صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/55

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٤٧ - قامت عليه هذه المدرسـة قد يظهر في بضعة سطور . فالمصورون على مذهب الغلاة المحدثين ينسون قواعد الرسم وينسون ملامح الشبه ، و ينسون أصول التلوين ، ويرسمون الرجل فلا تعرفه بملامحه ولا بظاهر شكله بينه وبين غيره بعلامة تتفق عليها الأنظار ، لأنهم يزعمون أنهم يعرضونه لك ولا تميز بي كما يتمثل في الوعى الباطن أوكما يشعر هو في باطن وعيه ، ولا يعرضونه لك كماتراه بالعين. والخطأ هنا أن « الوعى الباطن » لم يخلق ليلغي الوعى الظاهر أو يمنعنا أن نرى الدنيا ، ولكنه خلق ليظل وعيا باطناً حيث هو في قرارة الضمير ، نستدل عليه بعلاماته التي تتفق عليها الأنظار. وما من أحد يبنى بيته أو يطبخ طعامه أو بخيط ملابسه أو يحضر دواءه على مايتصوره هذا وذاك وأولئك في وعيهم الباطن المزعوم .. فلماذا يتغير وجه الإنسان لأن له وعيا باطناً أو لأن المصور له وعى باطن ، أو ما يزعم من هذا الهراء ؟ ومن البديه أن التصوير « فن » له أدواته وتحضيراته وملكاته التي لا تشبه ملكات الفنون الأخرى ؛ فما هي الدروس التي يتعلمها المصور ليصبح على هذا المذهب مختصـاً في صناعته ؟ ما هي تلك الدروس إذا نحن ألغينـا الرسم والتلوين والملامح والأشباه ؟ أهى دروس التنجيم عن الوعى الباطن ؟ وكيف الاتفاق عليها ولا يوجد اثنان يتفقان على تسمية صورة من متعلمى ذلك التنجيم ؟ الواقع أن « الوعى الباطن » له مكان واحد من شؤون هذه البدعة المرضية ، ومكانه هو إظهار العلة المرضية التي تكمن في بواطن المصورين المشغوفين بكل بدعة من هذا القبيل فما لا شك فيه أنهم جميعاً قوم « تفهون » تتخطاهم العيون ، فهم بين مشوه أو ضئيل أو مهزوم النفس أو عاجز عن لفت النظر إليه ؛ فحيلتهم هي حيلة هذا الضرب من الناس في اتخاذ المشاكسة والتحدي والإغراب وسيلة للتنبيه إليه ، وهذه هي الحقيقة الواحدة التي لها شأن «بالوعى الباطن » في مذهب هؤلاء الغلاة ؛ فهم مصابون في وعيهم الباطن يترجمونه كارهين، ويعرضون على الناس من ثم أعراض مرض لامعارض فنون. ) ( .