صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/4

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

تغرى الرجل، وفي كل من هذين الخلقين دليل مجمل على خلائق أخرى مفصلة تنطوي في ذلك الرمز الكبير.

☆☆☆

قال الشاعر الجاهلي طفيل الغنوي:

إن النسـاء كأشجـار نبتن لنا
منها المـرار، وبعض المر مأكول
إن النساء متى ينهين عن خلق
فإنه واجـــــب لابـد مفعـول

وقد ألهم هذا الشاعر البدوى -ابن الفطرة وابن البادية- خلاصة قصةالشجرة في بيتيه المطبوعين، وخلاصتها أن المرأة تغرى بأكل المر الذي لا يساغ أو لا يسوغ، وأنها تفعل ما تنهى عنه، فهو عندها «واجب لا بد مفعول».

وكل خلق كامن في المرأة يظهر من هذا الولع بالممنوع. فلم كانت كذاك؟ ألأنها ضعيفة؟ لا. إن قبل ذلك خطوة نخطوها ثم نصل منها إلى هذه الخطوة التالية. قبل ذلك أنها محكومة، ثم هي محكومة لأنها ضعيفة، وما زال من دأب المحكوم أن يحن إلى التمرد والعصيان، وأن يلتذ المخالفة للمسيطرين عليه؛ لأنه بهذه المخالفة يثبت وجوده أو يستوفي حياته، فهي عنده ضرب من حب الحياة. «وأحب شيء إلى الإنسان ما منعا» كما قيل. نعم إلى الإنسان كافة لا إلى المرأة خاصة، ولكن المرأة قد خصت بهذه الشهوة لأنها محكومة لا تحكم غيرها إلا من طريق الإغراء، أو تنبيه النفوس إلى ما هو «شهی، بهجة للعيون» كما جاء في العهد القديم.

☆☆☆

كل خلق من أخلاق المرأة مرموز إليه في قصة «هذه الشجرة».. ومن هنا اخترنا الإشارة إليها عنوانا لهذا الكتاب. فالولع بالممنوعات خلاصة طبـائـع المـرأة التي تنمي إلى أسباب كثيرة ولا تنحصر في سبب واحد. ولكن السبب الأكبر منها أنها تؤمر وتًنهى كثيرا، وأنها تؤمر وتُنهى لأنها أضعف من إمرها وناهيها، ولا تزال معه أبدا بين لذة الخضوع ولذة العصيان، ولعلها لا تعصى إلا لتعود كرة أخرى إلى خضوع أعمق وأشهى من خضوع البداية والارتجال.