صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/93

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

1101 ( الطامح إلى المجد يرى أنه سابح في السماء على رؤوس الناس ، أو يرى أن الناس بالقياس إليه كالنمال في جانب الفيلة الضخام . وهكذا تتمثل معاني « الوعى الباطن » رموزاً جسدية ، لأن الإنسان لا يتمثل المعاني في أحلامه وأمانيه بل يتمثل فيها مايرى بالعين ويلمس باليد ويسمع بالأذن ويترجم من لغة الفكر إلى لغة الحواس على أسلوب الخيال المعروف . فما هـو إلا أن راجت كلمة « الوعى الباطن» ورموزه في الاصطلاح وخيالات الفنون حتى تلقفها أذناب المدرسة الرمزية كما تلقف الببغاوات صيحات الآدميين بغير فهم ولا روية ، وخيل إليهم أن « الوعى الباطن » خلق جديد أنبتـه « فرويد » في بيئة الإنسان بعد أن كان معدوماً في الأجيال الماضية . وفاتهم أنه أقدم من الوعى الظاهر ، وأنه لم يزل يعمل عمله في الآداب والفنون وفى المعيشة اليومية منذ عرف الناس الشعور والتفكير ، ولن يزال كذلك خفياً في مكانه القديم ما دام الإنسان هو الإنسان ، وكل ماصنعه فرويد أنه نبه الأذهان إلى وجوده لاأنه أوجده من العدم في الزمن الحديث . بوجود الأسرار وبعد أن كان الرمزيون لا يتجاوزون في دعوتهم التذكير والمعاني التي توحي إليها أصبح أولئك الببغاوات ينكرون الحس الظاهر وينكرون الحواس وعملهـا ولا يدينون بشيء غير مايسمونه رموز الوعى الباطن وأحاجيه . . . فبطل الوضوح عندهم كأنه نقيصة أوكأنه خروج على الحقيقة ، وتقررت التعمية عندهم هم كأنها هي البيان دون كل بيان ، وكأنما « الوعى الباطن » قد كشف في الزمن الأخير ليلغي العيون والآذان و يغرق الناس في ظلمات لاتدركهم فيها أنوار النهار . ومن آفات فرنسا الولع بالأزياء والمدارس التي كأنها أزياء تخلع بين كل صيف وشتاء ، فماهو إلا أن يسمع فيها باسم الدعوة الجديدة حتى تتقفوها مدرسة لهنا ومدرسة هناك ، وحتى تتقاسمها الفنون المختلفة فيبشر بها المصورون والنحاتون كما يبشر بها الشعراء والكتاب ، وينتقل الأمر من حيزا حيز التفكير إلى الصفقات والمساومات . حيز .