صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/64

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

<- 07- وأعجب شيء يقال هو أن المتنبي لم يستصغر لأنه متكبر ، بل أكثر من التصغير لسبب آخر ... ثم لا يدرى أحد ما هو ذلك السبب الآخر ؟ لم يمتنع الاستصغار بسبب التكبر ؟ ولم لا يكون التكبر سبباً للاستصغار ؟ أي عجب في ذلك ؟ بل أي مخالفة فيـه للمعقول والمعهود ! بل أي شيء أقرب منـه إلى الفهم والتعليل ؟ أيمتنع هذا القول لأنه من النفسيات وكل ما كان من النفسيات فهو ممنوع غير مقبول ؟ أيمتنع لأن قراراً مجهولا لا نعرف نحن مصدره قضى بمنعه وتحريمه وإقصائه من عالم الفرض والتقدير ؟ إننا لا ننفى أن المتنبي كان متكبراً مطبوعاً على الكبرياء ، ولا ننفى أن المتكبر مطبوع على أن . ، يستصغر الناس ، ولا ننفى أن صيغة التصغير تستعمل للتصغير والتحقير ، فلماذا ننفي أن ولع المتنبي بالتصغير مرجعه إلى طبيعة الكبرياء فيه ؟ لمان لماذا ؟ للنفسيات التي يسمع باسمها من يسمع فيظن أنها حجاب حائل بين المتنبى والاستصغار بصيغة التصغير ؟ أما أن المتنبي قد استعمل التصغير للتعظيم والتكبير ، فهو إذا صح لا يمنع أن التصغير يستخدم أيضاً للتصغير ، بل هو الأصل والتعظيم مجاز عارض عليه . يقول أحد إثنى رأيت المليات في أيدى الفقراء ، فيجيء سامع بالنفسيات - أو قل سامع بالاقتصاديات – فيقول : كلا . كلا . هذا بعيد ! هذا غير معقول ! هذا إقحام للاقتصاديات في شئون الحس والعيان! لأنني رأيت بعيني المليات في خزانة المصرف الكبير ، وفي خزانة الغنى العظيم ! كلام ظريف ! نعم ظريف كذلك الكلام الذي يبطل باب التصغير للتصغير جملة واحدة لأن التصغير قد استعمل حيناً في معنى التكبير ...!