صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/100

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۹۲ - لقد حيينا في خدمة غيرنا عصوراً طوالا حتى أوشكنا إذا قيل لنا : « اشعروا بالحياة » أن نطلب أجرأ على حياتنا . فالرجل الذي يسأل : ما فائدة الفنون الجميلة ؟ هو كالرجل الذي يسأل : ما فائدة العين ؟ وما فائدة الأذن ؟ وما فائدة الشعور ؟ وما فائدة الحياة ؟ . و إن الإنسان لينظر إلى الروضة ولا يبسط يديه بعـدها إلى أحد يعطيه أجراً على ما رآه . فلماذا يحس الجمال وهو يسأل عن فائدة الإحساس ؟ ولماذا يعبر عن الجمال وهو يسأل عن فائدة التعبير ؟ ولماذا يقتنى التمثال وهو يسأل لماذا أقتنيه ؟ ولماذا يسمع الغناء وهو يسأل لماذا أصغى إليه ؟ إنه ينبغي أن يصنع ذلك لأنه يحس ، و إنه يحس لأنه يحبـا فمن من يا ترى يريد أجراً على الحياة ! إن كان عبداً فمن سيده فليطلب أجره لوكان سيد" یعنی بتهذيب عبيده ؛ وإن كان هو سيداً فهو مالك حياته وكفى أنه يحيا تعليلا لكل عمل وترغيباً في كل مطلب وتقويما لكل عزيز نفيس .

ولقد يخطىء بعض الفلاسفة المصلحين في تقويم الفنون فيستكثرون ما أنفقت عليها الدول والملوك والسروات من مال وفير وجهـد عنيف . كذلك أخطأ تولستوى في كتابه عن الفن الجميل وهو نفسه قد أنفق عمراً مديداً في خدمة الفن الجميل . على أن خطأهم قريب المأخذ سهل المراجعة من ناحية الحساب ، إذ ليس القياس في هذا الصدد أن ننظر إلى مدينة مثل « هليوود » كم تنفق من الملايين على الروايات ، والممثلين ! و إنما القياس أن ننظر إلى مدن العالم كم عدادها بالقياس إلى « هليوود » وحدها أوكل مدينة جرت على مجراها . وليس القياس أن ننظر إلى الموسر كم يبذل من الألوف في تمثال واحد ، وإنما القياس أن ننظر إليه وإلى كل فرد كم ينفق على خبزه وكسائه وسكنه وراحتـه ، وكم ينفق على الفنون الجميلة التي يهواها من تماثيل وأغان وأشعار ؟ ومتى نظرنا هذه 6