صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/59

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

1011 وتقديمه ونشره ولفت الأنظار إليه ، وهذا ما كنا نصنعه في الصحف التي أشرفنا على أبوابها الأدبية ، ولو كلفنا الجهد المجهد في القراءة والتصحيح والتنقيح . أما الرجل الذي تشغله الحياة بمطالبها ويشغله الأدب بمطالبه بين قراءة وكتابة ، فتسديده مقصور على من يتصلون به وعلى ما هو مستطيعه . وليس مما يستطيع أن يترك كتاباً يؤلفه جهبذ من جهابذة الفن والحكمة ويضمن نفعه ومتعته ليقرأ خمسين كتاباً لا يضمن نفعها ... عسى أن يعثر بينها على شيء مرجو النتيجة بعد تكرار التجربة مرات . ا هذا ضياع للوقت وضياع للجهد وضياع للأدب ، وعبث تستغنى عنه الكفاءة المرجوة ولا نفع فيه لمن خلا من الكفاءة ، ويمنعه مع هذا كله أنه غير مستطاع . على أن الأمر خطير جد الخطر من إحدى نواحيه التي يدل عليها ، وهى ناحية الروح التي يتم عليها شيوع هذه الأماني والتعلات بين طائفة ولو قليلة من الناشئين . فإنها روح تدل على إعفاء النفس من كل واجب ، و إلقاء التبعة على كل كاهل ، ونسيان كل حق غير حق الأنانية بغير عناء ولا مقابل . يبدأ الناشيء بالكتابة اليوم ويريد أن يشتهر غدا بمقال واحد أو قصيد واحد ولا نقول بكتاب واحد ، فإن لم يشتهر فليس اللوم عليه وعلى طمعه فيها لا يكون ولا ينفع الأدب والناس لوكان . . . كلا ، بل اللوم على المشهورين الذين كان ينبغي أن يستأصلوا شهرتهم وأن يكفوا عن الكتابة وأن يفرغوا جهودهم وجهود قرائهم لشهرته هو دون غيره من الشيوخ والكهول والناشئين ، و إلا كانوا محتكرين للأدب الذي يحق له هو أن يحتكره ولا يحق ذلك لأحد من العالمين ! وهؤلاء الأدباء المشهورون « الشيوخ » ما لزومهم في هذه الدنيا ؟ ما لزوم تجاربهم الماضية ودراساتهم الطويلة وجهودهم المضنية وحياتهم التي يعيشون فيها أبداً بين الأذى والإنكار والكنود ؟ هل لهم لزوم في نفع أنفسهم ونفع قرائهم ونفع الأدب بالاطلاع على المفيد المضمون ؟