صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/222

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٢١٤ في جميع الشعوب : أحدها أن العربي يعتز بالأنساب وينوط الفخار كله بماضيه ، لأنه من سلالة القبائل التي تغلب فيها العصبية وترسخ فيها الأصول . والثاني أن الماضى أقرب إلى منشأ الدين ، فيخيل إلينا أن الأقدم فالأقدم هو الأصلح فالأصلح والأعلى فالأعلى ، وإن لم تدلنا الدلائل على اطراد هذا القياس . (

تلك الأسباب كلها خليقة أن تضاعف احتراسنا كلما عمدنا إلى الموازنة بين حاضر وغائب وقريب وبعيد ، فهي صنحة تؤخذ من كفة الأقدمين وتضاف إلى كفة المحدثين في ميزان الإنصاف . ومما لا شك فيه أن ملكات النبوغ لا تقل في عصرنا بل هي أحجى أن تزيد وتنشط ، بل هي قد زادت ونشطت فعلا باتساع مجال السعى والمنافسة والتفكير والاستنباط ؛ ومما لا شك فيه أن الأقدمين لم ينظروا إلى معاصريهم إلا كما ننظر نحن إلى معاصرينا ، وأنهم لم يشعروا قط بتلك المهابة التي نضفيها عليهم الآن ولا بذلك الترجيح الذي نمحضهم إياه . أما أنهم كانوا يرون نوابغهم وأبطالهم كما نراهم الآن فذلك ما تخالف فيه الأستاذ لأنه خلاف المعهود والمروى والمسطور . وهبهم أكبروا معاصريهم لأنهم قلائل، وأصغرنا معاصرينا لأنهم كثيرون لا نادرون " كما يقول الأستاذ الفاضل ، فإنما يكون ذلك كالذهب الذي يكثر تداوله فيرخص سعره وهو ذهب لا شك فيه ، و إنما يكون النبوغ نبوغا ولا يكون شيئاً آخر مهما يكن حظ الناس من التعليم ، لأنه ملكة في الطباع لا يختلف كنهها و إن اختلفت أنظار الناس إليها ، ولا تزال الإنسانية بحاجة إلى الكثير منها والقليل . وخلاصة القول أننا نستطيع أن نقول مع الأستاذ الكبير إن النبوغ في عصرنا كثرة لا ندرة ، ولا نستطيع أن نقول معه إن المسافة بين النابغ وسواد الناس تقترب في العصر الحديث ، لأن ازدياد التعليم يزيد نصيب المتعلم من المعرفة ولا يخوله فطرة أخرى ولا ملكة مطبوعة كتلك التي يخلق بها النابغون الممتازون .