صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/54

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 27- ما من شيء يبقى في الصورة المرئية بعد استيعاب هذا ، وما من شيء من هـذا لم يستوعبه ذالك البيتان . في كلمة « جلس » تمثيل للمنظر كله . اختارها ولم يختر كلمة حقل أو مزرعة أو ما شابه هذه الكلمات ، لأنها تمثل المنظر تمثيلاً لا يتفق لسواها . وأخضر تذكرنا اللون ، وناعم تذكرنا اللمس ، والتوسن يذكرنا وقت الوسن وشعور الوسن في وقت واحد ، وداني الرباب المطير يمثل لنا حواشي المكان حيث تحيط بذلك الكتان ، واطراد الذوائب كاطراد الغدير يمثل لنا الحركة على أحسن تشبيه وأصدق محاكاة . تمت الصورة على هذا النحو لأن كل حاسة من حواس هذا الشاعر الخالد هي في جوعها إلى محسوساتها كالفم الجائع إلى الطعام الذي تقوم به الحياة . زجاجة حساسة شاملة لاتخطىء شيئاً مما يقابلها ، وتصيبه لأنهـا حية حية بالغة ، ر في الحياة ، لا لمراعاة النظير ولا لتجويد المحسنات ولا لطرق الأبواب التي تقـدم بطرقها الشعراء . إذا قرىء ابن الرومي على هذا النحو عرف ابن الرومي شاعراً لا نظير له في آداب الدنيا ، و إنما الطريق إلى قراءته على هذا النحو أن نحس كما أحس وأن د نعلم ما عنده لنبحث عنه ونلتفت إليه ونظفر به حيثما وجدناه . ولمن شاء أن يذكر بي ماشاء من أبيات وصفه أبين له ما فيها من عناصر الاستيعاب التي لم تتفق لغيره من الشعراء ، فإنما وصفه لجلس الكتان نموذج قريب المتناول لسائر الأوصاف . أما الأديب الذي يسألني عن غلاة المحدثين من المصورين فينتظر منى جواباً مسهباً عن مدرستهم ومدارس أمثالهم في سائر الفنون ، لأن هذه البدعة قد عمت فنوناً أخرى ولم تنحصر في التصوير . والذي أراه أن الإسهاب هنا فضول لا حاجة إليه ، لأن بطلان الأساس الذي