صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/227

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۱۹ - لو أسلمنا الآلات الكاتبة إلى ستة قرود يدقون على حروفها بغير قصد ولا معرفة ، ملايين بعد ملايين من السنين لكان لزاما أن يجيء الوقت الذي « تنكتب » فيه بهذه الوسيلة جميع الكتب التي في المتحف البريطاني » ولا يخفى ما يريده هكسلي بهذه النكتة المنطقية ، ولكنه على كل حال قد خرج بالمسألة إلى « ما وراء الطبيعة ، وأبطل حكم العقل والإرادة فيها . فمهما يطل عمر الإنسان فما هو ببالغ أن يفسر لنا على هذا النمط اتفاق الخواطر في صفحة واحدة بله الألوف من المجلدات التي تحويها دار الكتب البريطانية . ولا حاجة إلى القرود الستة وملايين السنين والآلات الكاتبة لتعليل توارد الخواطر في الآراء أو في العبارات ، فإن علم النفس يغنينا حيث لا يغنى التطوح ملايين السنين وراء المشهود والمحسوس . وقد كان علم النفس كافياً حتى الآن لتعليل حفظ العقول صفحات عديدة في حالة « الغيبوبة » أو حالة التنويم المغناطيسي أو حالة « التنويم الذاتي » أو مايشبه هذه الحالات من عوارض الحمى العصبية . فإذا رأينا حالة كالتي رواها صديقنا الأستاذ المازني يستوعب فيها الإنسان بضع صفحات لايخرم منها حرقا ولا نقطة ثم يعيدها وهو معتقد أنه يمليها من وحى بديهته فلنرجع إلى علم النفس في وصف العوارض التي تأتي بهـذه الغرائب فإنه لكفيل بتعليلها أو بإبداء ، مقطع الحق فيها . « و إنما العبرة من جميع ما تقدم أن نسأل : ترى لو صدر كتاب « عظماء الرياضيين» » قبل كتابة المقال الذي ناقشت به الأستاذ المازني منذ أربع عشرة سنة ، أما كان أقرب : الاحتمالات إلى الذهن أنني قرأت ذلك الكتاب واستوحيت منه التحليل الذي فرقت به بين عقول الطبيعيين وعقول الرياضيين وعقول الموسيقيين ؟ أماكان من المستغرب يومئذ أن يقال إننى لم أطلع على ذلك الكتاب وإن كان مؤلفه لم يبسط فيه الرأي الذي بسطته ، ولم يتجاوز أن جمع أخبار الرياضيين وعجائبهم في سجل واحد ؟ . فأما وصدور الكتاب بعد كتابة المقال محقق لاشك فيه فهذا التوافق يبدو