صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/48

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

-{+ - ما خلت الدنيا قط ولن تخلو من التعلم والتعليم ، و إن اليوم الذي ننبذ فيـه كل ما نتعلمه ونتعب في تعلمه لهو اليوم الذي ينحدر فيه الإنسان إلى الجهل الذي هو أشيع شيء بين الناس وأغناه عن معلمين ومتعامين ، وعن جهد في التعليم والتحصيل . و إذا كنا نحتج لبقاء اللغة العامية بأنها اللغة التي يعرفها الجاهل بغير تعلم فلماذا لا نحتج لكل جهل بمثل هذا الاحتجاج ؟ وأي شيء أحق من العقل الإنساني ؟ ومن النفس الإنسانية بأن نفهمهما على الوجه الأمثل حين نفهم اللغة الصالحة لإبداع أشرف المعاني وأرفع الصور الذهنية وأحقها بالبقاء والتخليد ؟ واللغة العامية بطبيعتها لغة وقت محدود وجهة محدودة ، فهي لا تصلح لبقاء أثر من الآثار التي تستحق البقاء . ولن نكسب شيئا ولا الفقراء يكسبون بصيانة حديث العامة وإهمال الحديث الذي يخلد المتنبي والمعرى وابن الرومي وشكسبير وهوميروس وسوفكليس وفرجيل وما ارتقى العامة قط لأنهم فهموا نظام الصحة وقواعد الحكم وهم جهلاء أميون ، ولكنهم يرتقون حين يتعلمون ويقتدرون على فهم الكلام في لغة المعرفة والإرشاد . أما وهم أميون جهلاء فلن يفهموا ما يقال ، ولو قيل لهم بلغة الجهال . و إنها لبدعة عجيبة تلك التي سرت في الزمن الأخير وتعلق بها أناس منا مخلصين وأناس مخدوعين وأناس منا يسيئون النية وهم على علم بالغرض مما يدعون إليه . فالدعوة إلى تغليب العامية إنما تنبع في مصدرها الأول من جانبين متناقضين . وإن اتفقا في غرض واحد فجانب الشيوعيين المنكرين للعقائد والأديان يحقدون على اللغة الفصحى لحقدهم على كل امتياز وارتفاع ، وغرامهم بكل ما يهبط إلى مرتبة الصعاليك ثم هم لا ينسون أن القضاء على العربية الفصحى فيه قضاء على دين المسلمين الذي يحاربونه كما يحاربون كل دين . وجانب المبشرين لا يعنيهم من الأمر إلا أن يحاربوا الدين بين الأم العربية ،

{