صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/43

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٣٥–

أما أنني تمنيت الأدب ولم أتمن السعادة، فسبب ذلك بسيط لا نطيل الإفاضة فيه.

سببه أن السعادة أمنية عامة، وليست بالأمنية المحدودة أو الأمنية الخاصة.

فمن قال: إنه يتمنى السعادة، فكأنما قال: إنه يتمنى ما يتمناه كل إنسان، وكأنه بذلك لم يقل شيئًا يستحق السؤال.

كلنا يتمنى السعادة، ولكن سعادة هذا غير سعادة ذاك.

سعادة هذا في المعرفة، وسعادة ذاك في جمع المال، وسعادة غيرهما في السطوة والاستعلاء، وسعادة آخرين في الراحة والقناعة، وكلهم يتمنون السعادة على نحو من الأنحاء.

فإذا سألني سائل ماذا تتمنى، فهو لا ينتظر مني أن أحيله إلى السعادة مجملةً غير مفصلة، بل هو ينتظر مني أن أبين له الأمنية التي تسعدني إن ظفرتُ بها، أو التي أعتقد أن طريقها هو طريق السعادة وإن لم أصل إليها.

وكذلك لذة الحياة أو لذات الحياة، فهي مسألة وظيفة من وظائف البنية الحية، لا تحتاج إلى سؤال، وما من حي إلا وهو يشتهي أن يشعر باللذة وأن يجتنب الألم، وغاية ما بين الأحياء من فروق في هذا الباب أن يختلفوا في أسباب اللذة ودرجاتها على نحو قريب من اختلافهم في أسباب السعادة ودرجاتها.

هي وظيفة وليست أمنية.

ومن قال: إنني أطلب اللذة، فكأنما قال: إن لي معدة ولي عينين ويدين وقدمين، وذلك غني عن المقال.

***

أما الحب وأنه أمنية للشاعر وإخوانه من رجال الفنون فذلك صحيح.

ولكن من قال: إن «التعبير عن النفس» لا يشمل الحب في بعض نواحيه؟

ومن قال إن الاشتياق إلى الحب والاشتياق إلى التعبير عن النفس شيئان مختلفان؟