طرقت ونحن بسرة البطحاء

طَرَقَتْ ونحنُ بِسُرَّة ِ البَطْحاءِ

​طَرَقَتْ ونحنُ بِسُرَّة ِ البَطْحاءِ​ المؤلف الأبيوردي


طَرَقَتْ، ونحنُ بِسُرَّةِ البَطْحاءِ
واللَّيلُ يَنْشُرُ وَفْرَةَ الظَّلْماءِ
فَرَأَتْ رَذَايا أَنْفُسٍ تُدْمِي بِها
أيدي الخُطوبِ غَوارِبَ الأَنْضاءِ
وإذا النّوى مدَّتْ إلينا باعها
سدَّتْ بهنَّ مطالعُ البيداءِ
أأميمَ كيفَ طويتِ أروقةَ الدُّجى
في كلِّ أغبرَ قاتمِ الأرجاءِ؟
هلاّ اتقيتِ الشُّهبَ حين تخاوصتْ
فَرَنَتْ إِليكِ بِأَعْيُنِ الرُّقَبَاءِ
خُضتِ الظَّ‍لامَ، ومن جبينكِ يجتَلى
صُبْحٌ يَنِمُّ عليكِ بِالأَضواءِ
فطرقتِ مطويَّ الضلوعِ على جوىً
أغضى الجفونَ بهِ على الأقذاءِ
من أريحّياتٍ إذا هبَّتْ بِها
ذكرى الحبيبِ نهضَ بالأحشاءِ
قَسَماً بِثَغْرٍ في رُضابِكِ كارِعٍ
فَكَأَنَّهُ حَبَبٌ على صَهْباءِ
وجفونكِ المرضى الصَّحيحةِ لا درتْ
ما الدّاءُ، بل لا أفرقتْ من داءِ
لأخالفَّن هوى العَذولِ فطالما
أَفْضَى المَلامُ بِهِ إلى الإغراءِ
وإِذا القُلوبُ تَنَقَّلَتْ صَبَواتُها
في الغانِياتِ تَنَقُّلَ الأَفْياءِ
لم تتَّبعْ عيني سواكِ، ولا ثنى
عَنْكِ الفُؤادَ تَقَسُّمُ الأَهواءِ
وأقلُّ ما جنتِ الصَّبابةُ وقفةٌ
مَلَكَتْ قِيادَ الدَّمْعِ بِالخَلْصَاءِ
وبدا لنا طللٌ لربعكِ خاشعٌ
تَزدادُ بَهْجَتُهُ على الإقواءِ
وأبي الدِّيارِ لقد مشى فيها البلى
وَعَفَتْ مَعالِمُها سِوى أَشْلاءِ
يبكي الغمامُ بها ويبسمُ روضُها
لا زلنَ بينَ تبسُّمٍ وبكاء
وَقَفَتْ مَطايانا بِها فَعَرَفْنَها
وَكَفَفْنَ غَرْبَيْ مَيْعَةٍ وَنَجاءِ
وَهَزَزْنَ مِن أعطافِهِنَّ، كأَنَّما
مُلِئَتْ مَسامِعُهُنَّ رَجْعَ غِناءِ
ونزلتُ أفترشُ الثَّرى متلوِّياً
فيهِ تَلَوِّيَ حَيَّةٍ رَقْشاءِ
وبنفحةِ الأرجِ الذي أودعتهِ
عبقتْ حواشي ريطتي وردائي
وَكَأَنَّنِي بِذَرا الإمامِ مُقَبِّلٌ
من سدَّتيهِ معرَّسَ العَلياءِ
حيثُ الجباهُ البيضُ تلثمُ تربهُ
وتحلُّ هيبتهُ حبا العظماءِ
وَخُطَا المُلوكِ الصِّيدِ تَقْصُرُ عِندَهُ
وتطولُ فيهِ ألسنَ الشُّعراءِ
مَلِكٌ نَمَتْ في الأَنْبِياءِ فروعُهُ
وَزَكَت بِهِ الأعْراقُ في الخُلَفاءِ
بَلَغَ المَدى، والسِّنُّ في غُلَوائِها
خَضِلَ الصِّبا، مُتَكَهِّلَ الآراءِ
فغدا الرَّعيَّةُ لائذينَ بظلِّهِ
يرجونَ غيثَ حياً، وليثَ حياءِ
وَمَرابِضُ الآساد في أَيَّامِهِ
بالعدلِ مثلُ مجاثمِ الأطلاءِ
مَلأَ البِلادَ كَتائِباً لَمْ يَرْضعوا
إِلاَّ، لِبانَ العِزَّةِ القَعْساءِ
يتسرَّعونَ إلى الوغى بصوارمٍ
خَلَطَتْ بِنَشْرِ المِسْكِ رِيحَ دِماءِ
لم تهجرُ الأغمادَ إلاّ ريثما
تعرى لتغمدَ في طُلى الأعداءِ
من كلِّ مشبوحِ الأشاجعِ، ساحبٍ
في الرَّوعِ ذيلَ النَّثرةِ الحصداءِ
يَنْسابُ في الأّدْراعِ عامِلُ رُمْحِهِ
كَالأَيْمِ يَسْبَحُ في غَديرِ الماءِ
أَخَذَ الحٌقوقَ بِهمْ وَأَعْطَاهَا مَعاً
والحزمُ بينَ الأخذِ والإعطاءِ
يابْنَ الشَّفيعِ إلى الحَيا، وَقَدِ اكْتَسَتْ
شَمَطاً فُروعُ الرَّوضَةِ الغَنَّاءِ
فدنا الغمامُ وكادَ يمري المجتدي
بيديهِ خلفَ المزنةِ الوطفاءِ
لولاهُ لم تشمِ الريِّاضُ بأعينٍ
من زهرهنّ مخايلَ الأنواءِ
خُلِقَتْ طِلاَعَ القَلْبِ هَيْبَتُكَ التي
خَلَفتْ غِرارَ السَّيْفَ في الهَيْجَاءِ
ونضا وزيركَ دونَ مُلككَ عزمةً
تَكْفيهِ نَهْضَةَ فَيلَقٍ شَهْباءِ
وَتَرُدُّ مَن قَلِقَتْ بِهِ أَضْغانُهُ
حَيَّ المَخَافةِ، مَيِّتَ الأَعْضاءِ
وتصيبُ شاكلةَ الرَّميّ إذا بدت
رِيَبٌ تُهيبُ بِمُقْلَةٍ شَوساءِ
فكأنَّ أسرارَ القلوبِ تُظلُّهُ
بِغُيوبِهنَّ جَوائِبُ الأَنْباءِ
يسعى ويدأبُ في رضاكَ، وإنْ غلتْ
مُهَجُ النّفوسِ عَلَيهِ بِالشَّحْناءِ
وَإذا الزَّمانُ أَتى بِخَطْبٍ مُعْضِلٍ
وليَ افتراعَ الخطَّةِ العذراءِ
وَإصابَةُ الخُلَفاءِ فيما حاوَلُوا
مقرونةٌ بكفايةِ الوزراءِ
لا زلتما متوشِّحين بدولةٍ
مُرْخىً ذَوائِبُها عَلى النَّعماءِ