صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/219

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۱۱ - إن النبوغ صفة في أصحابها وليست صفة في غيرهم ، فإذا تعلم غير النابغين أو لم يتعلموا فصفة النبوغ باقية في أصحابها سواء ظهروا بين المتعلمين أو ظهروا بين الجهلاء . وكل ما هنالك من فرق أن النابغة الذي يظهر بين المتعلمين أنبـغ من زميله الذي يظهر بين الجهلاء ، وتلك شهادة للنابغين في العصر الحديث تضاف إلى ميزان الحسنات والمرجحات . ومسافة البعد بين النابغ القديم ومعاصريه ، هي مسافة البعد بين نابغينا وأبناء عصرنا إذا نحن تجاوزنا مسألة التعليم ووفرة المتعلمين ، لأن النبوغ ملكة مطبوعة ، والمسافة بين المطبوعين وغير المطبوعين اليوم هي هي المسافة بين الفريقين قبل مائة عام أو ألف عام ، فليس فضل إديسون في زماننا أنه يعرف في علم الضوء وعلم الصوت ما ليس يعرفه أبناء عصره ، ولكنها فضله أنه نابغ وهم غير نابغين ، فأفاد بالعلم اليسير ما لم يفده الآخرون بالعلم الغزير ، وظلت المسافة بينهم و بينه في النبوغ كالمسافة بين أرخميد ومن عاصروه من غير النابغين ، و إن اختلف العصران في شيوع العلم وكثرة المتعلمين عن النظر إليه » يقول الأستاذ الفاضل : « مقياس النابغة في نظري أن يفوق أهل زمانه و يسبقهم في فنه أو علمه أو أدبه حتى لا يدركوه إلا بعد أزمان ، وعلى مقدار هذا السبق يكون النبوغ . فسيبويه نابغة في النحو ، لأنه رأى من قواعده ماعجز أهل زمانه » وأنا أقول كما يقول الأستاذ : إن النابغة يفوق أهل زمانه في معرض من معارض - العلوم والفنون ، ولكني لا أقول إن عصرنا لم ينجب أمثال سيبويه ، بل أقول إن سيبويه لوعاش في عصرنا لما فاق نوابغه الأحياء ، و إن نوابغنا الأحياء لو عاشوا في عصره لما قصروا عن شأوه ، لأن الملكات التي تعرف وحدة الأسماء والأفعال بين لغات أوربا والعملات آسيا لاتقل عن الملكات التي تعرف الوحدة أو الاختلاف بين قبيلة وقبيلة من أبناء البادية ، لا لأن الأمر يرجع إلى كثرة المتعلمين عندنا وقلة المتعلمين قبل نيف وعشرة قرون ، (