طرق الخيال فهاج لي بلبالا

طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ لي بَلبالا

​طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ لي بَلبالا​ المؤلف صريع الغواني


طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ لي بَلبالا
أَهدى إِلَيَّ صَبابَةً وَخَبالا
أَنّى اِهتَدى حَتّى أَتاني زائِراً
مُتَنَكِّراً يَتَعَسَّفُ الأَهوالا
بِأَبي وَأُمّي مَن طَلَبتُ نَوالَهُ
إِذ زارَني فَأَبى عَلَيَّ دَلالا
لَو أَنَّهُ خَلَطَ الدَلالَ بِنائِلٍ
فَأَنالَنا كانَ الدَلّالُ حَلالا
بارَزتُهُ وَسِلاحُهُ خَلخالُهُ
حَتّى فَضَضتُ بِكَفِّيَ الخَلخالا
هَذا الخَيالُ فَكَيفَ لي بِمُنَعَّمٍ
رودِ الشَبابِ تَخالُهُ تِمثالا
صَمَتَت خَلاخِلُهُ وَغَصَّ سِوارُهُ
وَالقُلبُ وَاِضطَرَبَ الوِشاحُ وَجالا
ما زالَ يَدعوني بِمُقلَةِ ساحِرٍ
مِنهُ وَيَنصِبُ لِلفُؤادِ حِبالا
حَتّى خَضَعتُ لِحُبِّهِ فَاِقتادَني
وَأَذَلَّني بِصُدودِهِ إِذلالا
جَلَبت دُموعي عَبرَةٌ مِن زَفرَةٍ
شَجَتِ الفُؤادَ فَأَسبَلَت إِسبالا
كَسَبَت لِقَلبي نَظرَةً لِتَسُرَّهُ
عَيني فَكانَت شَقوَةً وَوَبالا
ما مَرَّ بي شَيءٌ أَشَدُّ مِنَ الهَوى
سُبحانَ مَن خَلَقَ الهَوى وَتَعالى
يا رُبَّ خِدنٍ قَد قَرَعتُ جَبينَهُ
بِالطاسِ وَالإِبريقِ حَتّى مالا
أَنهَضتُهُ مِن بَعدِ ما أَسكَرتُهُ
فَمَشى كَأَنَّ بِرِجلِهِ عُقّالا
وَمُهَذَّبينَ أَكارِمٍ لا كارِمٍ
أُدَباءَ حازوا نَجدَةً وَكَمالا
ثاروا إِلى صَفقِ الشَمولِ فَأَشعَلوا
نَيرانَ حَربِ كُؤوسِها إِشعالا
بَوَّأتُهُم غُرَفاً جَعَلتُ تُرابَها
مَدَرَ العَبيرِ وَعَنبَراً قَسطالا
وَخَلَوا بِأَنواعِ النَعيمِ وَلَذَّةٍ
دامَت وَعَيشٍ ما يُريدُ زَوالا
في مَجلِسٍ بَينَ الكُرومِ مُظَلَّلٍ
جُعِلَت لَهُ أَغصانُهُنَّ ظِلالا
وَلَدَيهِمُ حورُ القِيانِ كَأَنَّها
غِزلانُ وَحشٍ يَرتَعينَ رِمالا
قَد حازَ كُلُّ فَتىً لَدَيهِ غادَةً
رُودَ الشَبابِ خَريدَةً مِعطالا
مَمكورَةً عَجزاءَ مُضمَرَةَ الحَشى
قَد حُمِّلَت مِن رِدفِها أَثقالا
كَالشَمسِ تُبصِرُ وَجهَهُ في وَجهِها
تَمشي فَتَسحَبُ خَلفَها أَذيالا
لِلقَصفِ مُتَّكِئينَ فَوقَ نَمارِقٍ
يُسقَونَ بِالطاسِ الرَحيقَ زُلالا
فَإِذا نَظَرتَ رَأَيتَ قَوماً سادَةً
وَنَجابَةً وَمَهابَةً وَجَمالا
رَكِبوا المُدامَ فَأَدبَرَت بِهِمُ عَلى
سُبُلِ السُرورِ وَأَقبَلَت إِقبالا
