صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/74

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

أو يمنح فتى أعطاف فتاة، فلم يأت الموعد الموقوت حتى كان قد فرغ من عمله وصنع كل ما عنده من الذكور والإناث، ولكنها هذه الصنعة المختلطة التي يلتبس فيها النظر وتختلف فيها الأسماء والمسميات. فلا يندر أن ترى امرأة لها صلابة رجل أو رجلا له رقة امرأة، ولا يتفق لك دائما أن تـرى رجلا بحثا كلـه رجـولـة أو امرأة بحتا كلها أنوثة، ولا أن توافق المسميات ما أطلق عليها من الأسماء أو ما أودعته من الجوارح والأعضاء.

وجاءت الفلسفة في القرن الماضي فأعادت هذه الأسطورة بالصيغة الفلسفية التي اخـتـارهـا الـنـابـغة الألماني «أوتـوفـيـنـنجر» في كتاب «الجنس والأخلاق».

ومجمل رأيه كما لخصناه في كلامنا على حب المرأة من كتابنا «ساعات بين الكتب»: «أنه لا ذكورة ولا أنوثة على الإطلاق، وإنما هي نسب تتآلف وتتخالف على مقاديرها في كل إنسان، ولا عبرة فيها بظواهر الجوارح والأعضاء؛ فإذا فرضنا مثلا أن صفات الذكورة مائة في المائة فأين هو الرجل الذي تتم له المائة جميعها بلا زيادة ولا نقصان وتتآلف ذرات تكوينـه واحـدة واحدة بـلا نشـوز ولا انحراف؟ وكيف تجتمع له هذه الصفات المتفرقة بحيث لا تتخلف صفة ولا تحل واحدة محل أخرى؟ وكذلك النساء أين منهن المرأة التي هي مثل أعلى لجنسها جـامـع لـكـل مـا هـو نسائي في الجمال والعقل والعاطفة والأعضاء والهندام؟ إن هذا الاتفاق لا يجيء به الواقع؛ لأن التمام من وراء ما يبلغه الإنسان أو كائن سواه في هذه الحياة، ولكنها أمور نسبية تدخل فيها صفات الرجولة والأنوثة كما تدخل فيها صفات سائر الأشياء. فليس في الدنيا رجل هو الرجولة كلها وليس في الدنيا امرأة هي الأنوثة كلها، وهيهات أن تقع على إنسان فيه كل صفات جنسه في جميع أخلاقه وأطواره كما تقع كل يوم على قطرة ماء فيها كل صفات المائية التي لا بد منها لتكويـن كل قطرة، فإن العناصر هـنـا مقيدة محدودة. أما عناصر الطبائع والأخلاق والمواهب والأجسام فمما لا يقيده الحد ولا يحده التقدير».

وعلى هذا «يحب الرجل المرأة أو تحب المرأة الرجل على حسب ما بينهما من التوافق والتباين في تلك العناصر والصفات. فالرجل الذي فيه ثمانون في المائة من الرجولة وعشرون في المائة من الأنوثة تتممه امرأة فيها ثمانون في المائة من الأنوثة وعشرون في المائة من الرجولة. ويجوز على هذا أن توجد امرأة ليس لها من جنسها إلا ظواهره، فتكون هي التي فيها الثمانون في المائة من الرجولة