صفحة:هذه الشجرة - عباس محمود العقاد.djvu/78

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

خلية الإنسان حيث يبلغ عدد الصبغيات ثمانية وأربعين. ولكن هذا العدد ليس بالمهم في الدلالة على ارتقاء النوع ... لأن بعض الحشرات الحلزونية تشتمل خلاياها على مثل هذا العدد.

إنما المهم أن عدد الصبغيات بعينه يتكرر في كل خلية من خلايا الجسم كله، وأن الخـلـيـة المـنـويـة تشتمل على نصفه فقط، وكذلك الخلـيـة البيضية، كأنما الملحوظ من البداية أن النصفين يكونان خلية واحدة هي التي يتخلق منها الجنين.

ومن عجائب الاختلاف العريق بين خصائص الذكورة وخصائص الأنوثة أن عدد هذه الصبغيات في خلية الذكر سبعة وأربعون وفي خلية الأنثى ثمانية وأربعون. والذي يحدث عند اللقاح أن خلية الذكر تنقسم نصفين وخلية الأنثى تنقسم نصفين ثم يتقابل نصف من هذه ونصف من تلك. فإذا كانا عند الامتزاج يؤلفان ثمانية وأربعين، فالمولود الذي يتخلق من هذه الخلية أنثى، وإذا كانا يؤلفان سبعة وأربعين فالمولود الذي يتخلق من الخلية ذكر. وكأنما النواة الكثيرة الحركة هي العوض في خلية الذكر من الصبغي الناقص فيها.

ما أعجب بداهة الأساطير في النفاذ إلى حقائق الحياة!

ففي الأسطورة التي أشرنـا إلـيـهـا زعـمـوا أن الذكر والأنثى كـانـا فـي الـنـوع الإنساني بنية واحدة فأوجست الآلهة منهما متحدين متفقين فشطرتهما شطرين. فهما منذ تلك اللحظة يبحث كل منهما عن النصف الآخر ليتم به نقصه ويجد فيه لفقه الذي يسكن إليه.

وتلك هي الحقيقة في ظلمات الرحم تشطر الذكر والأنثى نصفين ثم تطلق كلا منهما يبحث عن لفقه حتى يسكن إليه ثم تطلقهما بعد ذلك نصفين في كل منهما حنين إلى النصف الآخر يبحث عنه حتى يلقاه.

☆☆☆

خلاصة هذا جميعه أن الجنس محدود الفوارق منذ الخلية الأولى، وأن هذه الفوارق - كائنا ما كان اسمها – ترجع إلى فارق واحد يلخصها بأجمعها، وهو مزيد من الإقدام في جانب الذكورة ومزيد من الإحجام في جانب الأنوثة، أو مزيد من الإرادة يقابله مزيد من التلبية، أو مزيد من التصريف والحركة يقابله مزيد من التجميع والدعة. ثم يتفرق هذا الفارق الوحيد على مئات من الصور في كل من الجنسين.