عادت إلى منزلها في العلى

عادت إلى منزلها في العلى

​عادت إلى منزلها في العلى​ المؤلف جبران خليل جبران


عادت إلى منزلها في العلى
تأبى الثريا في الثرى منزلا
إنسية من ملكات الندى
كانت مثال الرحمة الأمثلا
أخلاقها من شاء تعدادها
عد المروءات بها أولا
آدابها كالنسمات التي
تحيي وتهدي عبقا مثملا
ألفاظها كالدر أو دونها
مواقع الدر إذا سلسلا
تقول ما يحسن لا غيره
تعمل ما يجمل أن يعملا
إن حدثت أروت ظماء النهى
من منهل يا طيبه منهلا
إن بسطت للبذل كفا فقد
رأيت ثم المعجب المذهلا
أنملة من فضة فجرت
عن برق نوء فجرت جدولا
ما كان أهداها فؤادا إلى
مصلحة الناس وما أميلا
لم تلتمس يوما لها شهرة
كلا ولم تهمم بأن تفعلا
برغمها أن نوهوا باسمها
ورجعوا أصداءه في الملا
لكنها تؤثر في برها
أدومه نفعا أو الأشملا
أنظر إلى الصرح الذي شيدت
للعلم قد أوشك أن يكملا
أحوج ما كنا إلى مثله
يصلحنا حالا ومستقبلا
وخير ما تبني يدا مسعد
بيت يقي الأمة أن تجهلا
ما كان للبر بها مأمل
إلا أتت ما جاوز المأملا
فكيف لم يرفق عليها الضنى
حتى تمنت لو شفاها البلى
عانت من الأسقام ما لم يكن
من قبل عناه امروء مبتلى
لكن حب الأم أنباءها
بها إلى أسمى ذراه علا
هوى وناهيك به من هوى
وكان لها عن نفسها مشغلا
حملها من ثقل العيش في
تجلد ما عز أن يحملا
بلفظة أو لحظة منهم
تقبل ما مر كما لو حلا
ولو فداهم ما بها أرخصت
دونهم من عيشها ما غلا
ألم يكن أوحدها منتهى
أمنية الناجل أن ينجلا
فتى على زيغ الصبا لم يكد
ينهج إلا المنهج الأعدلا
في حلبة الفخر جرى سابقا
إلا إذا جارى أباه تلا
ظلمت في دنياك فانجي وفي
عدن تلقى عوضا أعدلا
تيممي شطر سليم فقد
آن لعقد بت أن يوصلا
قولي له إنا على عهده
كأن عهدا خاليا ما خلا
وإن ذكراه وزيدت بما
جددت لن تنسى ولن تخملا
سقاكما العفو ندى كالذي
أغدقهما دهرا ولم تبخلا