صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/74

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 66 - الاستغناء عنها في الملاحم والمطولات أو في المعاني الروحية التي لا تتوقف على الإيقاع. ولكني أراني اليوم وقد انقضت ثلاثون سنة على كتابة تلك المقدمة ولا يزال اختلاف القافية بين البيت والبيت يقبض سمعي عن الاسترسال في متعـة السماع ، و يفقدنى لذة القراءة الشعرية والقراءة النثرية على السواء . لأن القصيدة المرسلة عندى لا تطر بنا بالموسيقية الشعرية ولا تطربنا بالبلاغة المنثورة التي نتابعها ونحن ساهون عن القافية غير مترقبين لها من موقع إلى موقع ومن وقفة إلى وقفة . والظاهر أن سليقة الشعر العربي تنفر من إلغاء القافية كل الإلغاء حتى في الأبيات التي تحررت منها بعض التحرير . فالأبيات الأربعة التي أتينا بها آنفا قد اختلف فيها حرف الروى بين اللام والميم والراء والباء ، ولكن الحركة لم تختلف بين جميع الأبيات ، بل لزمت الضم فيها جم ا جميعاً وهى حركة تشبه الحرف في الأذن ، وإن لم تشبهه في أحكام العروضيين والنحاة . والأمر كما نحسه في حكم الأذن يتفاوت بين مراتب ثلاث من الإلفة والارتياح إلى السماع . فالقافية تطرب حين تأتى في مكانها المتوقع . و إهمال القافيـة يصدم السمع بخلاف ما ينتظر حين يفاجأ بالنغمة التي تشذ عن النغمة السابقة والمرتبة التي تتوسط بينهما هي التي لا تطرب ولا تصدم ، بل تلاقي السمع بين بين ، لا إلى التشوق ولا إلى النفور . فانتظام القافية متعة موسيقية تخف إليها الآذان . وانقطاع القافية بين بيت و بيت شذوذ يحيـد بالسمع عن طريقه الذي اطرد عليه وپلوی به ليا يقبضه ويؤذيه . إنما المتوسط بين المتعة والإيذاء هو ملاحظة القافية في مقطوعة بعد مقطوعة تتألف من جملة أبيات على استواء في الوزن والعـدد ، أو هو ملاحظة الازدواج