عبقرية محمد (1941)/عبقرية محمد الإدارية
ملكات شخصية
في الاسلام احكام كثيرة مما يدخل في تصرف رجال الادارة كما نسميهم اليوم .. وفيه وصايا كثيرة عن المعاملات ، کالمساناة (۱) والمبايعة والاستقراض والشفعة والتجارة وسائر شئون المعيشة الاجتماعية يقتدي بها المشترعون في جميع العصور ولكنا لا نريد بما نكتب عن النبي أن نسرد أحكام و نبسط وصايا الدين ، فهي مشروحة في مواطنها لمن شاء الرجوع اليها ، وانما نريد أن نعرض لأعماله ووصاياه من ملكات شخصية وسلائق (۲) نفسية ، تلازمه حيث كان مؤديا لرسالة الدين ، أو مؤديا لغير الرسالة من سائر أعمال الانسان كذلك لا يعنينا مثلا أن نتكلم عن « الادارة » كأنها نصوص المنشورات و « اللوائح » التي تدار بها الدواوين ، وتجري عليها تفصيلات الحركة في مكاتب الحكومة ، فان هذه وما اليها هي أعمال منفذين مأمورين و ليست أعمال مدير ين آمين ، وانما نعني الملكة الادارية من حيث أساس في التفكير : من اعتمد عليه استطاع أن يقيم بناء الادارة كلها على أسس قويمة ، ثم بدع لغيره تفصيلات الأضابير (۳) والأوراق • فليس في وسع رجل مطبوع على الفوضى مستخف بالتبعة (4) أن يؤسس ادارة نافعة ولو كان فيما عدا ذلك كبير العقل كبير الهمة . أما السليقة المطبوعة على انشاء الادارة النافعة فهي السليقة التي تعرف النظام، وتعرف التبعة ، وتعرف الاحتصاص بالعمل ، فلا تسنده إلى كثيرين متفرقين يتولاه كل منهم على هواه . وقد كانت هذه السليقة في محمد عليه السلام على أتم ما تكون : كان يوصي بالرياسة حيثما وجد العمل الاجتماعي أو العمل المجتمع الذي يحتاج الى تدبير " ومن حديثه المأثور : ماذ! خرج في سفر فليؤمروا (5) أحدهم » المأثورة : انه كان يرسل الجيش وعليه أمير وخليفة للأمير وخليفة هي < 6 ثلاثة
- ومن أعماله +
B ( قوما وهم < د للخليفة أذا أصيب من تقدمه بما يقعده عن القيادة ، وكان قوام الرئاسة والامامة عنده شرطان هما جماع الشروط في كل رئاسة ، وهما الكفاءة والحب : « أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس علم : أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين » . ور أيما رجل أم له كارهون لم تجز (۱) صلاته أذنيه وكان إلى عنايته باسناد الأمر الى المدير القادر عليه ،حريصا على تقرير التبعات في الشئون ما كبر منها وما صغر ، على النهج الذي أوضحه صلوات الله عليه حيث قال : « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته : فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها (۲) وهي مسئولة عنه ، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته » وقد كانت أوامر الاسلام و نواهية معروفة لطائفة كبيرة من المسلمين أنصارا كانوا أو مهاجرين ، ولكنه عليه السلام لم يدعي النفسيه حقا في اقامة الحدود ، واكراه الناس على طاعة الأوامر ، و اجتناب التواهي غير من لهم ولاية الأمر وسياسة الناس فلما قتل بعض المسلمين غداة فتح مكة رجلا من المشركين غضب عليه السلام ، وقال فيما قال من حديثه المبين : «۰۰ فمن قال لكم ان رسول الله قد قاتل فيها فقولوا : أن الله قد أحلها الرسوله ولم يحللها لكم يا معشر خزاعة ولما أراد أن يصادر الخمر ، نهي في ذلك منهجا يقصد به الى التعليم والاستنان كما جاء في رواية ابن عمر حيث قال : « أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن آتيه بمدية ، فأتيته بها ، فأرسل بها فأرهفت (۳) ثم أعطانيها فقال أغد علي بها . ففعلت ، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق (4) الخمر قد جلبت من الشام . فأخذ المدية (2) مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها ، وأمر الذين كانوا معه أن يترك أحدا 6 6 ا- تتخطى ؟ - زوجها ۳ - أي رقق معها - الرق العملاء • ۹۷ 9 6 يمضوا . و يعاونوني ، وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد معي فيها زق خمر الا شققته ففعلت ، فلم أترك في أسواقها زقا الا وهذا تصرف المدير بعد تصرف النبي الذي يبين الحرام ، و يبين الحلال فالخمر شربها وبيعها ونقلها حرام يعلمه المسلمين من منهم و من لم يتفقه في الدين ، ولكن المحرمات الاجتماعية ينبغي أن تكون في يد ولي المسلمين لا في يد كل فرد يعرف الحلال والحرام ، وليست المسألة هنا مسألة تحريم وتحليل ، ولكنها مسألة أدارة وتنفيذ في مجتمع حافل يشتمل على شتى المصالح والأهواء ، ولا يصاب ببلاء هو أضر عليه من بلاء الفوضى والاضطراب واختلاف الدعاوی وانتزاع الطاعة وتجاهل السلطان ، فلم يكتف النبي عليه السلام بصريح التحن يسم في القرآن ، ولا أكتفي باسناد الأمر إلى غير معروف الصفة في تنفيذ الأحكام ، بل خرج بنفسه ثم أمر رجلا بعينه وأناسا بأعينهم أن يمضوا في اتمام عمله ، ولم