- ۲۸ -
فقد جدد دروس العلوم بعد اندراسها، وأوجدت بعد العدم رؤساء
العلماء والفضلاء نتيجة قياسها ، لقصد انتشار العلم والزيادة فى الفضائل ،
فأتى من ذلك بما لم تستطعه الأوائل، غير أنه - حفظه الله وأبقاه - ولو أنه
أعلى منار الوطن ورقاه ، لم يستطع إلى الآن أن يعمم أنوار هذه المعارف
المتنوعة بالجامع الأزهر الأنور ، ولم يجذب طلابه إلى تكميل عقولهم
بالعلوم ا
م الحكمية التي كبير نفعها فى الوطن ليس ينكر ، نعم إن لهم اليد البيضاء
في إتقان الأحكام الشرعية العملية والاعتقادية ، وما يجب من العلوم الآلية
كعلوم العربية الاثنى عشر ، وكالمنطق والوضع وآداب البحث والمقولات
وعلم الأصول المعتبر ، ولمثل هذا فليعمل العاملون ، وفى ذلك فليتنافس
المتنافسون ، غير أن هذا وحده لا يفى للوطن بقضاء الوطر ، والكامل يقبل
الكمال كما هو متعارف عند أهل النظر ، ومدار سلوك جادة الرشاد و الإصابة،
منوط بعدولى الأمر بهذه العصابة ، التى ينبغى أن تضيف إلى ما يجب عليها
من نشر الشنة الشريفة ، ورفع أعلام الشريعة المنيفة، معرفة سائر المعارف
البشرية المدنية ، التي لها مدخل فى تقديم الوطنية، من كل ما يحمد على تعلمه
وتعليمه علماء الأمة المحمدية ، فإنه بانضمامه إلى علوم الشريعة والأحكام ،
يكون من الأعمال الباقية على الدوام، ويقتدى بهم فى اتباعه الخاص والعام،
حتى إذا دخلوا في أمور الدولة ، يحسن كل منهم في إبداء المحاسن المدنية
قوله ، فإن سلوك طريق العلم النافع من حيث هو مستقيم ، ومنهجه الأبهج هو القويم
، يكون بالنسبة للعلماء سلوكه أقوم، وتلقيه من أفواههم أتم
وأنظم، لا سيما وأن هذه العلوم الحكمية العملية التي يظهر الآن أنها أجنبية،
هي علوم إسلامية ، نقلها الأجانب إلى لغاتهم من الكتب العربية ، ولم تزل
كتبها إلى الآن في خزائن ملوك الإسلام كالذخيرة ، بل لازال يتشبث بقراءتها
ودراستها من أهل أوربا حكماء الأزمنة الأخيرة ، فإن من اطلع على سند