدرة التي هي معيار الحرية ومعراج الارتقاء فيها، فالقائل الذي يعبر عن شعوره في النظم الموزون أقدر على القول وأبين عن حرية التصرف فيه ممن يقول هذا القول بعينه في الكلام المنثور.

ويقاس كل جميل في المرأة بهذا المقياس: فأجمل الوظائف في الوظيفة التي تجرى إلى غايتها في جسم لا فضول ولا نقص فيه، وأجمل الحركات والألوان، أو أجمل الحركات والأشكال تجمل وترتقى إلى عالم المعاني كلما أطلقت في النفس شعور الحرية بين الأوزان، أي كلما ابتعدت بنا من شعور الفوضى وشعور التقييد.

فإذا اتفق للمرأة لون جميل وشكل جميل وحركة جميلة فتلك غاية الغايات التي قلما تدرك في العالم المحسوس، وقد يتفرع اللون على ألوان والشكل على أشكال والحركة على حركات، فلا ينبغي أن ترجع بها جميعا إلى مقياس واحد لأن المرأة في اللغة مخلوق واحد يعرف بهذه اللفظة الواحدة.

ومـتـى أحضرنـا هـذا فـي أخـلادنا فقد حسبنا للتناقض حسابه في بعض الأحكام على جمال النساء. فقد تكون المرأة على جملتها موصوفة بالجمال وفيها جانب يخالف معنى الحرية والاتزان، فإنما الحكم الصحيح على جمالها أن يقاس هذا الجانب بمقياسه ولو خالف في الحرية والاتزان ما عداه.

______________

٢٥