وَلَدَيهُمُ كَرخِيَّةٌ شَمسِيَّةٌ
قَد خُلِّيَت في دَنِّها أَحوالا
حَتّى إِذا بَلَغَت وَحانَ خِطابُها
ساوَمتُ صاحِبَها البَياعَ فَغالى
مازالَ حَتّى حُزتُها وَخَدَعتُهُ
وَلَقَد أَطَلتُ عَلى الخِداعِ جِدالا
وَأَمَرتُ جالوتَ اليَهودِ بِقَبضِها
وَاِبتَعتُها فَبَذَلتُ فيها مالا
لَم توطَ في حَوضٍ وَلَكِن خُلِّيَت
حَتّى جَرى مِنها السُلافُ فَسالا
خَلَّيتُها وَسطَ الحِجالِ وَلم تَكُن
إِلّا الكُرومِ لَها هُناكَ حِجالا
وَخَزَّنتُها في دَنِّها وَكَسَوتُهُ
مِن خَيشِ مِصرٍ وَالعَباءِ جِلالا
حَتّى إِذا قَرُبَت بِهِ آجالُهُ
وَلَو اِستَطاعَ لَباعَدَ الآجالا
فَطَعَنتُ سُرَّتَهُ فَسالَ دِماؤُها
فَبَزَلتُها في المُذهَباتِ بَزالا
وَكَأَنَّما الساقي لَدى إِبريقِهِ
بَدرٌ أَنارَ ضِياؤُهُ فَتلالا
يَسقيكَ بِالعَينَينِ كَأسَ صَبابَةٍ
وَيُعيدُها مِن كَفِّهِ جِربالا
وَلَنا بِهِ كَأسا هَوىً كِلتاهُما
توهي القِوى وَتُفَتِّرُ الأَوصالا
إِبريقُنا سَلَبَ الغَزالَةَ جيدَها
وَحَكى المُديرُ بِمُقلَتَيهِ غَزالا
بَينا نَرى الساقي بِأَحسَنِ حالَةٍ
إِذ مَدَّ حَبلاً لِلفِرارِ طِوالا
نادَيتُهُ اِرجِع لا عَدِمتُكَ فَاِسقِنا
وَاِرفِق بِكَأسِكَ لا تَكُن مِعجالا
نَفسي فِداؤُكَ مِن صَريعِ مُدامَةٍ
مالَت بِهامَتِهِ الكُؤوسُ فَمالا
فَمَضى عَلى غُلَوائِهِ مُتَحَيِّراً
سُكراً وَما أَلقى لِقَولِيَ بالا
هَذا النَعيمُ فَكَيفَ لي بِدَوامِهِ
أَنّى يَدومُ وَعَيشُهُ قَد زالا
أَصبَحتُ كَالثَوبِ اللِبيسِ قَد أَخلَقَت
جِدّاتُهُ مِنهُ فَعادَ مُذالا
وَبَقيتُ كَالرَجُلِ المُدَلَّهِ عَقلُهُ
أَشكو الزَمانَ وَأَضرِبُ الأَمثالا
سالَمتُ عُذّالي فَآبوا بِالرِضى
مِنّي وَكُنتُ أُحارِبُ العُذّالا
وَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ ما مِن فَتىً
إِلّا سَيُبدَلُ بَعدَ حالٍ حالا
لَمّا رَأَيتُ الناسَ قَد تَرَكوا العُلى
بُخلاً وَبَعضُهُمُ يُريدُ سَفالا
رُعتُ الزَمانَ بِسَيِّدٍ مِن وائِلٍ
وَاِحتَلتُ لِلحَدثانِ لَمّا غالا
فَأَتَيتُ قَوماً مِن حَنيفَةَ لَم يَزَل
يُعطي يَميناً مَرَّةً وَشِمالا
فَإِذا الرِجالُ رَأَتهُ يَوماً بارِزاً
أَغضَت لَهُ أَبصارَها إِجلالا
ذاكَ الَّذي قَمَعَ الزَمانَ بِعِزَّةٍ
وَعَلا بِسَيفِ أَمانِهِ الزَلزَلا
غَلَبَ الرِياحَ فَما تَهُبُّ بِبابِهِ
يَوماً إِذا هَبَّت صَباً وَشَمالا
وَلَو أَنَّ في كِبدِ السَماءِ فَضيلَةً
لَسَما لَها زَيدُ الجَوادُ فَنالا
