صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/255

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ٢٤٧ - ما هـذا برأي . هذا لمس بالعين . هذا ما تبصرونه كما تبصره كل عين حيوانية تفتيح أجفانها ، و إنما الرأي غير هذا الرأي ما بيصرك بالانهزام وأنت ننظر إلى النصر الملموس فإن لم يفدنا الرأى هذه الفائدة فلا خير فيه ، ولاحاجة بنا إليه مع وجود العيون والأجفان ، إذ حسبنا بالعيون والأجفان أن تفتحها فناس بها ، ثم لا نفكر ولا نرى خلاف ما تبديه . وهكذا يبصر الإنسان وجوه الرأي لأنه لا يرى الشيء على حالة واحدة ولا يستوفيه ، كله في صورة حاضرة فهو يبصر وجوه الرأي في الضرب مثلا لأنه يحسه لذيذاً في حين ومؤلما في حين ولا يحسه في بعض الأحايين . يحسه لذيذاً حين يكون هو الضارب ، ويحسه مؤلماً حين يكون هو المضروب ، وليس يحس له لذة ولا ألما حين لا يكون ضاربا ولا مضروباً ولا شأن له في الحالتين . ومن العسير عليه جداً أن يعرف ما هو الضرب إذا عرفه على وجه واحد ، ولم يعرفه على شتى الوجوه . البعيد جداً أن يراه بالحق إن لم يره بالهوى على اختلافه ، فيحبه و يبغضه ومن وينظر إليه بين الحب والبغض ، و « يراه » بعد ذلك مستجمعاً لجميع هذه الوجوه . وهذا هو باب الكمال في تعدد الأهواء وتعدد الحكم على العمل الواحد إذ نعمله ؟ نحن وإذ يعمله الخصوم ، و إذ يعمله من ليس من الخصوم ولا من الأصدقاء . وكل صورة من صوره هذه تمام لغيرها ، ولا سبيل إلى التمام فيها بغير هذا التعديد يقولون في الصعيد : إن نواتيا سمع مضغا قوياً في مخزن الخبز الجاف من سفينته فأشفق من نفاد المؤونة في الطريق وصاح منـــــــا : من هذا الذي يقضم في الخبز - قضم الحمار ؟