صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/53

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

1201 كثير عليه ؛ بل يدل على أنه لا يزال في حاجة إلى كتب ضخمة إلى جانب ذلك الكتاب للتعريف بقدره ، والتنبيه إلى دقائقه ، والوصول إلى فهم الأدب والشعر عن طريق فهمه . فابن الرومي في الملكة الشعرية الفنية قمة لا تطاولها القمم ، مثـل لا تقاربه الأمثال ، طراز ليس له في الدنيا نظير . نعم في الدنيـا أقول ولا أقول في أدب العرب أو أدب الفرس أو أدب الروم أو أدب أمة واحدة من الأمم . في الدنيا كلهـا لا نعرف نظيراً لابن الرومي فيها رزقه الله ملكة التصوير الفنى ومن القدرة الشعرية على استيعاب كل مرئى رآه وكل محسوس أحسه وكل خالجة جرت بين طواياه . في الدنيا كلها نقول ونحن نعنى ونعلم ما نقول . ومن لم يفهم هذا فليجتهد في فهمه، قبل أن يجتهد في رفض رأى ليس عنده من أسباب رفضه مثل ما عندنا من أسباب الذهاب إليه ، وأسباب تأييده . بيتان اثنان من شعر ابن الرومي يصلحان لتقريب هذه الحقيقة ، لأنهما نظا بمحض الباعث إلى التصوير الفنى ، ولم ينظمها محاكاة للموضوعات التي يتناقلها الشعراء وهذان البيتان ها قوله في وصف حقل من الكتان : وجلس من الكتان أخضر ناعم نوشته داني الرباب مطير ذوائبـه حتى يقال غدير إذا اطردت فيه الشمال تتابعت بيتان ليس لها رنين ولا بهرج ولا بارقة من المحسنات وأفانين الأناقة ؛ ولكنهما لا يدعان محسوسة واحدة من محسوسات حقل الكتان إلا وعياها وسجلاها والتهماها كما يلتهم الفم الجائع ما يشتهيه . فالصورة المرئية لها عناصرها التي تتم بها من جميع نواحيها : عنصر النظر كله ، وعنصر اللون ، وعنصر اللمس ، وعنصر الوقت الذي تراهافيه ، وعنصر الموقع الذي تقع فيه من المكان ، وعنصر الحركة .