صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/189

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۸۱ – أعمال الإنسان بالبواعث والدوافع قبل أن تفسر بالنتائج والغايات . و إذا قيل لنا إن فلاناً يجمع المال لأنه يخاف عاقبة الفقر ، قلنا : ولماذا يخاف هذه العاقبة التي لا يخافها غيره ! إنه لا يخالف غيره إلا لاختلاف البواعث النفسية دون الاختلاف في الغايات . هذا كلامي فكيف فهمه كاتب المقال عن الفقر ومسألته الاجتماعية ؟ ! . فهمه على أسلوب الاشتراكيين في فهم كل شيء ؛ وأسلوبهم أنهم يفهمون ما يروقهم ، وأن الذي يروقهم هو المناوأة والإنكار ، وعلى هذه السنة ينكرون العصامية كما ينكرون الغنى ، ويسمون الفقر مسألة اجتماعيـة ليريحـوا أنفسهم من العطف على الضعفاء ، فلا هم يطيقون الممتازين بالفضل أو بالثروة ، ولاهم يشعرون بالعطف الصحيح على المحرومين من النبوغ والمال . وماذا يفيد العطف كما يقولون ؟ أليست هي مسألة اجتماعية لا دخل فيها للشعور والرحمة ؟ ! . ا وكأننا إذا قلنا إن الفقر داء اجتماعي يعالج كما تعالج الأدواء الاجتماعية خرجنا به من طريق العلاج . . . وكأنهم إذا قالوا إنه مسألة وليس بداء فرجوا أزمة الفقر أو اقتربوا بها من التفريج . على أن الحقيقة أن الدنيا لن يزال فيها الفقراء والأغنياء ، ولن يزال فيها الأذكياء والأغبياء ، ولن يزال فيها الأخيـار والأشرار ، ولن يزال فيها السمان والعجاف والطوال والقصار والأقوياء والضعفاء . وآفة الاشتراكيين أنهم لا يعيشون ، ويتعرضون مع هذا لعلاج مسألة العيش . . . فحيـاة كارل ماركس الشخصية تكتب في صفحتين ، وكذلك حياة لنين وستالين وإخوانهم أجمعين . ولو عاشوا لفهموا العيش غير هذا الفهم وعالجوه غير هذا العلاج . فقوانين الحياة سابقة لقوانين الاجتماع . وقوانين الحياة هي التي أوجبت بين الناس هذا التفاوت في الأرزاق كما أوجبته بين الحيوان والنبات . وعبث أن نعلق الرجاء بالمستحيل ، فلا انتهاء للتفاوت في مطبوع ولا في مكسوب . وغاية ما نستطيع .