صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/113

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

11.01 التدبير، وأجرأهم على الغارات وأحماهم أنفا وأعزهم جاراً ، فكان الغنى قرين الشجاعة والقوة والحمية ، وعنواناً على شمائل الرجولة المحببة إلى النساء أو التي يجب أن تكون محببة إليهن . ثم تقدم الزمان فصار أغنى الرجال أصبرهم على احتمال المشاق وتجشم الأخطار والتمرس بأهوال السفر وطول الاغتراب ، وأقدرهم على ضبط النفس وحسن فكان الفنى في هذا العصر قرين الشجاعة أيضا وقوة الإرادة وعلو الهمة وصعوبة المواس . ثم تقدم الزمان فصار أغنى الرجال أبعدهم نظراً وأوسعهم حيلة وأكيسهم خلقاً وأصلبهم على المثابرة وأجلدهم على مباشرة الحياة ومعاملة الناس ، فكان الغنى في هذا العصر قرين الثبات والنشاط ومتانة الخلق وجودة النظر في الأمور ، وهكذا تجد اكتساب المال الكثير في كل دليلاً على فضل الرجل ، وعلاقة توحى إلى نفس المرأة مايعين غريزتها على اختيار أجدر الرجال بحبها وأصلح الآباء لأبنائها . فلا تثريب عليها أن تختبر مزايا الرجل بهذا المسبار السهل القريب ، ولا لوم عليها أن تريد ثراء المال ولا تعدل به الفقر والفاقة ... » . ا فنحن لا نبخس البراعة المالية حقها ولا نغض من نفعها في باب الخدمة الاجتماعية ، ولا من دلالتها على الخلق والكفاءة العقلية ، ولكننا مطالبون في هذا العصر الحديث بإنقاذ المجتمع من الخلل الشديد الذي ألم بموازين الاقتصاد ومعايير الأرزاق حتى أصبح اقتناء الثروات ميسرا للمحتال والدجال الذي لا يعطى الناس بديلاً نافعاً يساوي الريح . الغزير الذي يتدفق عليه . ولعلنا نتلطف في الأمر حين نقول إنه لا يعطى الناس بديلاً نافعاً وهو في الواقع يضرهم بمقدار مايستفيد منهم ، ويحرمهم بمقدار ما يغدقون المزق عليه طائعين أوكارهين . ومثل من هذه الأمثال أولئك السماسرة الآنمون الذين يتواطأون على إشاعة الأراجيف ، وإقلاق الأسواق ، واللعب بأثمان الأسناد والأوراق ، ليسرقوا في ساعات ما تنقضى الأعمار دون الوصول إليه بالسعى الحلال أو بالسرقة على طريقة اللصوص الاقدمين . ومثل آخر من هذه الأمثال تلك الصفقات التي تنعقد في الهواء بغير مبادلة .