صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/272

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ٢٦٤ - الإنسان ظهر بعد الحيوان ، فالمادة إذن أسبق من العقل في الترتيب . . ويقول فريق آخر : إن فاقد الشيء لا يعطيه ، و إن العقل أشرف من المادة ، فهي لا تخلقه وهو أولى بأن يخلقها و يسبقها في الوجود على الأقل سبق العلة للمعلول . أكلاء فار غ هـذا ؟ أهو كلام لا يعنينا ولا يدخل في حسابنا ؟ كلا ... لأن التفسير المادي للتاريخ مذهب عملي في الحياة الاجتماعية قام على القول بأن المادة هي القديمة وأن العقل هو الحديث ، وتوطدت عليه دعوة «كارل ماركس » التي فعلت بعد ذلك الأفاعيل في مجرى السياسة العالمية وفي مجرى العلاقة بين الطبقات ، ولو استطاع فيلسوف أن يقنع الإمام وأتباعه بقدم العقل وحدوث المادة لتغير تاريخ الكرة الأرضية وتغيرت نظرات الملايين من الناس إلى الحياة . فهذه الصناعة التي تسمى بالفلسفة لا تغادر الطبيعة كل المغادرة ولا تنطلق منها إلى ما وراءها بغير رجعة إلينا في حياة الغذاء والكساء . و إهمال هذه الصناعة غير مأمون على مهمليها ، لأن الفرق بين الفلسفة الصالحة والفلسفة الطالحة قد يكون فرقا بين ثورة واستقرار ، أو بين حرب وسلام ، أو بين هداية وضلال .

ونحن حين نذيع البشارة بقيام الفلسفة في مصر لا تذيع بشارة في سماوات الخيال ، ولا ننسى الذين يعيشون ويعلمون أنهم يعيشون لأنهم يأكلون ويشربون و يلبسون ، أو لأنهم لا يطلبون من هذا الوجود مطلباً غير المأكل والمشرب واللباس .

  • * *

نعم في مصر فلسفة . نعم وفيها عناية بالكتب الفلسفية . وآية ذلك أن ك أننا تلقينـا في عام واحد نحو عشرين رسالة في المباحث الفلسفية وما إليها ، وعامنا أنها تقرأ في بيئة المتعلمين الذين يؤدون الامتحان المدرسي وتقرأ في بيئة المطلعين الذين يقنعون بالاطلاع