صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/92

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٨٤ - بجمال القالب والعكوف على المحاسن الظاهرة في أساليب الشعر والنثر وصياغة العبارات ، وعندهم أن الصقل المحسوس هو آية الجمال والبلاغة في جميع الفنون . فلما راج مذهب البرناسيين هذا في أواخر القرن الماضى ظهر الرمزيون يعارضونه ويغلون في إنكاره ويذكرونهم بما نسوه من أسرار المعاني التي لا تبرز على وجوه الكلمات ، وينبهونهم إلى جمال الوحي والإيمان الذي أهملوه في سبيل الصقل المحسوس والرونق البارز على صفحات الأساليب . وقد كان الرمزيون على حق لولا الغلو الذي يندفع إليـه أصحاب كل مدرسة جديدة حين يتصدون لحرب المدارس الأخرى ، فيذهبون من أقصى النقيض إلى أقصى النقيص . فالأدب لا يستغنى عن الوحى والإشارة ، وأبلغ الفن ما يجمع الكثير في القليل ويطلق الذهن من وراء الظواهر القريبة إلى المعاني البعيدة التي تومىء إليها الألفاظ ولا تحتويها بجملتها إلا على سبيل التنبيه والتقريب . ولكن هذه المدرسة غلت وتمادت في الغلو حتى قام من دعاتها من يجعل الغموض والتعمية غرضا مقصوداً لذاته ولو لم يكن من ورائه طائل ، وخيل إليهم أنهم مطالبون بالتعبير عن أنفسهم بالرموز و إن أغنتهم الحروف الواضحة والكلمات المفهومة ... د فلم تعمر مدرستهم طويلا وسقطت في الأدب الفرنسي كما سقطت في آداب الأمم التي انتقلت إليها . . وقد أملى لأتباع هذه المدرسة في الفلو أنها قامت للدعوة في العصر الذي ظهر فيه « فرويد » وبشر بمذهبه القيم عن الأحلام ودلالتها على الوعى الباطن وما يستكن فيه من الأسرار المكتومة والنوازع المكبوتة . وخلاصة هذا المذهب فيما يرجع إلى « الرمزية » أن الأحلام هي لغـة الرمز التي يعبر بها «الوعي الباطن » عن شعوره المكبوت ؛ فالرجل المبتلى بالخوف من عدو منتقم أو من وهم مسلط عليه يرى في نومه وحشاً ينقض عليه وينهشه بأنيابه ؛ والرجل