باقٍ عَلى حَدَثِ الزَمانِ كَأَنَّهُ
ذو رَونَقٍ عَضبٌ أَجيدَ صِقالا
تَلقاهُ في الحَربِ العَوانِ مُشَمِّراً
كَاللَيثِ يَجمَعُ حَولَهُ أَشبالا
حَزِنَت بِلادُ الفُرسِ ثُمَّتَ أَعوَلَت
شَوقاً إِلَيهِ بَعدَهُ إِعوالا
وَتَرَحَّلَت مَعَهُ المَكارِمُ كُلُّها
لَمّا أَجَدَّ فَأَزمَعَ التَرحالا
يا زَيدَ آلِ يَزيدَ ذِكرُكَ سُؤدَدٌ
باقٍ وَقُربُكَ يَطرُدُ الأَمحالا
ما مِن فَتىً إِلّا وَأَنتَ تَطولُهُ
شَرَفاً وَإِن عَزَّ الرِجالُ فَطالا
نَفَحاتُ كَفِّكَ يا ذُؤابَةَ وائِلٍ
تَرَكَت عَلَيكَ الراغِبينَ عِيالا
الناسُ في سَلمٍ وَأَنتَ تَكَرُّماً
لِلمُعتَفينَ تَحارِبُ الأَهوالا
يا اِبنَ الَّذين هُمُ الَّذينَ إِذا اِنتَموا
زادَ الأَفاضِلَ مَجدُهُم إِفضالا
وَإِذا تُعَدُّ خُؤلَةٌ أَلفَيتَهُم
خَيرَ البَرِيَّةِ كُلِّها أَخوالا
لَو كانَ أَدرَكَكَ الأُلى بَذَلوا النَدى
جَعَلوا يَمينَكَ لِلسَماحِ مِثالا
أَحيَيتَ عُثماناً وَمُسلِماً الَّذَي
بَذّا المُلوكَ وَبَدَّدا الأَموالا
وَلَقَد بَنى لَكَ في الذُرى مِن وائِلٍ
أَبياتَ مَجدٍ ما تُرامُ طِوالا
وَلَقَد بَنى لَكَ أَرقَمٌ وَمُطَرِّفٌ
بَيتاً رَفيعَ السَمكِ عَزَّ فَطالا
أَفتى حَنيفَةَ أَنتَ أَجوَدُ واحِدٍ
كَفّاً وَأَكرَمُ مَن يُعَدُّ فَعالا
ما قُلتُ في أَحَدٍ سِواكَ عَلِمتُهُ
إِلّا رَأَيتُ القَولَ فيهِ مُحالا
إِنَّ الخَليفَةَ بَدرُ آلِ مُحَمَّدٍ
وَلِوائِلٍ أَصبَحتَ أَنتَ هِلالا
وَإِذا سَماءُ ذَوي السَماحَةِ لَم تَجُد
جادَت سَماؤُكَ مَسبِلاً هَطّالا
كَم مِن أَسيرٍ قَد دَعاكَ مُكَبَّلٍ
فَفَكَكتَ عَنهُ القَيدَ وَالأَغلالا
إِنَّ السُيوفَ إِذا الحُروبُ تَسَعَّرَت
بِكَ توعِدُ الفُرسانَ وَالأَبطالا
وَلَقَد تَعَرَّضَ قَبلَ أَن أَلقاكَ لي
بَحرُ النَدى مِن راحَتَيكَ فَهالا
وَكَّلتَ نَفسَكَ بِالمَحامِدِ وَالعُلى
فَجَعَلتَها لَكَ دَهرَها أَشغالا
أَقسَمتُ لَولا أَنَّ نَيلَكَ واسِعٌ
ذَهَبَ النَوالُ فَلَم نُحِسَّ نَوالا
بِكَ أَستَطيلُ عَلى الزَمانِ وَرَيبِهِ
وَلَرُبَّما بَذَخَ الزَمانُ وَصالا
أَمَّلتُ مِنكَ نَوافِلاً فَأَصَبتُها
إِنَّ اليَقينَ يُصَدِّقُ الآمالا
وَوَعَدتَني وَعداً فَقَد أَنجَزتَهُ
وَفَتَحتَ عَن أَبوابِكَ الأَقفالا
إِنّي رَماني الدَهرُ مِنهُ بِنَكبَةٍ
حَتّى حَمَلتُ مِنَ الدُيونِ ثِقالا
وَأَرى الحَوادِثَ ما تَزالُ تَنوبُني
غَرَضاً وَتَقصِدُ في الفُؤادِ نِبالا