صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/90

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۸۲ – فالاكتفاء بالقليل من الأدب جائز كالاكتفاء بالقليل من كل شيء ، ولكنه القليل في الحالتين ولن يكون شأنه كشأن الكثير . ومن الحسن جداً في هذا الباب أن نذكر أن الأدب قيمة حيوية أو قيمة إنسانية قبل أن يكون قيمة لغوية أو قيمة فنية أو تاريخية . ويغنينا تذكر هذه الحقيقة عن الجدل أو عن اللبس في كثير من الأمور . فالذين يقولون إن الطبيعة هي وحي الشاعر الأول الذي لا يحتاج بعـده إلى الصناعة ، وحی أو الذين يقولون إن البلبل يوحى إلى الشاعر بتغريده . و إن الوردة توحى إليه بنضرتها ، وإن الشفق يوحى إليه بألوانه وظلاله وخفقات الهواء فيه . كل أولئك خلقاء أن يذكروا أن القريحة التي تستفيد من تعبير عصفورة أو تعبير زهرة تستفيد ولا شك أضعاف تلك الفائدة من تعبيرأبي الطيب وهو ميروس وابن الرومي و بيرون وعمر الخيام ، لأن قصائد هؤلاء تعبير عن الطبيعة الحيـة وليس تصاراها أنها لفظ يقال أو أنها فن يصاغ . فالاطلاع على ثمرات القرائح اطلاع على ثمرات الحياة ، وكلما اتسع النطاق اسع التعبير وتنوعت الثمرات ، لأنك لا تعرف الحياة الإنسانية بالاطلاع على أبنـاء زمانك الذين يشبهونك و يتلقون معك الشعور من مصدر واحد ، ولكنك تعرف الحياة الإنسانية حق عرفانها إذا عرفت الصلة التي بين العصور المختلفة والأقطـار المتباعدة ، وعرفت الواشجة التي تجمع بينها على تعدد المصادر وتفاوت المؤثرات . وليس هذا بميسور لشعراء العصر الواحد ، وكيفما كان نصيب هؤلاء فهو ولا جدال دون النصيب الذي يظفر به قراء جميع العصور 1