صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/246

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۳۸ - فالبيت في العصر الحديث مهدد الأساس ، ولا وقاية له من هذا التهديد إلا الإقلال من العواصم الكبرى وتشجيع الإقامة في الريف ، و إلا تربية الذوق المستقل الذي يصعب انغماسه في غمرة الجماهير ، وتربية الإرادة الفردية التي يهمها أن تنطوى على نفسها حينا بعد حين ، ويعجبها أن تنعم بالعشرة الأخوية بين الصحب المتفاهمين والأقارب المتعاونين ، فوق إعجابها بضجة السواد و زحام القطيع . وليس ما نذكره هنـا حلولا لمشكلة الزواج ولا علاجاً حاسما لآفات العصر الحديث ، ولكنه محاولة لفهم المشاكل على حقيقتها لا غنى عنها وعن أمثالها قبل الرجاء في علاج ناجع ؛ إذ كل علاج لا يسبقه الفهم الصحيح يقع على غير الداء ، وقـد يضاعف الأذى ولا يدنى من الشفاء .

، إلا أننا نعتقد أن الحلول جميعاً لن تخلى الزواج من عمدة مؤربة باقية على الزمن كله ، لأنها قائمة على طبيعة في النفس الإنسانية لا يرجى لها تبديل كبير . تلك العقدة هي غرابة الأسرار الجنسية التي تدفع بالرجل إلى اختيار المرأة ، وتدفع بالمرأة إلى اختيار الرجل . فليس لزاماً أن يحب الرجل امرأة تستحق حبه ، أو تصلحه وتصلح أبناءه ، أو تجد فيه مزية كالمزية التي يجدها فيها ؛ بل يتفق كثيراً ر أن يترك المرأة التي تسعده و يتعلق بالمرأة التي تشقيه ، ويتفق كثيراً أن يهواها للأسباب و التي توجب عليه اجتواءها والإعراض عنها . وشأن المرأة في هذه الخليقة أعجب من شأن الرجل وأنأى عن الرشد ودواعي الاختيار المميز البصير ؛ فإن إخلاصها لمن يستحق منها الإخلاص أندر من إخلاصها لمن يفسدونها و يسيئون إليها ، وهي خليقة لها أسرار أعمق من عرف المجتمع وآداب الزواج وأواصر الأهل والأسر ، وليس بالميسور مع بقائها في الطباع خلو الزواج من المشكلات . ولكن الطبيعة تهدينا إلى بعض الأسرار ، كما تخفى عنا كثيراً من الأسرار ، وحسبنا أن نقتدي بها في أساليبها لنتهى إلى شيء في هذا الباب خير من لا شيء .