طغت الدماء وفاضت الأرواح

طغت الدماء وفاضت الأرواح

​طغت الدماء وفاضت الأرواح​ المؤلف أحمد محرم


طغت الدماء وفاضت الأرواح
وطمت سهولٌ بالردى وبطاح
أين الشرائع من شريعة ظالمٍ
يفني النفوس وما عليه جناح
مشت الجنود إلى الجنود وإنما
مشت المنون حواصداً تجتاح
مهج تطير بها الحتوف فترتمي
عن أنفسٍ يودي بها ويطاح
رثت المذابح للدماء مراقةً
ملء البطاح وما رثى الذباح
ينهل صيبها فيثنى عطفه
مرحاً ويزخر سيلها فيراح
فاضت حواليه فضرج عرشه
منها وخضب تاجه الوضاح
ملك ولا غير الجماجم حوله
سورٌ ولا غير الرقاب سلاح
عصف الجلاد بها فظل يطيرها
بيدٍ تطير بها ظبى ورماح
بغت الملوك على الشعوب وغرها
ممن تسوس تجاوزٌ وسماح
جنبوا الخلائق طيعين وربما
جمح الجنيب فطال منه جماح
الظلم مفسدة النفوس وما لها
غير الترفق في الأمور صلاح
تشتد ما اشتد العصاب فإن يلن
لأن الأبي وأقصر الطماح
إن يسجن الظلم النفوس فعنده
باب الفكاك وعندها المفتاح
فيم التناحر والخلائق أخوةٌ
والعيش حق للجميع مباح
والدهر سمحٌ والحياة خصيبةٌ
والرزق جم والبلاد فساح
إنا وإن قدم المدى لبنو أبٍ
يغدى بنا في شأنه ويراح
أنظل في الدنيا يفرق بيننا
بغضٌ ويجمعنا وغىً وكفاح
ما بالنا نشقى لتنعم عصبةٌ
ملكت فلا رفقٌ ولا إسجاح
تقسو وتزعم أنما هي رحمةٌ
تحيي النفوس ونعمةٌ تمتاح
طلبت مودات القلوب وملؤها
حرقٌ تهيج حقودها وجراح
عند الشعوب مآتمٌ ما تنقضي
طول الحياة وعندها أفراح
أين الملوك المرتجون لغمرةٍ
تجلى وخطبٍ يعتلى فيزاح
ذهب الرعاة الصالحون وغالهم
قدرٌ لإفناء الشعوب متاح
كانوا مصابيح الرشاد إذا دجت
ظلم الحياة وأعوز المصباح
كانوا الغياث إذا تنوب عظيمةٌ
وتهول بارزة النيوب وقاح
كانوا الأساة إذا تحطم منكبٌ
وانهاض من وقع الخطوب جناح
يجدون ما يجد اللهيف من الأسى
ولربما ناح الحزين فناحوا
ذهبوا فما حيا الممالك بعدهم
عدلٌ ولا أحيا الشعوب فلاح
خلت القرون ونورهم متبلجٌ
ومضى الزمان وفكرهم فياح
الحرب هادمة الشعوب وإنها
للشر بين العالمين لقاح
تخبو وتقتدح الحقود رمادها
كالنار هاج كمينها المقداح
صدعٌ وإن طال المدى متفاقمٌ
ودمٌ وإن جف الثرى نضاح
أرأيت من ذهب الردى بعتادها
فإذا العتاد تفجعٌ ونواح
وإذا الحياة سفينةٌ لعبت بها
هوج الرياح وخانها الملاح
في جوف مصطخبٍ كأن عبابه
صورٌ لعادي الموت أو أشباح
وكأنما دعيت نزال فأجفلت
للحرب رابية العديد رداح
أشقى النعيم حياتها وأباحها
خدرٌ أعز وذائدٌ جحجاح
عربيةٌ أوفى بعزة قومها
نسبٌ لهم في الكابرين صراح
البأس ملتهبٌ إذا ما حوربوا
وإذا استنيلوا فالندى دلاح
وإذا يهاب بهم إلى أكرومةٍ
نفروا وإن سيموا الهوان أشاحوا
مفجوعةٌ ولعت بها أحزانها
ومحت غضارة عيشها الأتراح
كانت إذا درج النسيم بسوحها
درجت إليه أسنةٌ وصفاح
وتصاهلت جرد تطير إلى الوغى
وكأنما طارت بهن رياح
باتت يؤرقها تضور صبيةٍ
أخذ الطوى منهم فهم أطلاح
ولهت أتطلب أم تموت كريمةً
ما عابها طلب ولا استمناح
ضنت بصبيتها ورونق وجهها
فتحدرت عبراتها تنساح
حتى إذا أخفى النجوم مغارها
ومحا الظلام صديعه المنصاح
بكرت تمر على الخيام حييةً
عجلى فلا ريثٌ ولا إلحاح
زال النهار ولم تنل يدها يدٌ
فأمض منقلبٌ وساء رواح
عادت إلى أفراخها فإذا بهم
صرعى فصاحت تستجير وصاحوا
وإذا فتاةٌ كالربيع خصيبةٌ
وفتىً كريعان الصبي مسماح
رأيا هموداً ما يحير جوابها
إلا العيون مشيرةً والراح
بصرا بأربعةٍ ولوح خامسٌ
فتأملا فبدا الجميع ولاحوا
فزعا إلى الحيين ثمت أقبلا
فإذا جزورٌ جمةٌ ولقاح
وإذا إماء جئن بعد هنيهةٍ
فإذا العلاب تفيض والأقداح
شربوا الحياة تدب في أجسامهم
فمشى دمٌ فيها ودب مراح
لو ذاق أهوال الحروب جناتها
كف العسوف وأمسك السفاح
عالجت أدواء الشعوب وسستها
فإذا الدواء توددٌ وصفاح
وبلوت أسباب الحياة وقستها
فإذا التعاون قوةٌ ونجاح
من للمالك والشعوب بموئلٍ
تأوي النفوس إليه والأرواح
ومتى يرد الحائرين إلى الهدى
نهجٌ أسد وكوكبٌ لماح
دجت العصور فما يبين لأهلها
نور الحياة وما يحين صباح
نستفدح الأنفاس تحملنا وما
منا لعبء شرورنا استفداح
أخلاقنا جربٌ ونحن صحاح
وقلوبنا خرسٌ ونحن فصاح
لو عاينت صور النفوس عيوننا
لم يعدها أنف ولا استقباح
سن الملوك لنا طرائق ما بها
للخير مضطربٌ ولا منداح
وإذا الملوك تنكبت سبل الهدى
غوت الهداة وضلت النصاح
ولقد تبينت الأمور مجرباً
فإذا الحياة دعابةٌ ومزاح