صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/170

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ١٦٢ - ولا شك أنها جميعاً من أكبر المصاعب التي تصادف الإنسان في دنياه وتضطره إلى العمل لاستدراكها بجهود الأفراد والجماعات . ولكنها مع هذا لم تخلق بغير حالات فردية أو اجتماعية توازنها وتصلح آثارها وتتحول بها من الإجحاف إلى الإنصاف . وليس في وسعنا أن نسرد جميع هذه الموازنات التي نستدرك بها تلك الفوارق والمفارقات . ولكنا نحصى منها ولا نحصيها فنذكر : « أولا » أن الفوارق لا تحول بيننا و بين السيطرة على جميع ا الأسباب ، وإن حالت بيننا و بين السيطرة على بعض الأسباب ، و إن الأسباب التي تسيطر عليها هي L ی التي تفسح أمامنا المجال للكفاح والنضال وإبراز الفضائل والخصال ، فلو كان كل فرد من الناس يؤتى حقه كاملا من تدبير الطبيعة أو تدبير المجتمع لما بقى للمزايا الفردية عمل يستدعيها ويبرزها ويبلغ بها إلى تمامها ، ولكانت الدنيا أشبه بالملجأ الذي توزع فيه حصص المأكل والمسكن ولوازم المعيشة بورقة مكتوبة ، لا تحتاج إلى عمل ولامرانة ولا صراس . و « ثانيا » أن المجتهد لا يفوته نصيبه كله و إن فاته بعضه قبل أن يناله بالاجتهاد . « ولكل مجتهد نصيب » حكمة صادقة لم تخطى كل الخطأ في ميدان من ميادين الحياة . فكثيراً ما يجنى العامل ثمرة سعيه بعد حرمان ، وكثيراً ما يضيع تراث العاجز الذي جاءه رخياً سخياً بغير عناء . و « ثالثا » أن الخير المكتسب أنفع لصاحبه وأمتع له من الخير الموهوب ، وأن الحظوظ التي تورث لا تساوى الحظوظ التي يستحقها المرء بسعيه ويتدرب على تحصيلها باستخدام حيلته وحوله ، ولو أننا وزنا ألف جنيه يرتها الغافل الساهي من أبويه وألف جنيه يستحقها العامل اليقظان برأيه وتدبيره لما كان من الإنصاف أن نسوى بين الصفقتين في القيمة الحيوية أو القيمة النفسية ، ولكنهما سواء في حساب المصارف والأرقام .