صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/181

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۷۳ - أما وصاحبنا المدهوش من جرأتنا يؤكد لنـا أن الأمر على غير ذلك فلنرجع إذن عن توكيداتنا الجريئة ، ولنعلن التوبة بين يديه لنقول له : صحيح ، صحيح والله ... الجنة والنار كانتا معروفتين قبل أبي العلاء ، والعالم السفلي كان معروفاً قبل لوسيان ... ولندن . . . لندن نعم لأجل خاطرك كانت موجودة قبـل رحلات المسافرين إليها ، وكذلك والله باريس ، وكذلك والله القاهرة ، وكذلك والله الهنـد والصين و بلاد تركب الأفيال . أو بلاد تمشى على الأرض ولا تركب حتى النعال . أفادك الله يا مولانا الذي يتربع على الكرسي العريض لينكر على المساكين من أمثالنا توكيداتهم الجريئة، ويعلمهم كيف تكون التوكيدات من آخر طراز . وأي توكيدات ؟ . ا توكيداته التي لا جرأة فيها هي أننا نحن المساكين ، أو أن أحداً من خلق الله أجمعين ، يجهل أن أبا العلاء قد تكلم عن شيء معروف حين تكلم عن الجنة والنار ، وأن لوسيان لم يكن أول من سمع بالعالم السفلي بين قدماء اليونان . فنحن بعد الاستئذان في قليل من الجرأة التي يدهش لها صاحبنا نجترىء مرة أخرى فنقول له: إننا لم نجهل معرفة الناس بالجنة والنار وهبوط الملائكة وصعود الشياطين قبل أبي العلاء ، وأن أحداً من القارئين لم يجهل هذا ، ولا يحسن بأحـد أن يرمى أحداً بجهله . فهذا تحصيل حاصل مفروغ . منه ، وليس أدعى إلى الدهشة من مجازف يجترىء على توكيده . . . ولكننا إذا تكلمنا عن الآثار الأدبية التي تتخذ من الرحلة" بين الجنة والنار موضوعاً لهـا ، فهذا كلام آخر يجمل به أن يصغى إليه ؛ وإذا جمعنا بين المعرى ولوسيان في هذا الصدد فذلك مبحث يصح النظر فيه والاستفادة منـه أما أن يتربع متربع على كرسى الفتاوى ليحدث قراءه بوجود السماء والأرض والملائكة والشياطين قبل الكتابة عنهم والرحلة إليهم ، أو بوجود لنـدن وبرلين قبل كتب السياحة والرحالين ، فلا يستغرب أن يجترىء بعض القراء ، وياله من اجتراء ، فيزحزح له كرسيه قليلا إلى الوراء ! .