صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/221

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۱۳ - الدعاة باسم الدين اليوم لا يقل عما كانوا يربحونه في الأيام الخاليـة ؛ والثقة بأغاخان اليوم وهو يعيش في أوربا عيشة المترفين المتطلقين لا تقل عن الثقة بإمام زاهد عاكف على العبادة كان يعيش في صومعته قبل عصر الكشف والاختراع ولم ننفرد نحن باكبار البعيد في الزمان أو المكان وترجيحه على أنداده وقرنائه الذين نراهم رأي العين ونعرفهم بالمصاحبة اللقاء ، فقديما كانوا يقولون إن زامر الحي لا يحظى باطراب ، وقديما كان الجاحظ يكتب الرسائل وينحلها الكتاب الأسبقين ليحظى بالإصغاء والتقريظ . وأحسب أن إيثار الماضي على هذا النمط له علة شائعة بل علل شائعات لا تنحصر في وقت ولا يخلو منها قبيل فالماضي يشبه المثل الأعلى لأنه غائب عن الأنظار كالمثل الأعلى في هالاته وخيالاته،أما الحاضر فهو كالواقع المحسوس الذي نحب أبدأ أن نتجاوزه و نطمح إلى ماوراءه ولقد كان المشركون ينكرون النبي عليه السلام ولا ينكرون منه إلا أنه «يأكل الطعام ويمشى في الأسواق » . ترى هل كان الأنبياء فيما مضى لا يأكلون طعاماً ولا يمشون في سوق ؟ كلا بل كانوا يأكلون ويمشون ، ولكنهم بعدوا واحتجبوا فخيل إلى غير معاصريهم أنهم مختلفون ومن العلل التي تجنح ببعضهم إلى تهيب « السلف الصالح » أننا ننظر إليهم كما ننظر إلى الآباء والأجداد ، كأنهم كبار ونحن صغار، لأنهم ولدوا قبلنا بمائة عام أو مئات من الأعوام ، و ينسى المتهيبون أن السابقين كانوا أطفالا في سن الطفولة، وأننا سنصبح : شيوخاً مع السنين أو نربي في الشيخوخة على أولئك الآباء والأجداد . ومن تلك العلل ما أومأنا إليه في مقالنا الأول عن سهو الذين يقارنون بين الماضي والحاضر فيجعلونهما كفتين تتساويان في نطاق الزمان والمكان ، مع أن الحاضر زمن واحد والماضى حاضر قد تكرر عشرات ومئات . وعندنا نحن الوارثين للثقافة العربية سببان آخران لا يلحظان بهذه القوة