صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/21

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٣–

رياضة الفقير الهندي المتقشف من رياضة الحسناء بالتقتير على جسدها في الشراب والطعام؛ لتزداد جمالًا على جمال ونشاطًا على نشاط؟ أين الزهد في المال انصرافًا إلى الغنى من الزهد في المال انصرافًا عن الدنيا؟ إن الفرق بين تعذيب وتعذيب ليبلغ أحيانًا من السعة أبعد مما بين النعيم والعذاب، وهكذا كان الفرق بين صرامة المعري وصرامة ديجاس.

***

وثمة خلاف غير هذا الخلاف بيني وبين الدكتور في حديثه عن صديقنا القديم. فالدكتور ينقل شذرة من فصول المعري وغاياته يقول فيها:

يقدر ربنا أن يجعل الإنسان ينظر بقدمه، ويسمع الأصوات بيده، وتكون بنانه مجاري دمعه، ويجد الطعم بأذنه، ويشم الروائح بمنكبه، ويمشي إلى الغرض على هامته، وأن يقرن بين النيروسنير حتى يريا كفرسي رهان. ثم يعقب الدكتور على هذه الشذرة، فيقول: «أما أنا فما أشك في أن أبا العلاء قد قصد بهذا الفصل خاصة إلى رأي من أشد الآراء الفلسفية الأبيقورية خطرًا؛ وهو إنكار العلة الغائية، وإثبات أن العالم كما هو لم يخلق لغاية معينة من هذه الغايات التي نعرفها نحن، ونزعم أن الأشياء قد خلقت لتحقيقها.»

وعندنا نحن أن سماع الإنسان بيده، أو شمه الروائح بمنكبه لا ينفي العلة الغائية؛ لأن الوسيلة والغاية هنا موجودتان، ولم تختلف إلا الوسيلة التي تتحقق بها الغاية.

وأصوب من هذا أن يقال: إن رأي المعري شبيه برأي المعاصرين الذين يقولون: «إن الوظيفة تسبق العضو، وإن القوة تسبق الظاهرة.»

فإذا وجدت الرغبة في الحركة أو في هضم الطعام وجدت الأعضاء التي تتكفل بأداء هذه الوظيفة على اختلاف الأشكال والأوضاع في أجناس الحيوان.

وللشاعر الإنجليزي «كولردج» — على ما أذكر — كلمة في مصور عظيم يقول فيها: «إنه لمصور ولو خلق بغير ذراعين.» مريدًا بذلك أن التصوير وظيفة قبل أن