صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/95

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۸۷ – في رؤية الشمس كما يختلفون في فهم مئات الكلمات التي تدل عليها باللغات الإنسانية ، ولأنهم لا يختلفون بالعيون والآذان والأفواه كما يختلفون بالألسنة والعبارات ، وليس بين الرجل و بين مشابهة الإنجليزي في قراءة كتابه إلا أن يدرس الإنجليزية فينفـذ إلى ما وراء الخطوط من الألفاظ ومعانيها ، فما هي الأداة التي يستعين بها الإنسان على فهم الصور التي لا تشبه أصحابها ؟ أهي أداة الوعي الباطن ، وهو لا يتماثل في رجلين اثنين على نحو واحد ؟ أيصبح كل إنسان « فنا » وحده لأنه وحده صاحب الوعى الباطن الذي توارثه عن آبائه وأجداده وأضاف إليه ما أضاف من مذكوراته ومنسياته ؟ وكل مدرسة من هذا القبيل فهي مدرسة بكماء لا تستطيع أن تشرح مذهبها للناس إلا بمزيج من كلام الببغاوات وكلام الدجالين لیکن الوعى الباطن حقيقة لا شك فيها ، وهو كذلك حقيقة لا شك فيها ولكنه كان حقيقة لا شك فيها من أقدم عهود المثالين والمصورين والشعراء في التاريخ ، وقد عمل في شعر هوميروس عمله البديهي ، كما عمله في شعر المتنبي والشريف و بيرون ولامرتين ، و إنما كان يعمل عمله دون أن يلغى العيون والآذان ، ودن أن يلغي الأذواق والأذهان ، وعلى هـذا ينبغي أن يمضى في عمله سواء ظهر فرويد أو لم يظهر في عالم الوجود ، لأن فرويد لم يخلقه في طبائع الناس حتى يخلفه خلق جديد لم يكن معلوماً قبل مئات السنين ، فقصارى ما في الأمر أنه ساه وفسر معناه ، وترك العيون . تنظر كما كانت تنظر، والآذان تسمع كما كانت تسمع، والأجسام البشرية تغدو وتروح ا كما كانت تغدو وتروح . فالرمزية سليمة في حدودها الأولى ، وهي حدود الاعتراف بالخفايا والأسرار ، ولكنها دعوة مريضة عوجاء حين تنكر الوضوح لأنه وضوح وكفى ، وتشيد بالتعمية لأنها تعمية وكفى . وميزان الصدق في هذا المذهب أن يكون الرمز ضرورة لا اختيار فيها . فأنت تفصح حتى يعييك الإفصاح فتعمد إلى الرمز والإيحاء لتقريب المعنى البعيد لا لإبعاد ه 6 •