يجعل ذلك أذنا لمن شاء أن يفعل ما شاء وما أكثر ما سمعنا في أيامنا الأخيرة عن الامن والنظام ، و توطيد (1) أركان الشريعة والقانون ، ولكننا لا نعرف في كل ما قيل كلاما هو أجمع لوجوده الصواب في هذه المسألة من قول النبي : « السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية فلا ولا طاعة ». ومن قوله فيما رواه عبادة بن الصامت : « ۰۰۰ الا تنازع الأمر أهله الا أن تروا كفرا بواحا (۲) عند كم من الله فيه برهان » ومن قوله : « الامام الجائر خير من الفتنة ، وكل لا خير فيه ، وفي بعض الشر خیار ، و من قوله : « أن الأمير اذا أبتغي الريبة (۳) في الناس أفسدهم » الى أحاديث في هذا المعنى هي جماع الضوابط التي تقوم عليها الادارة الحكيمة ، والخملط السليمة المستقيمة ، بين أمر ومأمور نظام وفوق النظام سلطان ، وفوق السلطان پر هان من الشرع والعقل لا شك فيه ، وجميع أولئك على سماحة لا تتسف النزاع ولا تتعسف الريبة ولا تلتمس الغلواء 4 4 & ا- تثبيت 5- غير مفطور - التهمة والشك و ۹۸ د هذا الالهام النافذه السديد في تدبير المصالح العامة ، وعلاج شئون الجماعات ، هو الذي أوحي إلى الرسول الأمي قبل کشف الجراثيم ، وقبل تأسيس الحجر الصحي بين الدول هو قبل العصر
- الحديث بعشرات القرون ، أن يقضي في مسائل الصحة واتقاء
نشر الأوبئة بفصل الخطاب الذي لم يأت العلم بعده بمزيد ، حيث قال : « اذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها ، واذا " وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فتلك وصية من ينظر في تدبيره الى العالم الانساني بأسره ، لا إلى سلامة مدينة واحدة أو سلامة فرد واحد ۰۰ اذ ليس أصون (۱) للعالم من حصر الوباء في مكانه ، وليس من حق مدينة أن تنشد السلامة لنفسها أو لأحد من سكانها بتعريض المدن كلها لعدواها
تدبير الشئون العامة
على أن الادارة العليا انما تتجلى في تدبير الشئون العامةحين تصطدم بالأهواء وتنذر بالفتنة والنزاع ، فليست الادارة كلها نصوصا وقواعد يجري الحاكم في تنفيذها مجرى الآلات والموازين التي تصرف الشئون على نسق (۲) واحد ، ولكنها في كثير من الأحيان علاج نفوس وقيادة أخطار لا أمان فيها من الانحراف القليل هنا أو الانحراف القليل هناك . وذلك هو المجال الذي تمت فيه عبقرية محمد في جلول التوفيق واتقاء الشرور أحسن تمام ، فما عرض له أم من معضلات الشقاق بعد الرسالة ولا قبلها الا أشار فيه بأعدل الآراء ، وأدناها الى السلم والارضاء - صنع ذلك القبائل على أيها يستأثر باقامة الحجر الأسود في مكانه شرف لا تنزل عنه قبيلة لقبيلة ، ولا تؤمن عقبی (۳) الفصل فيه بایثار احدى القبائل على غيرها ، ولو جاء الايثار من طريق المصادفة والاقتراع ، فأشار محمد بالرأي الذي لا رأي غيره الحاضر الوقت ولقيل النيب المجهول ، فجاء بالثوب ووضع الحجر الأسود عليه وأشرك كل زعيم في طرف من أطرافه ، وكان تدبي حين اختلفت ، و هو 6 3 ا- امغظ ۲- نظام وترتیب ۲ - أي عاقبة . 11 من قسمته هو على غير خلاف بين الناس أن يقيمه بيده حيث كان ، وأن ينسلف الدعوة وهي مكنونة في طوايا الزمان ، ولو علموا بها يومئذ لما سلموا ولا سلم من عدوان وشنان (۱) - وصنع ذلك هاجر من مكة المدينة فاستقبلته الوفود تتنافس على ضيافته و نزوله ، وهو يشفق أن يقدح في نفوسها شرر الغيرة بتمييز أناس منهم على أناس أو اختيار محلة دون محلة فترك لناقته خطامها (۲) تسير ، ويفسح الناس لها طريقها حتی بر کت حيث طاب لها أن تبرك ، وفصلت فيما لو فصل فيه انسان كبير أو صغير لما مضى فصله بغير جريرة (۳) لا تؤمن عقباها بعد ساعتها ، ولو أمنت في تلك الساعة على دخل (4) وسوء طوية (2) وصنع ذلك فضل بالغنائم أناسا من أهل مكة الضعيف ایمانهم على الناس من الأنصار الذين صدقوا الاسلام وثبتوا على الجهاد ، فلما غضبه المفضولون لم يكن أسرع منه الى ارضائهم بالحجة التي لا تغلب من يدين بها ، بل تريه انه هو الغالب الكاسبه و انها تصيب منه المقنع والاقناع في وقت واحد : أوجدتم يا معشر الأنصار في لعاعة (1) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا وو كلتكم إلى اسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار کلام مدير فيه الادارة والرياسة هبة من هبات الخلق والتكوين فهو مدير حين تكون الادارة تدبير أمور ، ومدير حين تكون الادارة تدبير شعور ، وهو كفيل ألا يلي مصلحة من المصالح تعتورها الفوضى ويتطرق اليها الاختلال ، لأنه يسوسها بالنظام و بالتبعة ، و بالاختصاص و بالسماحة ، وما من مجتمع يساس بهذه الخصال ويبقى فيه منفذ بعدها لاختلال او انحلال، أو لخطل (۷) في ادارة الأعمال D و ا- بغض ؟ - زمامها ۳- اي جريحة 4 - مكرود نية 1 - المراد ، متاع دنيوي زائل لام فساد Y.