صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/205

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۹۷ – ومن الخطـأ البين أن يقال إن التربية الحربية أو التربية العسكرية تخلق الشجاعة حيث لم تخلق في طباع الأمم جيلا بعد جيل وأبين ما يكون ذلك الخطأ، إذا قيل إن الضعفاء يتعلمون الشجاعة بتلك التربية الحربية في العصر الحديث على التخصيص . ولا نبدأ بالتعليل قبل أن نمهد له بالإشارة إلى الواقع الذي لا جدال فيه . فهذا مثال الفاشية في إيطاليا غني عن الإفاضة في مراجعة المثلات وضرب الأمثال ؛ لأن الفاشية زعمت أنها تبعث النخوة بعثاً جديداً في بقايا الأمة الرومانية القديمة ، وزعم أناس من الشرقيين مثـل هذا الزعم فظنوا أن التربية الحربية منذ الصبا الباكر صنعت في الأمة الإيطالية الأعاجيب ، وهي خليقة أن تصنع مثل تلك الأعاجيب في النهوض بعزائم الشرقيين ، وراح بعض الدعاة يحاكونها محاكاة لا ترجع إلى فهم ولا اختبار ، وكل ما كانت ترجع إليه تخيل كاذب ومظهر خلاب . والحق أن التربية الحربية أوالعسكرية – كما كانوا يسمونها هناك ـ كانت أولى بالفلاح في التجربة الإيطالية لو أنها كتب لها أن تفلح في بلد من البلدان . لأنهم كانوا ينشئون الأطفال عليها من الخامسة ، ويتعهدونهم بها إلى ما بعـد العشرين . ومضى على التجربة منذ بدايتها نيف وعشرون سنة ، بدأت قبل الزحف الفاشي على رومة وانتهت قبل الزحف عليها بجيوش الحلفاء الديمقراطيين . فماذا أفاد كل ذاك ؟ . لقد كان أولئك الجنود الفاشيون أسبق المقاتلين إلى الفرار في ميدان الصحراء وفى ميدان اليونان ، وكانت هذه التربية مجبنة لهم ولم تكن سبيلا إلى الشجاعة ونهوض العزيمة ، لأن العزيمة والجعجعة قلما تجتمعان . ثم ذهب موسليني – إمام الفاشية – بين عشية وضحاها فلم يسرع إلى نجدته أحد من جنوده في طول البلاد وعرضها سواء ما وقع منها في قبضة الحلفاء الديمقراطيين ، وما بقى منها في قبضة الألمان النازيين ، وجاءه المدد حين جاءه من هؤلاء 4