صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/5

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ولا تولع المرأة بالممنوع لأنها محكومة وكفى، أو لأنها محكومة لضعفها واعتمادها على من يمنعها.

بل هي تولع بالممنوع لأنها تتدلل، ولأنها تسيء الظن، ولأنها تعاند، ولأنها تجهل وتستطلع ، ولأنها موهونة الإرادة لا تطيق الصبر على محنة الغواية والامتناع. وكل أولئك عنوان لخصلة أخرى من ورائها: هي خصلة الضعف الأصيل. هي تتدلل لأن قيمتها موقوفة على غيرها، أو معلقة بنظرة غيرها إليها.. فهي تحب أن تعرف قيمتها، ولا تعرف قيمتها إلا بمقدار ما تكلف الرجل من الصبر عليها واحتمال الدالة المحببة منها.

والدلال نوع من الإباء، أو نوع من المخالفة والعصيان، وإغراء بتكرار الطلب وتكرار الممانعة.... ويتمنعن وهن الراغبات! ولو لم تكن قيمتها معلقة بمشيئة غيرهـا لما كانت بها حاجـة إلى الدلال، ولا إلى توابع الدلال من المكابرة والولع بالممنوع.


☆☆☆


وهي تسيء الظن كما تسىء الظن كل رعية محكومة. فالرعية التي طال عليها عهد التسلط والحكم تحسب كل أمر من الحاكم شيئا يفيده ولا يعنيها، وتحسب كل نهى من الحاكم مصلحة تهمه ولا تهمها، واجتنابا لمحظور يسوءه ولا يسوءها.

فينبعث منها سوء الظن بداهة وفطرة كلما دعيت إلى فريضة أو نهيت عن محظور.

وتلج بها رغبة المخالفة بغير بحث ولا روية، بل تخالف ولها منفعة في الطاعة؛ لأن المخالفة هوى والمنفعة تفكير، وما زال الهوى في النفوس أقوى عليها من التفكير.

فالمرأة تحسب أبدا أن سيدها ينهاها لأنه يريد أن يستأثر بها ويخشى من المزاحمة عليها، فتلك رغبته إذن لا رغبتها، ومتعته إذن لا متعتها، وهي إذن تنصف نفسها كلما تمردت عليه، وتحقق غرضا لها كلما فوتت عليه غرضا من أغراضه ، أو هكذا توحي إليها بداهة المخالفة بغير روية ولا بحث مفيد في حقائق الأسباب.

☆☆☆