صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/220

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۱۲ - وعندي أن المعاصرين ينظرون إلى نوابغهم وأبطالهم كما كان الأقدمون ينظرون إلى النوابغ والأبطال في عصورهم ، إلا من كان منهم موسوماً بسمة الدين أو محوطاً بهالة الإيمان . فالأستاذ يقول إن نابليون ظهر « فاستعبد الناس وأجرى الدماء أنهاراً وقلب المالك رأساً على عقب ودوخ الدنيا فكان نابغة حقاً في ناحية . وبيننا الآن في عصرنا من هم أعلم منه بفنون الحرب ومن هم أقوى منه إرادة وأبعد نظراً ، ولكن من الصعب أن نسميهم نوابغ ، لأن الناس ليسوا مغفلين كما كانوا أيام نابليون ، ولأنه وحده كان هو القاهر المريد ومن حوله كانوا المنفذين المأمورين ، فظهر ولم يظهروا ونبغ ولم ينبغ بجانبه إلا قليل » فليت الأمر كما يبشرنا الأستاذ من هذه الناحية ، إنما الواقع أن أحداً من أبناء القرن الثاني عشر لم يناد بأن الإمبراطور معصوم كما ينادى الفاشيون من أبناء القرن العشرين بعصمة « الدوتشي » وطاعته بغير تفكير ولا امتعاض . والواقع أن نابليون لم يجسر يوماً على صنيع كالذي صنعه « الفوهرر » قبـل ثلاث سنوات من « تطهير » البلاد بلا محاكمة ولا سؤال . وقـد كان « لنين » ينحى على القديسين ، ولا يعترف للعظماء بأثر في توجيـه التاريخ إلا الأثر الذي يعترف به الشيوعيون ، فلما مات أقاموا له ضريحاً لم يحلم به كاهن ولا راهب في عهد القياصرة أو عهد الكنائس والقديسين . و إننا لنسمع كل يوم عن الألوف التي تندفع حول نوابغ الصور المتحركة للظفر بتوقيع بطاقة أو صورة شمسية ، كما نسمع بالألوف التي تتدفع من أجل هذا حول أبطال الألعاب الرياضية وأبطال السياحة والطيران وأشباههم من أصحاب الشهرة في كل ميدان يتصل بالجماهير . أما العلماء والأدباء فمن نبغ منهم واشتهر فليس نصيبه من الإعجـاب والجزاء. بأقل من نصيب أمثاله قبل أجيال وأحقاب ، ومن لم يتبغ ولم يشتهر فله قرناء يماثلونه بؤسا وغبنا وشظفاً في أقرب العصور وأبعد العصور . لا ، بل نحن لانستثنى أصحاب المكانة الدينية على إطلاق الاستثناء ، فما يربحه