عاد الفؤاد من الجوى ما عادا

عادَ الفؤاد من الجوى ما عادا

​عادَ الفؤاد من الجوى ما عادا​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


عادَ الفؤاد من الجوى ما عادا
أضحى يُذيلُ له الدُّموعَ ورادا
بل أنتِ قاتلةُ النفوس فربّما
يأبى قتيلك أن يكون مفادى
قولي لطيفك يا سعادُ يزورني
إنْ سمتِ صبَّكِ جفوة وبعادا
هيهات أن يَصِلَ الخيال لمقلة
جفتِ الرقاد فما تملُّ سهادا
ولكمْ أروحُ بلوعةٍ أغدو بها
ما راوحَ القلبَ النسيم وغادى
خذ يا هذيم إليك قلبي إنّه
ملأ الجوانح كلّها إيقادا
واسلُك بصحبك غير ما أنا سالك
فيه ومُلْقٍ للنياق قيادا
حذراً عليك من الصّريم فربّما
قنصتْ لحاظ ظبائه الآسادا
تلك الأحبة في الغميم ديارها
جاد الغِمام ديارها وأجادا
من مثقلات المُزن ألقى رحلَه
فيها وشقّ على الطلول مزادا
يستلّ منه البرقُ بيض سيوفه
منها وما كانت لها أغمادا
ما قادتِ الرّيح الجنوب زمامه
إلا وطاوع أمرها وانقادا
وسقاك دفّاع الحيا من أربُع
لم أخشَ فيها للدّموع نفادا
وقفت بنا فيها المطيُّ فخلتها
فقدتْ لها بالرّقمتين فؤادا
وأبَتْ براحاً عن طوامِس أرْسُمٍ
أضحت لها ولصحبها أقيادا
هل أنتِ ذاكرةٌ، وهاج بك الجوى،
مرعىً وماءً عندها مبرادا
واهاً لعيشك بالغوير لقد مضى
ورأيتُ بعد نعميه أنكادا
ولقد رأيتُ الدار تُدمي أعيناً
غرقى ويحرق دمعها الأكبادا
فنحرتُ هذا الطرف في عرصاتها
فمدامعي مثنىً لها وفرادى
وسقيتُها بالدمع حتّى لو سقى
وبلُ الغمام رسومها ما زادا
يا وُرْقُ!أين غرام قلبِك من شجٍ
جعل النُّواح لشجوه معتادا؟
أو تشبهين الصَّبّ عند نُواحه
ولقد بخلت بمدمعيك وجادا
بلغ البكاء من الشجيّ مراده
منه وما بلغَ الشجيُّ مرادا
فمتى خمودُ النار بين جوانحي،
والنّارُ آونةً تكون رمادا؟
ومسالمات الحادثات وأن أرى
زمني لأمري طائعاً منقادا
أنّى يسالمني الزمان وقد رأى
هِمَمي على حرب الزمان شدادا
وعداوة الأيام ليست تنقضي
والحرُّ في هذا الزمانُ معادى
لولا جميل أبي الثناء وإنّه
يولي الجميل ويكرم الوفّادا
قَلْقَلْتُ عن أرضِ العراق ركائبي
وسَكَنْتُ غيرك يا بلاد بلادا
هو مُورِدي ما لم أرِدْهُ من النّدى
لولاه لم أكُ صادراً ورّادا
ومطوّقٌ جيدي بنائله الذي
ملك الرقاب وطوَّق الأجيادا
متفرّد بالفضل يعرف قدره
من يعرِف الأفراد والآحادا
إن قلت: ما بالخافقين نظيره،
أوْرَدْتُ فيا قلته أشهادا
هذي البلاد وهذه علماؤها
هل فاخرت بنظره بغداد؟
إن الشريعة أُلبست بجَنابه
تاجاً وألبسه التقى أبرادا
أجداده بنتِ العلاءَ وشيَّدتْ
فبنى على ذاك البناء وشادا
وكأنّما أقلامُ أنماه غدتْ
زرقاً على أهل العناد حدادا
وكأنّما جُعِلَ الصَّباحُ لُخَطِّه
معنىً ومسودُّ الظلام مدادا
نهدي إلى عين القلوب سطوره
نوراً يخال على البياض سوادا
لله فضلك في الوجود فإنّه
تَرَك البريَّة كلّها حسادا
عزّ النظيرُ لمثل فضلك بينهم
فليطلبوا لك في السما أندادا
لو أنصفوا شكروا مواهب ربّهم
إذ كنتَ للدين القويم عمادا
أحْيَيْتَ عِلْمَ الأنبياء وقد أرى
بوجود ذاتك رجعةً ومعادا
ولأنتَ أجرى السابقين إلى مدىً
ولأنت أورى القادحين زنادا
لحقتْ مداك اللاحقون فقصَّرتْ
ولو أنها ركبت إليك جيادا
ولقد جريت على مذاكي همّة
لا تَسأم الإتهام والإنجادا
ها أنتَ في الإسلام أكبرُ آيةً
لله تمحو الغيَّ والإلحادا
فإذا نطقت فحجَّة مقبولة
أو قلتَ قلتَ من الكلام سدادا
ما أمَّ فضلَك مستفيدٌ في الورى
إلا استفاد فضيلةً وأفادا
لولا ورودُ بحار علمك إذ طمت
لم تعرف الإصدار والإيرادا
ولكم زرعتَ من الجميل مكارماً
لا ترتجي مما زرعت حصادا
ولك الجميل إذا قبلت مدائحاً
أنشدتها لكَ معلناَ إنشادا
فليهنك العيدُ الجديد ولم تَزَلْ
أيّام دهرِك كلَّها أعيادا