فلما وصلت لحانها ساقتني يد التقدير إلى خانها، فنزلت به مصاحباً لبعض الرفاق، وانا مما به من عسكر الدولة في غاية الاشفاق. فبت فيه ليلة كنت خلالها بين ملسوع ومفجوع، اروى عن السها حديث السهاد من وثبات براغيثها الاوغاد. فتذكرت قول القائل من الشعراء الأوائل:
ولا يخفاك أيضاً ما للناموس من السطوات، وترقيص النائم بنغم تلك النايات... ولما كثر عليّ وثباتها من كل جانب، وضاقت علي المسالك والمسارب، ارتجلت منشداً، حيث لم أجد لي منجداً، وكدت ان اشتفي بذمها في النظام، لكن نهى عن سبها سيد الأنام:
وما زلت به إلى أن لاح الصباح، ونسخ حديثه آية الصباح. ولما جرد عن الليل برده المسكي، اقبل علينا صديقنا محمد مكي، وحيانا بأحسن خطاب، وعاتبنا بألطف عتاب، ثم اقسم علينا بالنزول في داره، أو بقصر ببستان له بجواره. فأجبته بالامتثال، وسنرت معه في الحال. فلما وصلت إلى بستانه البديع، وروض حماه المريع، قابلتني خطباء طيوره فوق منابر الأغصان تروي احاديث السرور ببديع الالحان. فصبوت مما شاهدته الجمال، وانشدت على الارتجال: