عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقالة الثانية/النظر الخامس



النظر الخامس
فى كرة الأرض


الأرض جسم بسيط طباعه أن يكون بارداً يابساً متحركاً إلى الوسط، زعموا أن شكل الأرض كرة والقدر الخارج من الماء جذبته لأنْ القوم أعتبروا خسوفاً واحدا، فوجدوه في البلاد الشرقية والغربية مختلف الأوقات، فلو كان طلوع القمر وغروبه في وقت واحد بالنسبة إلى الأماكن لما اختلف، وإِنما خلقت باردة يابسة للغلظ والتماسك إِذ لو لا ذلك لما أمكن قرار الحيوان على ظهرها، وجذوب المعادن والنبات في بطنها وهي مركز الأفلاك واقفة في الوسط بإذن الله تعالى، والماء محيط بها إلا القدر البارز الذي جعله الله تعالى مقرّا للحيوان وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساوية ليس شيء من ظاهر سطح الأرض أسفل كما توهم كثير من الناس ممن ليس له دراية بالهيئة والهندسة، ثم إن الإنسان في أي موضع وقف على سطح الأرض فرأسه أبداً مما يلي السماء، ورجله أبداً مما يلي الأرض، وهو يرى السماء نصفها، وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من السماء بقدر ما خفي من الجانب الآخر تسعة وعشرين فرسخاً درجة. والبحر المحيط الأعظم احاط بأكثر وجه الأرض، والمكشوف منها قليل على مثال بيضة غائصة في الماء، وانكشف بعضها، وعلى المنكشف منها الجبال والتلال والوهاد، ولها منافذ و خلجان وأنهار و بطائح وآجام وغدران، وما فيها قيد شبر إلا وهناك معدن أو نبات أو حيوان، ولا يعلم تفصيلها إلا اللّه ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾


فصل
فى اختلاف آراء القدماء في هيئة الأرض


قال بعضهم: إنّها مبسوطة التسطيح في أربع جهات: الشرق والغرب والجنوب والشمال، وقال بعضهم: هي كشكل الترس، ومنهم هن زعم أنها كهيئة الطبل، وذهب آخرون إلى أنّها كنصف الكرة، والذي يعتمد عليه جماهيرهم أن الأرض مدورة كالكرة موضوعة من جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة، وأنّها في الوسط على مقدار واحد من جميع الجوانب: ومن القدماء من أصحاب فيثاغورس من قال: الأرض متحركة دائماً على الاستدارة، والذي نرى من دوران الفلك إنّما هو دور الأرض لا دور الكواكب، وقال بعضهم إنّها واقفة في الوسط على مقدار واحد من كل جانب، والفلك محيط بها من كل وجه فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية لأنّ قوة الأجزاء متكافئة، مثال ذلك حجر المغناطيس الذي يجذب الحديد لأن في طبع الفلك أن يجتذب الأرض وقد استوى الجذب من جميع الجهات، فوقعت في الوسط، ومنهم من قال إنّها مدورة واقفة في الوسط، وسببه دوران الفلك وسرعة حركته ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط كما أنه لو جعل تراب أو حجر في قارورة مدورة وأديرت في الخرط بقوة قام التراب أو الحجر في الوسط، والله الموفق.


فصل
في مقدار جرم الأرض ومعمورها وخرابها


قال أبو الريحان: طول قطر الأرض بالفراسخ ألف ومائة وثلاثة وستون فرسخاً وثلثاً فرس ودورها بالفراسخ ستة آلاف وثمانمائة فرسخ، فعلى هذا يكون مساحة سطحها الخارج أربعة عشر ألفاً وسبعمائة وأربعة وأربعين ألفاً ومائتين واثنين وأربعين فرسخاً وخمسي فرسخ، وقال المهندسون: لو حفر في الوهم وجه الأرض لأدى إلى الوجه الآخر، ولو نقب بأرض فرسخ مثلاً نفذ بأرض الصين واحتجوا على هذا ببراهين هندسية واعتبرت مساحة الأرض في زمن أمير المؤمنين المأمون بارتفاع قطب معدل النهار، فكان نصيب كل درجة فلكية ستة وخمسين ميلاً وثلئي ميل.


فصل
في أرباع الأرض وعماراتها


قال أبو الريحان: سطح معدل النهار يقطع بنصفين على دائرة تسمى خط الاستواء، فيسمى أحد نصفيها شمالياً والآخر جنوبياً، وإذا توهمت دائرة عظيمة على الأرض مارة على قطب خط الاستواء قسمت كل واحد من نصغى الأرض بنصفين، فانقسم جملتها أرباعاً جنوبيان وشماليان، فالربع الشمالي المسكون يسمى ربعا معمورا، وهذا الربع يشتمل على ما يعرف ويسلك من البحار والجزائر والجبال والأنهار والمفاوز والبلدان والقرى إلا أنه بقي منه قطعة غير معمورة من إفراط البرد وتراكم الثلوج، وقال غيره: معدل النهار يقطع الأرض بنصفين، كل نصف بربعين شماليين وجنوبيين، فالشماليان هما المعمورة وهو من العراق إلى الجزيرة والشام ومصر والروم وفرنجة ورومية والسوس إلى جزائر السعادات، فهذا الربع غربي شمالي، ومن العراق إلى الأهواز والشمال وخراسان، وتثبت إلى الصين إلى واقرها، فهذا الربع شرقي شمالي، وكذلك النصف الجنوبي ربعان شرقي جنوبي فيه بلاد الزنج والحبشة والنوبة وربع غربي جنوبي لم يطأه أحد البتة وهو متاخم للسودان الذين يتاخمون البرير، وحكي أن بطليموس الملك اليوناني بعث إلى هذا الربع قوم ليبحثوا عن بلاده، فذهبوا وبحثوا عن أهل بلاده ثم انصرفوا وأخبروا أنه خراب يباب ليس فيها عمارة ولا حيوان، فسمّي هذا الربع الخراب، وقيل الربع المحترق.


فصل
في أقاليم الأرض


واعلم أن الربع المسكون قد قسم سبعة أقسام، كل قسم يسمى إقليماً كأنه بساط مفروش من المشرق إلى المغرب طوله وعرضه من جهة الجنوب إلى جهة الشمال، وهي مختلفة الطول والعرض، فأطولها وأعرضها الإقليم الأوّل، فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من مائة وخمسين فرسخاً، وأقصرها طولاً وعرضها الإقليم السابع، فإِن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ألف وخمسمائة فرسخ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من سبعين فرسخاً، وأما سائر الأقاليم التي بينهما فيختلف طولها وعرضها بالزيادة والنقصان ثم إن هذه الأقسام ليست أقساماً طبيعية لكنها خطوط وهمية وضعها الملوك الأولون الذين طافوا بالربع المسكون من الأرض ليعلم بها حدود البلدان والممالك مثل أفريدون وإسكندر وأردشير.


فصل
فيما يعرض للأرض من الزلزلة والخسف


زعموا أن الأبخرة والأدخنة الكثيرة إذا اجتمعت تحت الأرض ولا يقاومها برودة حتى تصير ماء، وتكون مادتها كثيرة لا تقبل التحليل بأدنى حرارة، ويكون وجه الأرض صلباً لا يكون فيها منافذ ومسام، فالبخارات إذا قصدت الصعود ولا تجد المسام والمنافذ تهتز منها بقاع الأرض وتضطرب كما يضطرب بدن المحموم عند شذة الحمى بسبب رطوبات عفنة احتبست في خلال أجزاء البدن، فتشتعل فيها الحرارة الغريزية فتذيبها وتحللها وتصيّرها بخاراً ودخاناً، فيخرج عن مسام جلد البدن فيهتز من ذلك البدن ويرتعد ولا يزال كذلك إلى أن تخرج تلك المواد، فإذا خرجت يسكن، وهكذا حركات بقاع الأرض بالزلزال، فربما ينشق ظاهر الأرض ويخرج من الشق تلك المواد المحتبسة دفعة واحدة، والله أعلم.


فصل
في صيرورة السهل جبلاً والبر بحراً وعكسهما


قالوا: إذا امتزج الماء بالطين كان في الطين لزوجة وأثرت فيه حرارة الشمس مدة طويلة، صار حجراً كما ترى النار إذا أثرت في اللبن صلبتها وجعلتها آجراً، فإن الآجر نوع من الحجر إلا أنه رخو، وكلّما كان تأثير النار فيه أكثر كأن أشبه بالحجر فزعموا أن تولد الجبال من اجتماع الماء والطين وتأثير الشمس، وأما سبب ارتفاعها وشموخها فجاز أن يكون بسبب زلزلة فيها خسف فتخفض بعض الأرض وترفع بعضها ثم المرتفع يصير حجراً كما ذكرنا، وجاز أن يكون يسبب أن الرياح تنقل التراب من مكان إلى مكان فتحدث تلال ووهادا، ثم يتحجر بسبب ما قلنا، وذكر صاحب علم المجسطي: أن في كل ستة وثلاثين سنة ينتقل أوجات الكواكب ويدور في البروج الاثني عشر دورة واحدة، فإذا انتقلت من الشمال إلى الجنوب تختلف مسامتات الكواكب ومطارح شعاعاتها على بقاع الأرض، فيختلف بها الليل والنهار والشتاء والصيف والحر والبرد ويتغير أرباع الأرض فيصير العمرانٍ خراباً والخراب عمراناً والبراري بحاراً والبحار براري والسهول جبالاً والجبال سهولاً، وأما صيرورة الجبال سهولاً فإن الجبال من شدّة إشراق الشمس والقمر وسائر الكواكب عليها بطول الزمان تنشف رطوبتها وتزداد يبساً وجفافاً وتنكسر خاصته عند الصواعق، فتصير أحجاراً وصخوراً ورمالاً، ثم إِن السهول تحملها إلى بطون الأنهار والأودية، ثم تحملها بشدة جريانها إلى البحار فتنبسط في قعرها ساقاً بعد ساق بطول الزمان ويتلبد بعضها في بعض، فيحصل في البحار جبال وتلال كما يتلبد من هبوب الرياح دعاص الرمل في البر، ولذلك قد يوجد في جوف الأحجار إذا كثرت صدفة أو عظم وذلك يسبب اختلاط طين هذا الموضع بالصدف والعظم، وقد يصير البحر يبساً واليبس بحراً لأنْه كلما انطمت قطعة من البحار على الوجه الذي ذكرناه فالماء يرتفع ويطلب الاتساع على سواحله ويغطي بعض البر بالماء ولا يزال كذلك حتى تصير مواضع البر بحراً وهكذا لا تزال الجبال تنكسر وتصير حصى ورمالاً يحملها سيول الأمطار مع طين في ممرها إلى قعر البحر وينعقد فيها كما ذكرناه حتى يستوي مع وجه الأرض. فيجف ويتكشف وينبت العشب عليها والأشجار فتصير مسكناً للسباع والوحوش فيقصده الناس لطلب المنافع من الصيد والحطب وغيرهما، فيصير مسكناً للناس موضعاً للزرع والغرس فيصير مدناً وقرى فسبحانه ما أعظم شأنه.


فصل
في فوائد الجبال وخواصها وعجائبها


أما فائدتها العظمى فما ذكره الله تعالى في كتابه: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ وقال بعضهم لو لم تكن الجبال لكان وجه الأرض مستديراً أملس فكان مياه البحار تغطيها مع جميع جياتها وتحيط بها إحاطة كرة الهواء بالماء، فبطلت الحكمة المودعة فى المعادن والنبات والحيوانات فاقتضت الحكمة الإلهية وجود الجبال لما ذكرناه من الحكمة، وقال بعضهم إِن الجبال لوجود الماء العذب السائح على وجه الأرض الذي هو مادة حياة النبات والحيوان، وذلك لأنّ سبب هذا الماء انعقاد البخار في الجو، فيصير سحاباً والجبال الشامخة الطوال في المشرق والمغرب والجنوب والشمال تمنع الرياح أن تسوق البحار، بل تجعلها منحصرة حتى يلحقها البرد فيصير مطراً أو ثلجاً، فلو فرضت الجبال مرتفعة على وجه الأرض لكانت الأرض كرة لا غور فيها ولا نتوء، والبخار المرتفع لا يبقى في الجو منحصراً إلي وقت يضربه البرد، بل يتحلل ويستحيل هواء فلا يجري الماء على وجه الأرض إلا قدراً ينزل مطراً ثم تنشفه الأرض فيعرض من ذلك أن الحيوان والنبات يعدم الماء فى الصيف عند شدة الحاجة إليه كما في البادية البعيدة فاقتضى التدبير الالهي وجود الجبال ليحصر البخار المرتفع من الأرض من أغوارها ويمنع من السيلان، ويمتع الرياح أن تسوقها، كما يمنع السقف الماء، فيبقي محفوظاً إلى أن يلحقه البرد زمان الشتاء، فيجمده ويعصره فيصير ماء، ثم ينزل مطراً وثلجاً، والجبال في أجرامها مغارات وأهوية وأوشال وكهوف، فيقع على قللها الأمطار والثلوج وينصب إلي تلك المغارات والأوشال وتبقى فيها مخزونة وتخرج من أسافلها من منافذ ضيقة وهي العيون، فساحت منها المياه على وجه الأرض فينتفع بها النبات والحيوان وما فضل ينصب إلى البحار، فإذا فني ما استفادته من الأمطار والثلوج لحقها نوبة الشتاء فعادت مكان ولا يزال دأبها كذلك إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ولنذكر بعض الجبال وخواصها العجيبة مرتباً على حروف المعجم إن شاء الله تعالى:

جبل أولشان: بأرض الروم في وسط هذا الجبل درب فيه دوران عن اجتاز فيه وهو في حال اجتيازه يأكل الخبز بالجبن، ويدخل من أوله ويخرج من آخره فلا يضره عضة الكلب الكَلِب، وإن عض إنساناً غيره يعبر بين رجلي هذا المجتاز يأمن غائلته، وهذا أمر مشهور عندهم.

جبل أبي قبيس: مطل على مكة، يزعم الناس أنَّ من أكل عليه الرأس المشوي يأمن من أوجاع الرأس، وكثير من الناس يفعلون ذلك.

جبل أروند: مطل على همذان أخضر نضر، دخل رجل من همذان على جعفر الصادق رضي الله عنه فقال: من أين أنت؟ قال: من همذان، قال: أتعرف جبلها أروند؟ قال: نعم، قال: إن فيها عيناً من عيون الجنة وأهل همذان يرون أنها الماء الذي على قلة الجبل، وذلك أن ماءها يخرج في وقت من أوقات السنة معلوم ومنبعه من شق في صخرة، وهو ماء عذب شديد البرد لا بجد شاربه منه ثقلاً، فإذا جاوزت أيامه المعدودة انقطع إلى وقته عن العام الآخر لا يزيد ولا ينقص وهو شفاء للمرضى يأتونه من كل وجه، قالوا: إنه يكثر إذا كثر الناس ويقل إذا قلّوا.

جبل أروند: جبل آخر بسيستان، فيه ماء ينبت فيه قصب كثير، فما كان من القصب في الماء فهو كالحجر، وما كان خارج الماء فهو قصب، وما سقط من ذلك القصب في الماء يصير حجراً وكذلك لى كان قشراً أو ورقاً، هكذا ذكره صاحب تحفة الغرائب.

جبل أسبرة: بناحية الشام بما وراء النهر، قال الإصطخري: هناك جبال فيها منافع كثيرة من النفط والحديد والنحاس والآنك والصفر والفيروزج والذهب، وفيها حجر كله أسود مثل الفحم ويحترق مثل الفحم، يباع منه وقور وقران بدرهم، فإذا احترق اشتد بياضاً، وماؤه يستعمل في تبيض الثياب لا يعرف مثله من المواضع أصلاً.

جبل التر: على ثلاث فراسخ من قزوين شامخ جدّا لا تخلو قلته من الثلج لا صيفاً ولا شتاء، وعليه مسجد يأوي إليه الأبدان والناس يقصدونه للتبرك، ويتولد من ثلجه دود أبيض إذا غرزت فيه بأدنى شيء يخرج منه ماء أبيض صاف مقدار ما يروي دابة، وقال بعضهم: إِنّه ليس بحيوان.

جبل أندلس: في جيل منها غار لا ترى منه النار وإذا أخذ فتيلة ودهنها وشدها على رأس خشبة طويلة ودخل الغار اشتعل، وبقرب هذا الجبل جبل آخر تشتعل النار على قلته بالليل والنهار، يصعد مته دخان عظيم شديد الحرارة، وعلى جبل من جبالها عينان بينهما مقدار شبرين ينبع من إحداهما ماء شديد الحرارة، ومن الأخرى ماء بارد شديد البرودة، والله أعلم.

جبل هجنة: بتركستان، على قلّته شبه خرقات من الحجر، وداخل الخرقات عين ينبع الماء منها، وعلى الخرقات شبه كوة يخرج منها الماء وينصب من الخرقات إلى الكوة، ومنها إلى الجبل ومن الجبل إلى الأرض، وتفوح من ذلك الماء رائحة طيبة، والله الموفق.

جبل البرانس: بالأندلس، فيه معدن الكبريت الأحمر والأصفر، ومعدن الزئبق وهو غزير جداً يحمل إلى سائر الآفاق، وبه معدن الزنجفر وليس في جميع الأرض يعرف إلا هناك.

جبل القدس: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض القدس جبل فيه شبه بيت غار يمشي إليه الزوار، فإذا أظلم الليل يضيء البيت ولا سراج فيه ولا كوة يدخل منها الضوء فيه من خارج.

جبل تحميد: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض أندران جبل يقال له تحميد، وفيه قرية في طريقها مضيق لو صاح المار فيه صيحة يهب فيه هواء لا يقدر الإنسان على الوقوف فيه.

جبل نيسون: بين حلوان وهمدان جبل عال ممتنع لا ترتقي ذروته، قال مسعود بن مهلهل: هو على فرسخ من قرمسين حفر فيه إيوان فيه صورة شبرين خطه كسرى أبرويز على حائط الإيوان وعلى وسط الإيوان صورة أبرويز على فرشه سرير منحوت من حجر عليه درع كأنه من الحديد، وقد ثبت بمسامير وردة وقد بولغ في تجويدها إلى حد من يراه يحسب أنه متحرك، وبين يدي أبرويز رجل في زي فاعل على رأسه قلنسوة وهو مشدود الوسط، بيده مسحاة كأنه يحفر الأرض والماء يخرج من تحت رجله.

جيل ثبير: بمكة بقرب منى، وهو جبل مبارك يقصده الزوار، وهو الذي أهبط عليه الكبش الذي جعله الله تعالى فداء لإسماعيل عليه الصلاة والسلام، والعرب تقول: أشرق ثبير كيما نغير.

جبل ثور الطحل: بقرب مكة فيه الغار الذي كان فيه رسول الله مع الصديق رضي الله تعالى عنه لمّا خرجا من مكة مهاجرين، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال: ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ﴾.

جبل حراب: بأرض الهند، في ذروته نار تتقد مقدار مائتي ذراع فى مثلها، وبالنهار دخان وحواليه منابت العطر يجلب منها إلى سائر الآفاق.

جيل جيش إرم: في بلاد طيىء، على ذروته مساكن لعاد إرم فيها صور منحوتة من الحجر لا يعرف حالها الله أعلم بفائدتها.

جبل الجودي: بقرب جزيرة ابن عمر من الجانب الشرقي استوت عليه سفينة نوح عليه الصلاة والسلام كما أخبر الله تعالى، وقد بنى فيه نوح عليه الصلاة والسلام مسجداً وهو باق إلى الآن تزوره الناس.

جبل جوشن: في يمين حلب، وفيه معدن النحاس الأحمر، قيل إنه بطل منذ عبر عليه الحسين رضي الله عنه، وكانت زوجة الحسين رضي الله عنه حاملا، فأسقطت هناك، فطلبت منهم الماء في ذلك الجبل فمنموها وشتموها فدعت عليهم، فإلى الآن من عمل فيها لا يربح.

جبل الحارث والحويرث: جبلان بأرمينية لا يقدر أحد على ارتقائهما، قال ابن الفقيه: كان على نهر الرس بأرمينية ألف مدينة، فبعث الله إليهم نبياً دعاهم إلى الله تعالى، فكذبوه وعصوا أمره فدعا عليهم فحول الله عليهم الحارث والحويرث من الطائف، وأرسلهما عليهم: فقالوا: أهل الرس تحت هذين الجبلين.

جبل حراء: بمكة على ثلاثة أميال منها، به غار كان رسول الله قبل الوحي قبل الوحي يأتيه للخلوة، فأتاه جبريل عليه السلام هناك، وهو موضع مبارك يزوره الناس، واللّه أعلم.

جبل حودقور: حدث أحمد بن يحيى التميمي أن في ناحية قورش في جبل يقال له: حودقور، غور مقداره خمسة أرماح، وعرضه قليل بنبت فيه دكة، فمن أراد أن يتعلم شيئاً من السحر عمد إلى ماعز أسود ليس فيه شعرة بيضاء، وذبحه وسلخه وقسمه سبعة أجزاء وأعطى جزءاً منها للراعي المقيم بالجبل وستّة أجزاء، ينزل بها إلى الغار ويأخذ الكرش، فيشقها وينطلي بما فيه ويلبس جلد الماعز مقلوباً، ويدخل الغار ليلاً، ومن شرطه أن لا يكون له أب ولا أم، فإذا دخل الغار لم ير أحداً فينام، فإذا أصبح ووجد جسمه نقياً مما كان عليه كأنّه مغسول، دل على القبول، وإن أصبح بحاله دل على أنه لم يقبل، فإذا خرج من الغار لم يحدث أحداً ثلاثة أيام بعد القبول فيصير ساحراً، وحودقور بين حضر موت وعمان.

جبل الحيات: بأرض تركستان، فيه حيات من نظر إليها يموت إلا أنّها لم تخرج من ذلك الجبل البتة.

جبل دامغان: جيل مشهور ودامغان يقرب من الري، وعلى هذا الجبل عين ماء، إذا ألقي فيها نجاسة تهب ريح قوية بحيث يخاف منها الهدم، ذكره صاحب تحفة الغرائب.

جبل نهاوند: بقرب الري، يناطح النجوم ارتفاعاً ويحكيها امتناعاً، قال مسعود بن مهلهل: إِنّْه جبل شاهق لا يفارق أعلاه الثلج شتاء ولا صيفاً، ولا يقدر الإنسان أن يعلو ذروته، زعموا أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام حبس به مارداً يقال له صخر، وذكروا أنَّ أفريدون حبس به بني راسف الذي يقال له الضحاك، قال: فصعدت الجبل إلى أن وصلت إلى نصفه بمشقة ومخاطرة بالنفس، وما أظن أحداً يجاوز هذا الموضع الذي وصلت إليه، رأيت عيناً كبريتاً وحولها كبريت مستحجر، إذا طلعت الشمس عليها التهبت وصارت ناراً، وسمعت من أهل تلك الناحية يقولون إنّ النمل إذا كثر جمع الحب على هذا الجبل يكون بعده جدب وقحط، وإِنّهم إذا دامت عليهم الأنداء والأمطار فصبوا لبن الماعز على النار انقطع قال: فاعتبرت هذا فوجدتهم صادقين، وإنَّه ما يرى في وقت من الأوقات قلة الجبل منحسراً عن الثلج إلا وقد وقعت فتنة وأهرقت الدماء من الجانب الذي يرى منحسراً، وهذه أيضاً صحيحة بإجماع أهل تلك الناحية، وقال محمد بن إبراهيم الضراب: إن أبى عرف أن بجبل نهاوند الكبريت الأحمر، فاتخذوا مغارف حديد طول السواعد، فذكروا أنه لا يقرب من ناره حديدة إلا ذابت في ساعتها، وذكر أهل نهاوند أنه جاءهم رجل من خراسان ومعه مغارف حديد طوال مطلية بماء عالجها بها، وأخرج الكبريت منها لبعض الملوك؛ وذكر محمد بن إبراهيم أن الأمير موسى بن حفص كان والياً على الري إذ ورد عليه كتاب المأمون يأمره بالشخوص إلى نهاوند ويعرفه حال المحبوس به قال: فوافينا القرية التي بحضيض الجبال ومكثنا أياما لا نرى الاهتداء حتى أتانا شيخ فعرفناه أمر الخليفة، فقال: أما الوصول إلى ذلك المكان فلا سبيل إليه: لكن إذا أردتم صحة ذلك أريتكم، فاستحسن الأمير قوله، فعند ذلك صعد الشيخ بين أيدينا وصعدنا خلفه وأوققنا على موضع فبالغنا في حفره حتى انكشف لنا عن بيته منقور من الحجارة، وفيه تمئال على صورة عجيبة يضرب بمطرقة على أعلاه ساعة بعد ساعة من غير فتور، فاستخبرنا الشيخ عن شأنه، فقال: هذا طلسم لبوراسف المحبوس هاهنا، لثلا ينحل من وثاقه، ثم أمرنا أن لا نتعرض للطلسم وأن رده إلى ما كان ففعلنا ثم دعا بسلالم أطول ما يكون، فأمر الأمير بإحضارها فشد بعضها إلى بعض حتى بلغ مقدار ماثة ذراع ثم رفعها ونقب موضعها فظهر باب، فوصلنا إلى أسكفته وعليها مسامير من حديد مذهبة، كأن الصائغ قد فرغ منها عن قريب، وفوق الأسكفة كتابة بالذهب تنطق بأن على هذه القبّة سبعة أبواب من حديد، على كل باب مصراع أربعة أقفال من حديد، وعلى العضادة مكتوب: هذا حيوان له أمد إلى غاية لا يتعرض أحد لهذه الأبواب، فِإنْ من فتحه يهجم على هذا الإقليم آفة لا تدفع، فقال الأمير: لا يتعرض أحد لشيء من هذا حتى نستأذن اللخليفة، فأمر برد البيت على ما كان، واستأذن الخليفة فيه، فكتب المأمون إليه أن يترك ذلك على حاله، والله تعالى الموفق للصواب.

جبل ربوة: على فرسخ من دمشق، ذكر بعض المفسرين أن المراد بقوله تعالى : ﴿ وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ هو جبل عال على قلته مسجد حسن وهو في بعض البساتين من جميع جوانيها الخضرة والأشجار والرياحين، وللمسجد مناظر إلى البساتين، ولمًا أرادوا إجراء نهر بردى وقع هذا الجبل في طريقه فنقبوا تحته وأجرو| الماء فيه ويجري على رأسه نهر يزيد وينزل من أعلاه إلى أسفله، وفى هذا الجبل كهف صغير زعموا أنَ عيسى عليه الصلاة والسلام ولد فيه، ورأيت في هذا المسجد في بيت صغير حجراً كبيراً ذا ألوان عجيبة، حجمه كحجم صندوق، وقد انشق نصفين، وبين شقيه مقدار ذراع لم ينفصل أحد النصفين عن الآخير، بل متصل به كرمان متشقق، ولأهل دمشق في ذلك أقاويل، والله أعلم بصحّتها، ولا ريب أنه شيء أنه شيء عجيب.

جبل رضوى: قال عامر بن أصبع: هو من المدينة على سبعة مراحل وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية يرى من البعد أخضر، وبه مياه وأشجار كثيرة، زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية مقيم فيه وأنّه حي وأنّه بين أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل، ويعود بعد الغيبة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وهو المهدي المنتظر، وإنما عوقب بهذا الحبس لخروجه إلى عبد الملك بن مروان، وقتله أبا يزيد بن معاوية، وكان السيد الحميري على هذا المذهب، وهو يقول:

ألا قل للوصي فدتك نفسي
أطلت بذلك الجبل المقاما

ومن رضوى يقطع حجر المسن ويرفع إلى جميع الآفاق، والله الموفق.

جبل الرقيم: هو المذكور في القرآن: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ قيل الرقيم: اسم الجبل الذي فيه الكهف، وقيل: اسم القرية التي كان أصحاب الكهف منها، والجيل بالروم بين عمورية ونبقية، روي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه رسولاً إلى ملك الروم أدعوه إلى الإسلام، قال: فسرت حتى دخلت بلاد الروم، فلاح لنا جبل أحمر قالوا: إن جبل أصحاب الكهف، فوصلنا إلى دير فيه وسألنا أهلها عنهم، فأوقفونا على سرب في الجبل، فقلنا لهم: نحن نريد أن ننظر إليهم ووهبنا لهم هبة فدخلوا ودخلنا معهم في ذلك السرب، وكان عليه باب من حديد ففتحوه فانتهينا إلى بيت عظيم محفور في الجبل فيه ثلاثة عشر رجلا مضجعين على ظهورهم كأنّهم رقود، على كل واحد منهم جبة غبراء وكساء أغبر قد غطوا بها رؤوسهم إلى أرجلهم، فلم نر ما ثيابهم من صوف أو وبر إلا أنْها أصلب من الديباج، وإذا هي تقعقع هن الصفاقة وعلى أكثرهم خفاف إلى انصاف سوقهم متنعلين بنعال مخصوفة ولنعالهم وخفافهم من جودة الخرز ولين الجلود ما لم ير مثله، فكشفنا عن وجوههم رجلاً بعد رجل، فإذا هم من وضاءة الوجوه وصفاء الألوان كالأحياء، وإذا الشيب قد وخط بعضهم وبعضهم شباب موفورة شعورهم وبعضهم مضمومة وهم على زي المسلمين، فانتهينا إلى آخرهم فإذا هو مضروب الوجه بالسيف كأنّه ضرب في يومه، فسألناهم عن حالهم فذكروا أن قوماً يدخلون عليهم في كل عام يوماً يجتمع أهل تلك النواحي عند باب هذا الكهف، فيدخل عليهم من ينفض التراب عن وجوههم وجباههم وأكسيتهم، ويقلم أظفارهم ويقص شواربهم ويتركهم على الهيئة التي ترونها، فقلنا لهم: هل تعرفون من هم؟ وكم هم؟ وكم مدة ما لهم هنا؟ فذكروا أنْهم يجدون في كتبهم أنْهم كانوا أنبياء بعثوا في زمان واحد، وكانوا قبل المسيح بأربعمائة سنة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أصحاب الكهف سبعة وهم: مكسلمينا، أمليخا، مرطوكش، نوالس، ساتبوس، بطنيوس، اكشفوط، واسم كلبهم قطمير.

جبال رانك: قال صاحب تحفة الغرائب: إِنّها بأرض تركستان وهناك جمع من الترك يقال لهم: رانك، وهم أناس ليس لهم زرع ولا ضرع، وفي جبالهم ذهب وفضة كثيرة، وربّما قطعه كرأس شاة، فمن أخذ القطع الصغار ينتفع بها، ومن أخذ الكبار يموت هو وأهل البيت الذي يكون فيه تلك القطع الكبار، وما يزال الموت فيهم حتى يردوها إلى مكانها، وإذا أخذ الغريب لا يضره.

جبل زعوان: بقرب تونس، وهو جبل منيف يرى من مسيرة أيام لعلوه، ويرى السحاب دونه، وأهل إفريقية يقولون فلان أثقل من جبل زغوان، وفيه قرى كثيرة ومياه وأشجار وثمار، وفيها مأوى الصالحين وكثيراً ما يمطر سفحه ولا يمطر أعلاه، فمن كان بيته في سفح الجبل يشكون من شدة المطر، ومن كان بيته في أعلاه يشكون من قله الماء وكثرة العطش.

جبل ساوة: هو جبل على مرحلة منها، رأيته وهو شامخ جداً، فيه غار شبه إيوان يسع ألف نفس، وفي آخر الغار قد برز من سقفه أربعة أحجار شبيهة بثدي النساء بتقاطر الماء من ثلاثة والرابع يابس، قالوا: مصه كافر فيبس، وتحتها حوض يجتمع فيه الماء، وماؤه طيب غير متغير مع طول وقوفه، وعلى باب الغار ثقب ذو بابين يدخلون من أحدهما ويخرجون من الآخر، زعموا أن من لم يكن له ولد يرشده لا يقدر على الخروج منهما، ورأيت رجلاً دخل فيهما فما خرج إلا بعد جهد شديد، والله الموفق.

جيل سيلان: وهو يقرب مدينة أردبيل بأذربيجان من أعلى جبال الدنيا، عن رسول الله « من قرأ: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ كتب الله له من الحسنات بعده كل ودق وثلج وقع على جبل سيلان، قيل: وما سيلان يا رسول الله؟ قال: جيل أرمينية وأذربيجان عليه عين من عيون الجنة وفيه قبر من قبور الأنبياء »، قال أبو حامد الأندلسي: على رأس الجبل عين عظيمة ماؤها بارد جداً وحول الجبل عيون حارة تقصدها الناس، وفي حضيض الجبل شجر كثير وبينها حشيش لا يتناوله شيء من الحيوانات إلا مات من ساعته، قال: ولقد رأيت البهائم من الخيل والحمير والبقر والغنم يقصدونها، فإذا قربت منها نفرت حتى العصافير، قال: وفي سفح الجبل قرية اجتمعت بقاضيها وهو أبو الفرج بن عبد الرحمن الأردبيلي، فسألته عن حال تلك الحشيشة، فقال: إنها تحميها الجن، وذكر أنه بنى في القرية مسجداً فاحتاج إلى قواعد حجرية لأعمدة المسجد فأصبح وعلى باب المسجد قواعد من الصخر المنحوت محكمة الصنعة من أحسن ها يكون.

جبال السراة: حاجزة بين تهامة واليمن، عظيمة الطول والعرض، وهي كثيرة الأهل والأنهار والأشجار وبأسفلها الأودية تنصب إلى البحر، وكل هذه الجبال منابت القرظ، وفيها الأعناب وقصب السكر والإسجل، وفيها معدن البرام.

جبل السماق: جبل عظيم من أعمال حلب، يشتمل على مدن وقري وقلاع، أكثرها للإسماعيلية، وهو منبت السماق، وهو مكان نزوة ترابه طيب، ومن عجيب هذا الجبل أنْ فيه بساتين ومزارع ومياها عذبة، فتنبت الحبوب والفواكه في الحسن والطراوة كالمشقوق حتى المشمش والقطن والسمسم.

جبل سرنديب: هو الجبل الذي أهبط عليه آدم وهو بأعلى الصين في بحر الهركند ذاهب في السماء، يراه البحريون من مسافة أيام، وفيه أثر قدم آدم عليه السلام مغموسة في الحجر ويرى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب، ولا بد له في كل يوم من مطر يغسل موضع قدم آدم عليه السلام، وقيل إن الياقوت الأحمر يوجد على هذا الجبل تحدره السيول والأمطار إلى الحضيض، ويوجد به الماس أيضاً، وبه يوجد العود.

جبل سمرقند: قال صاحب تحفة الغرائب: جبل سمرقند فيه غار يتقاطر الماء منه في الصيف وينعقد جمدا، وفى الشتاء يكون حاراً حتى لو أن أحداً غمس يده فيه احترقت.

جيل السم: ذكر الهيجاني أن أهل الصين نصبوا من رأس جبل إلى رأس آخر قنطرة في طريق حسن إلى تبت، فإِنّ من جاوزها يدخل في هواء يأخذ بالأنفاس ويثقل اللسان ويموت من المارين كثير من أهل تبت جبل السم.

جبل الشب: بأرض اليمن، على قلة الجبل ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن يصل إلى الأرض، والشب الأبيض اليماني من ذلك

جبل شبام: قال محمد بن أحمد بن إسحاق الهمذاني: هو جبل بقرب صنعاء وبينها وبينه يوم واحد، وهو صعب المرتقى، ليس له إلا طريق واحد، وذروته واسعة فيه ضياع كثيرة ومزارع وكروم ونخيل، والطريق إليها في دار الملك، وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك، من أراد النزول إلى السهل دخل إلى الملك وأعلمه بذلك ليأمره بفتح الباب، وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا مسلك فيها ولا يعلم أحد ماوراءها، ومياه هذا الجبل تنصب إلى سد هناك، فإِذا امتلأ السد ماء فتح فيجري الماء إلى صنعاء ومخاليفها.

جبل شرق البعل: في طريق الشام من المدينة فيه بنيان عظيم للأصنام، صنعوا فيها من النقوش العجيبة محفورة في الحجر ما لا يتأتى حفره في الخشب مع علو سمكها وعظيم أحجارها وطول أساطينها، وهو شيء عجيب إذا رآها الناظر يتحير في صنعتها، والله أعلم بما كان في غرضهم منها.

جبل شقان: بخراسان، ذكر بعض فقهاء خراسان: أن من داخله غاراً من دخله برىء من المرض أي مرض كان، وذكر أيضاً: أن به جبلاً آخر من ارتقى ذروته لا يحس بشيء من هبوب الريح حتى يبقى بينه وبين أعلى ذروته ذراعان، وهناك يحس. بهبوب الريح.

جبل شكران: بأرض شكران، هو جبل ولست أدري أنه بالأندلس أو باليمن على قلته شبه مسرجة من الحجر في كل سنة يرى ثلاث ليال على تلك المسرجة سراج مضيء ولا يقدر أحد على الصعود إلى مكان المسرجة لهبوب الريح العاصف، لأنه عند وصوله إلى نصف الجبل ترميه الريح، وفي الليلة التي يرى فيها السراج على المسرجة يرى في منارها شبه طاووس على تلك المسرجة، ولا علم للناس بحقيقة ذلك، والله أعلم.

جبل الصور: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض كرمان جبل من أخذ منه حجراً وكسره يرى في وسطه شبه صورة إنسان قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً، وإن دققت هذا الحجر ثم سحقته وحللته في الماء حتى يرسب ترى في الراسب مثل ما كان في الحجر.

جبل الصفا: بين بطحاء مكّة والواقف على الصفا بحذاء الحجر الأسود والمروة يقابله، قيل: إن الصفا والمروة كانا اسمي رجل وامرأة زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجراً فوضعوا كل واحد على الحجر المسمى باسمه لاعتبار الناس، وجاء في الحديث أن الدابة التي هي من أشراط الساعة تخرج من الصفا، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يضرب عصاه على الصفا ويقول: إن الدابة تسمع قرع عصاي هذا.

جبل صقلية: هو جبل في وسط بحر المغرب، قال الحسن بن يحيى في تاريخ صقلية: أنه جبل مطل على البحر ذروته ثلاثة أيام، فيه أشجار كثيرة أكثرها البندق والصنوبر والأرزن، وحوله أبنية كثيرة، وفيها أصناف الثمار وفي أعلاه منافس يخرج منها النار والدخان، وربما سالت النار منه إلى يعض جهاته فتحرك جميع ما مرت عليه وتجعله مثل خبث الحديد، وعلى قمّة هذا الجبل السحاب والثلوج والأمطار أبداً صيفاً وشتاء، وزعم أهل الروم أن الحكماء كانوا يدخلون إلى هذه الجزيرة للنظر إلى عجائبها، واجتماع النار والثلج فيه، وفيه معدن الذهب وتسميه أهل الروم بجزيرة الذهب أو جبل الذهب.

جبلا الضلعين: في طريق مكة من البصرة يسمّى أحدهما ضلع بني مالك، والآخر ضلع بني سيصيان، وهم بطن من الجن كفار، ما ضلع بني مالك فيحل به الناس ويصطادون صيدها ويرعون كلأها، وأمًا ضلع بني سيصيان فلا يصطاد صيدها ولا يرعى كلؤها، وربما مر عليها من لا يعرف حالها، فأصابوا من كلئها أو من صيدها فأصابهم شر في أنفسهم وأموالهم، ولم يزل الناس يذكرون كفرهم ولا يريدون إسلام هؤلاء، ولهم حديث عجيب يأتى فى مقالة الجن إن شاء الله تعالى.

جبل طاوق: بطبرستان، ذكر أبو الريحان الخوارزمي في "الآثار الباقية" من تصانيفه: أن فى هذا الجبل مغارة فيها دكة تعرف بدكة سليمان بن داود عليهما السلام، إذا لطخت بشىء من الأقذار انفتحت السماء ولا تزال تمطر حتى يزال القذر عنها.

جبل الطاهر: بأرض مصر قال صاحب تحفة الغرائب: على هذا الجبل كنيسة، فيها حوض يجري من الجبل ماء عذب إلى ذلك الحوض، ويسمّى ذلك الماء الطاهر فإذا امتلأ الحرض ينصب الماء من جميع جوانبه فإذا ورد الحوض جنب أو حائض وقف الماء ولا يجري حتى يراق ما في الحوض وينظف تنظيفاً جيدا وبعد ذلك يجري الماء.

جبل طبرستان: قال صاحب تحفة الغرائب: به حب شجر يسمّى جوز ماثل من قطعه ضاحكاً وأكله غلب عليه الضحك، ومن قطعه باكياً وأكله غلب عليه البكاء، ومن قطعه راقصاً فكذلك، فعلى أي صفة من قطعه وأكله تغلب عليه تلك الْصفة.

جبل طور سيناء: بقرب مدين بين الشام وبين قرى مدين، وقيل: إِنّه بقرب أيلة، كان عليه الخطاب لموسى عند خروجه من مصر ببني إسرائيل، فكان إذا جاءه سيدنا موسى ينزل عليه غمام وهو عليه يدخل في ذلك الغمام ويكلمه ربه وهو الجبل الذي ذكره الله تعالى حيث قال: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾ والذي بقرب مدين لا يخلو من الصلحاء، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجر العليق.

جبل طور هارون: جبل مشرف على قبلي بيت المقدس، وإِنّما سمّي طور هارون لأن موسى بعد قتل عبدة العجل، أراد المضي إلى مناجاة ربّه؛ فقال له هارون: احملني معك فإني لست آمناً أن يحدث ببني إسرائيل حدث فتغضب عل مرة أخرى، فحمله معه، فلمًا كان ببعض الطريق إذا هما برجلين يحفران قبراً فوقفا عليه وقالا: لمن تحفران هذا القبر؟ فقالا: لأشبه الناس بهذا الرجل، وأشاروا إلى هارون، ثم قال له: بحق إِلهك إلا ما نزلت وأبصرت هل هو واسع؟ فنزع هارون ثيابه ودفعها إلى موسى أخيه ونزل القبر ونام فيه، فقبض الله روحه في الحال، وانضم القبر عليه فانصرف هوسى باكياً حزيناً على مفارقته، وانصرف إلى بنى إسرائيل بثياب هارون فاتهموه بقتله، فدعا الله تعالى حتى أراهم تابوته بين الصفا على رأس المجيل فسمي الجيل جبل هارون.

جبل الطير: بصعيد مصر في شرقي النيل بقرب انصنا، وإنّما سمي بذلك لأنّ صنفاً من الطير أبيض يقال له البوقير يجيء في كل عام في وقت معلوم فينعكف على الجبل، وفيه كوة يأتي كل واحد منها ويدخل رأسه في هذه الكوة ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل ويقوم ويذهب من حيث جاء حتى يدخل واحد رأسه فيها فينقض على رأسه من تلك الكوة فيضطرب ويبقى معلقاً فيها إلى أن يتلف فيسقط نفسه من بعد مدة، فإذا كان ذلك انصرف الباقي لوقته، فلا يرى شيء من هذا الطير في هذا الجبل إلى ذلك الوقت المعلوم من العام القابل، قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان تلك البلاد أنه إذا كان العام مخصباً قبضت الكوة على طائرين وإن كان متوسطأ فعلى واحد، وإن كان مجدباً لم تقبغى شيئاً، والله أعلم بحاله.

جبل غزوان: في ذروة الطائف ليس بجميع الحجاز موضع أبرد منه، قالوا إن الماء يبرد فيه، ومن هذا الجبل اعتدال هواء الطائف، وليس بالحجاز موضع يجمد به الماء إلا غزوان.

جبل عوير وكسير: هما جبلان في وسط البحر بين عمان والبصرة، عظيمان يخاف على المراكب منهما، صعب مسلكهما قلما ينجر منهما مركب، فلصعوبة المنجى منهما سمّوهما بهذا، يقولون: غوير وكسير وثالث ليس فيه خير.

جبل فرغانة: قال صاحب تحفة الغرائب: إِنّه ينبت به نبات على صورة الآدمي، منها على صورة الرجال ومنها على صورة النساء، يوجد مع الطرقيين كثيراً يتكلمون عليها ويقولون أكلها يزيد في الباه.

جبل قيلوان: قال أبو الريحان الخوارزمي: إِنّه بقرب المهرجان، فيه صفة محفورة والماء يترشح من سقفها دائماً، و إذا برد الهواء جمد على شكل القضبان.

جبل قاسيون: مشرف على دمشق فيه آثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومغارات وكهوف منها مغارة تعرف بمغارة الدم، قالوا: فيها قتل قابيل هابيل، وهناك حجر يزعمون أنه الحجر الذي فلق به هامته، وفيه مغارة أخرى يسمّونها مغارة الجوع، يقولون: إنّه مات فيها أربعون نبياً جوعاً.

جبل قاف: قال المفسرون: أنه جبل محيط بالدنيا وهو من زبرجدة خضراء منه خضرة السموات ووراءه عالم وخلائق لا يعلمهم إلا الله تعالى.

جبل فدفد: بمكة وهو من الجبال التي لا يرتقي ذروتها، وفيه معدن البرام يحمل منه إلى سائر البلاد.

جبل قصران: قال الشيخ الرئيس: إن العسل يقع بجبل قصران كما هو طلا ويختلف بحسب ما يقع عليه من الشجر والحجر، والظاهر منه يلقطه الناس والخفي يلقطه النحل.

جبل الكحل الأثمد: بالأندلس بغرب مدينة بسطة، قالوا: إذا كان أوّل الشهر أخذ الكحل يخرج من نفس الجبل وهو كحل أسود ولا يزال كذلك إلى نصف الشهر، فإذا زاد على النصف نقص الكحل، ولا يزال يرجع الذي خرج إلى تمام الشهر، واللّه الموفق للصواب.

جبل كرنان: عند ناحية المعادن جبال فيها صخور إذا اشتعلت فيها النار اتقدت كما يتقد الحطب.

جبل كلستان: كلستان من قرى طوس، ذكر بعض فقهاء خراسان أن في هذا الجبل كهفاً شبه إيوان، وفيه دهليز يمشي فيه الإنسان منحنياً مسافة، ثم يظهر الضوء عن حظيرة محوطة فيها عين ينبع الماء منها وينعقد حجراً على شكل القضبان، وفي هذه الحظيرة ثقب يخرج منه ريح شديدة جدّا لا يمكن دخوله لشدة هبوب الريح.

جبل الأرجان: بأرض طبرستان، فيه ماء يتقاطر من الجبل من كل جانبه ومن كل قطرة ينعقد حجراً مسدساً أو مثمناً والناس يتخذون منه الخرز.

جبل لبنان مطل على حمص فيه الفواكه والزروع من غير أن يزرعها أحد يأوي إليه الأبدال لما فيه من القوت الحلال، وفي تفاحه أعجوبة، وهي أن يحمل من الشام ولا رائحة له حتى يتوسط نهر الثلج، فإذا توسط النهر فاحت رائحته.

جبل المغناطيس: قال المهلبي: جبال المغناطيس متصلة بجبال القلزم وقد علا الماء عليها، ولهذا المعنى لا يستعمل في مراكب هذا البحر المسامير الحديد خرفاً من جذب المغناطيس إياها.

جبل موركان: بأرض فارس، فيه كهف يتقاطر الماء من سقفه، قالوا: إن دخل الكهف واحد خرج من الماء وما يكفي الواحد، وإن دخل ألف خرج من الماء ما يكفي الألف.

جبل النار: بأرض تركستان، فيه غار، من دخله من الحيوانات يموت في الحال.

جبل نهاوند: قال ابن الفقيه: على هذا الجبل طلسمان صورة ثور رسمك، يقال: إنّهما للماء حتى لا يقل، وماؤه ينقسم قسمين قسم يجري إلى نهاوند، والآخر إلى دينور.

جبل هرمز: بأرض طبرستان، جبل يسمّى هرمز ينزل منه الماء وينصت إلى وهدة، فَإذًا صاح الإنسان صيحة يقف، وإذا صاح أخرى يسيل، وهكذا جبل الهند، قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الهند جبل عليه صورة أسدين والماء يخرج من فمهما، فيصير ساقيتين، وعليهما شرب قريتين على كل سافية قرية، فوقعت بين القريتين خصومة على الماء فكسروا فم إحدى الصورتين فانقطع ماؤه، وخرجت القرية، والله أعلم.

جبل واسط: قال أحمد بن عمر العذري: أنه بالأندلس بقرب سدونة، في هذا الجبل كهف فيه شق، وفي الشق فأس حديد متعلق تراه العيون وتناله الأيدي، ومن أراد إخراجه لم يطق ذلك، وإذا رفعته اليد ارتفع وغاب في الشق ثم يعود إلى حالته، ذكر بعض مشايخ بسدونة أن بعض الناس أوقد ناراً عظيمة على هذه الصخرة، ورش عليها الخل لتنفتح الصخرة ويخرج الفأس فما أفاد شيئاً.

جبل بله سيم: بله اسم ضيعة من ضياع قزوين هناك جبل حدثني من صعد هذا الجبل قال: عليه صور الحيوانات مسخها اللّه تعالى حجرا، منها راع متكيء على عصا يرعى غنمه، وامرأة تحلب بقرة، وغير ذلك من صور الإنسان والبهائم، كلها مسخت حجرا، وأهل قزوين يعرفون ذلك، واللّه تعالى أعلم بالصواب.


فصل: في تولد الأنهار إذا وقعت الأمطار و الثلوج على الجبال


إِذا وقعت الأمطار والثلوج على الجبال تنصب إلى المغارات وتبقى مخرونة فيها في الشتاء، فإذا كان فى أسفل الجبال منافذ ينزل الماء من الأوشال بتلك المنافذ، فتحصل منها الجداول وينضم بعضها إلى بعض فيحدث منها أنهار وأودية، فإن كانت الخزانات في أعلى الجبال فيستمر جريانها أبداً لأنّ مياهها تنصب إلى سفح الجيال، ولا تنقطع مادتها لوصول مددها من الأمطار، وإن كانت الخزانات في أسفل الجبال فتجري منها الأنهار عند وصول مددها، ثم ينقطع عند القطاع المدد وتبقى المياه فيها واقفة، كما ترى في الأودية التي تجري في بعض الأيام ثم تنقطع لانقطاع مادتها، قال صاحب تحفة الغرائب: إِن في هذا الربع المسكون مائتين وأربعين نهراً طوالاً، منها ما طوله من خمسين فرسخاً إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، ومنها ما يجري من المشرق إلى المغرب، ومنها ما يجري من المغرب إلى المشرق، ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب، ومنها ما يجري من الجنوب إلى الشمالء وكلها تبتديء من الجبال وتنتهي إلى البحار والبطائح وفي ممرها تسقي المدن والقرى، وما فضل ينصب إلى البحار ويختلط بالماء المالح، والشمس تشرق فيها فيصعد بخاراً وينعقد غيوماً وتسوقها الرياح إلى الجبال والبراري وتمطر هناك وتجري في الأودية والأنهار وتسقى البلاد ويرجع فاضلها إلى البحر ولا بزال هذا دأبها وتدور كالرحى في الشتاء والصيف أن يبلغ الكتاب أجله.

ولنذكر بعض الأنهار وخواصها وعجائب أحوالها وغرائب حيواناتها مرتباً على حروف المعجم:

نهر أتل: نهر عظيم يقارب دجلة في بلاد الخزر، مجيئه من أرض الروس وبلغار ومصبّه بحر الخزر، وقالوا يتشعّب من هذا النهر نيف وسبعون نهراً، وعمقه يبقى كما كان لا يتغير لغزارة الماء، فإذا انتهى إلى البحر يجري فيه يومين فيغلب ماء البحر ويبين لونه من لون ماء البحر، ويجمد فى الشتاء لعذوبته. وفي هذا النهر حيوانات عجيية ذكر أحمد بن فضلان عن رسول المقتدر بالله إلى بلغار قال: لما وصلت إلى بلغار سمعت أن عندهم رجلا عظبم الخلقة فسألت الملك عنه فقال: نعم، ما كان من أهل بلادنا ومن خبره أن قوماً خرجوا إلى نهر أتل وكان قد مد وطغى، فقالوا: أيّها الملك قد وقف على الماء رجل إن كان من أمة تقرب منا فلا مقام لنا، فركبت معهم حتى صرت إلى النهر، إذا رجل طوله اثنا عشر ذراعاً ورأسه كأكبر ما يكون من القدر، وأنفه أطول من شبر، وعيناه عظيمتان: وكل اصبع منه شبر فأقبلنا نكلمه وهو لا يزيد على النظر إلينا فحملته إلى مكاني وكتبت إلى أهل ويسو وبيننا وبيتهم ثلاثة أشهر، فعرفوني أن هذا الرجل من يأجوج ومأجوج، قالوا: يحول بيننا وبينهم البحر، قالوا: فأقام الرجل عندنا مدة ثم أصابه في نحره علة مات منها فخرجت ورأيت جثة هائلة جدّا.

نهر أذربيجان: قال محمد بن زكريا الرازي عن الجبهاني صاحب المسالك والممالك الشرقية: إن بأذربيجان نهرا يجري ماؤه فيستحجر ويصير صفائح صخر، يستعملونه في البناء.

نهر أسفار: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض أسفار نهر يجري الماء فيه سنة ثم ينقطع ثمان سنين، ثم يعود في التاسع ثم ينقطع ثمان سنين وهكذا دأبه.

نهر آنه: قال العذري صاحب الممالك والمسالك الأندلسية: يخرج هذا النهر من موضع يعرف بفج العروس ثم يفيض ويجري تحت الأرض لا يبقى له أثر على وجه الأرض ثم يجري بقرية يقال لها آنه، ثم يفيض ويجري تحت الأرض ثم يبدو ثم يفيض بين ماردة وبطليوس، ثم يبدو وينصب في البحر.

نهر جيحون: قال الإصطخري: جيحون يتخرج من حدود بدخشان، ثم ينضم إليه أنهار كثيرة في حدود الجبل، ووحش فيصير نهراً عظيماً ثم يمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم، ولا ينتفع به شيء من البلاد إلا خوارزم، لأنها مستقلة به ثم ينصب في بحيرة خوارزم بينها وبين خوارزم ستة أيام، وجيحون مع كثرة مائه يجمد في الشتاء عند اشتداد البرد فيجمد أوَلاً قطعاً تجري على وجه الماء ويلتصق بعضها ببعض حتى يصير سطح جيحون سطحاً واحداً، ثم يثخن ويصير ثخنه في أكثر الأوقات خمسة أشبار والماء يجري تحت الجمد فيحفر أهل خوارزم الآبار بالمعاول ليستقوا منها لشربهم، فإذا استحكم جموده عبرت عليه القوافل والعجل المحملة، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ويتظاهر عليه الغبار، ويبقى على ذلك شهرين، فإذا انكسر البرد عاد ينقطع قطعاً كما بدأ أَوْل مرة إلى أن يعود إلى حاله الأوّل، وأنه نهر قتال قلّما ينجو منه غريقه.

نهر حصن المهدي: قال صاحب تحفة الغرائب: إِنْه بين البصرة والأهواز في بعض الأوقات يرتفع منه شبه منارة يسمع منها أصوات الطبل والبوق ولا يعرف أحد سبب ذلك.

نهر جريح: بأرض الترك، فيه حيّات إذا وقع عين أحد من الحيوان عليها يغشى عليه.

نهر دجلة: هو نهر بغداد مخرجه من أصل جبل بقرب آمد عند حصن ذي القرنين يجري عين دجلة من تحته، وهناك ساقية وكلما امتدت انضم إليها مياه جيال ديار بكر وآمد يخاض فيه بالدواب ثم يمتد إلى مياه فارقين ثم إلى حصن كيفا ثم إلى جزيرة ابن عمر ثم إلى الموصل وينصب فيه الرايات، ومنها يعظم إلى بغداد ثم إلى واسط ثم إلى البصرة ثم ينصب إلى بحر فارس. وماء دجلة من أعذب المياه وأصفاها وأخفها وأكثرها نفعا لأن مجراه من مخرجه إلى مصبه في العمارات، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله تعالى أوحى إلى دانيال عليه الصلاة والسلام أن احفر لعبادي نهرين واجعل مفيضهما البحر فقد أمرت الأرض أن تعطيك، فأخذ خشبة يجرها فى الأرض والماء يتبعه وكلّما مر بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ ناشده الله تعالى فيحيد عنهم، قيل: دجلة والفرات من ذلك، ودجلة نهر مبارك كثيراً ما ينجو غريقها.

حكي أنهم وجدوا فيها غريقاً فأخذوه فإذا فيه رمق، فلمًا رجعت إليه نفسه سئل عن حاله، فكان من موضع وقوعه إلى موضع نجاته مسيرة أيام.

نهر الذهب بالشام: يزعم أهل حلب أنه وادي بطنان، ومعنى قولهم: الذهب لأن جميعه يباع أوّله بالميزان وآخره بالكيل فَإنٌ أُوّلهِ تزوع عليه الحبوب وتغرس عليه الأشجار وآخره ينصب إلى بطيحة فرسخين يتعقد ملحا والعجب من هذا النهر أنه لا يضيع منه شيء، بل يباع كله بالذهب.

نهر الرأس: بأذربيجان، شديد جري الماء وبأرضه حجارة بعضها ظاهرة وبعضها مغطاة بالماء، ولهذا ليس للسفن فيه مجرى، وله أجراف هائلة ذات حجارة عظيمة لا مشارع لها، زعموا أنه من عبر نهر الرأس بدجلة إذا مسح برجليه ظهر امرأة عسرت ولادتها تضع في الحال وكان بقزوين شيخ تركماني اسمه الخليل كان يفعل دَلك، وزعموا أيضاً أن نهر الرأس مسامح بالغرقى كثيراً ما ينجو غريقه، ومن العجائب ما ذكر ديسم بن إبراهيم صاحب أذربيجان قال: كنت أجتاز على قنطرة الرأس بعسكري فإذا صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة ومعها طفل في قماطة، فصدمتها دابة فرمتها فسقط الطفل من يديها في النهر، فوصل إلى الماء بعد زمان لبعد ما ببن القنطرة وسطح الماء ثم غاص وطغى الماء يجري به وسلم من الحجارة التي في النهر وللعقبان أوكار على أجراف النهر فرآه عقاب فانقض عليه فرفعه وتخرج به إلى الصحراء فأمرت جماعة بالركضي في أثر العقاب، فإذا العقاب قد وقع على الأرض، واشتغل بخرق القماط أدركه القوم وصاحوا به وركضوا نحوه فطار وترك الطفل فوجدوه سالما يبكتي فردّوه إلى أمه.

نهر بين الموصل وأربل: يبتدئ من أذربيجان و ينصب في دجلة يقال له: الزاب المجنون؛ لشدة جريانه ولقد شربت من مائة وقت القيظ عند الظهيرة وكان باردا، وذلك لشدة جريه، فإن الشمس لا تؤثر فيه حتى يسخن ماؤه.

نهر زرير، ونهر أصفهان: موصوف باللطافة والعذوبة يغسل فيه الثوب الخشن يصير لينا مثل الحرير، مخرجه من قرية يقال لها: بياكان، ويعظم بانضمام المياه إليه عند أصفهان ويسقى بساتينها ورساتيقها ثم يغور في رمل هناك ويخرج بكرمان ثم ينصب في بحر الهند؛ ذكر بعضهم أنهم أخذوا قصبة وعملوها وأرسلوها في موضع فخرجت بكرمان.

نهر زوبر: بأذربيجان بقرب مزيد، لا يخوضه الفارس فإذا وصل إلى قرب مزيد، يجري تحت الأرض أربعة فراسخ ثم يظهر على وجه الأرض، أخبر به الشريف محمد بن ذي الفقار العلوي المزيدي.

نهر سنجة: هو نهر عظيم بأرض مصر بين حصن المنصور وكيسوم لا يتهيأ خوضه لأنّ قراره رمل سيال، وعلى هذا النهر قنطرة وهي إحدى عجائب الدنيا لأنها عقد واحد من الشط إلى الشط مقدار مائتي خطوة من حجر مهندم طول كل قطعة عشرة أذرع. وحكي أنه عنده طلسم على لوح إذا عاب موضع من القنطرة أدلى ذلك اللوح على موضع العيب، فينعزل الماء عنه فيصلح، ثم يرفع اللوح فيعود الماء إلى حاله الأوّل، والله أعلم.

نهر شلف: بإفريقية، حدثتي الفقيه سليمان المالياني أن في كل سنة أيام الورد بظهر فيه صنف من السمك يسمّى الشبوق طيب اللحم إلاّ أنه كثير الشوك، طوله قدر ذراع ويبقى شهرين ويكثر صيدها في هذا الوقت، ويرخص ثمنها ثم ينقطع فلا يرى فيها شيء إلى العام القابل.

نهر صقلاب: بأرض صقلاب، في كل أسبوع يجري في الماء يوماً واحداً ثم ينقطع ستّة أيام ثم يجري في السابع وهكذا.

نهر طبرية: نهر عظيم والماء الذي يجري فيه نصفه حار ونصفه بارد، لا يختلط أحدهما بالآخره فإذا أخذ في الإناء يبقى كله بارداً خارج النهر.

نهر العاصي: نهر حماة وحمص مخرجه من قدس ومصبه البحر قرب أنطاكية، وإِنْما سمي العاصي لأن أكثر الأنهر تتوجه من نحو الجنوب هناك وهذا يتوجه من نحو الشمال.

نهر الفرات: خرجه من أرمينية، ثم من قالقيلا قرب أخلاط، ثم إلى ملطية ثم إلى سميساط، ثم إلى الرقة، ثم إلى غانة، ثم إلى هيت ثم ينصب في دجلة، بعد ما يسقى المزارع، والبساتين بهذه البلاد والفاضل منها ينصب في دجلة بعضه، وبعضه في بحر فارس؛ وللفرات فضائل كثيرة روي أن أربعة أنهار من الجنّة: النيل والفرات وسيحان وجيحان، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال: يا أهل الكوفة إِنّ نهركم هذا يصب إليه ميزابان من الجنّة، وروي عن جعفر الصادق رضى الله عنه أنه شرب من ماء الفرات ثم ازداد وحمد الله تعالى وقال: ما أعظم بركته لو علم الناس ما فيه من البركة تضربوا على حافتيه القباب، ولولا ما بدخله من الخطائين ما غتمس فيه ذو عاهة إلا برئ، وعن السدي: أن الفرات مد في زمن علي رضي الله عنه فألقى رمّانة عظيمة كان فيها كرحب، فأمر المسلمين أن يقتسموه بينهم، وكانوا يرون أنّها من الجنة.

نهر القورج: بين القاطول وبغداد، وكان سبب حفره أن كسرى لما حفر القاطول أضر بأهل الأسافل فخرج أهل تلك النواحي للظلم، فوافوه وقد خرج متنزها فقالوا: جئناك متظلمين، فقال: ممن؟ قالوا: منك، فثنى رجله ونزل عن دابته وجلس على الأرض فأتي بشيء يجلس عليه فأبى أن يجلس على غير التراب إِذ أتاه قوم للتظلم ثم قال: ما مظلمتكم؟ قالوا: حفرت القاطول وقطعت الماء عنا فخربت ديارنا، فقال: إني لأسده ليعود الماء إليكم، قالوا: لا نجشمك ذلك، لكن مر ليعمل لنا مجرى دون القاطول، فعمل لهم مجرى بناحية القورج، فعمرت بلادهم، وأمًا الآن فهو بلاء على أهل بغداد فإِنّهم يجتهدون في سده وإحكامه، فإذا زاد الماء تعدى إلى البلد.

نهر الكر: بين أرمينية وأران، وهو نهر عظيم سليم أكثر ما يقع فيه من الحيوان ينجو حدثنى بعض فقهاء نقجوان قال: وجدنا غريقاً فى نهر الكر يجري به الماء فبادر القوم إلى إمساكه فأدركوه وقد بقي منه رمق، فلما استقرت نفسه وسكن جأشه قال: أي موضع هذا؟ قالوا: نقجوان، قال: إن وقعت في الماء في الموضع الفلاني، فكان بينه وبين نقجوان ستة أيام، فطلب منهم طعاماً، فذهبوا لإحضار الطعام فانقض عليه الجدار الذي كان قاعدا تحته، فتعجب القوم من مسامحة الماء، وتعدي الجدار. ْ

نهر الملك: ببغداد، مشتمل على كوة واسعة، قيل أول من حفره سليمان عليه السلام، وقيل حفره الإسكندر، وقيل حفره أردشير بن بابك، وأخذ ملكه، فقال إنه يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة، وإنما وضع هذا ليكون ذخيرة لقوت سنة كل قرية قوت يوم لو أجدبت غيرها من الأرض كما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام بالفيوم بمصر.

نهر مهران: بالسند، عرضه كعرض جيحون يقبل من المشرق إلى المغرب حتى يقع في بحر فارس أسفل الهند، قال الاصطخري مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ويظهر بملطان ثم على المنصورة ثم يقع في البحر، وهو نهر كبير جداً، ماؤه عذب، فيه تماسيح كما في النيل، وإنّه يرتفع ويمتد على وجه الأرض، ثم ينضب فيزرع عليه مثل ما يزرع على النيل بأرض مصر؛ قالوا: إن تماسيح النيل و أصغر.

نهر مكران: عليه قنطرة من الحجر قطعة واحدة من عبر عليها يتقيأ جميع ما في بطنه حيث لا يبقى فيه شيء ولو كانوا ألوفاً كان هذا حالهم، فمن أراد من الناس القيء عبر على تلك القنطرة.

نهر النيل: ليس في الدنيا نهر أطول من النيل لأنه مسيرة شهر في بلاد الإسلام و شهرين في بلاد النوبة، و أربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء. وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر حين ينتقص الأنهار كلها ويزيد بترتيب وينقص بترتيب غيره وسبب مده أن الله تعالى يبعث الريح الشمال فيقلب عليه البحر المالح فيصير كالسكن له فيزيد فيعم الربا والتلال يجري في الخلجان حتى يملأها، فإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وحضر زمان الحراثة بعث الله الريح الجنوب فأخرجته إلى البحر وانتفع الناس بما أروى من الأرض، ولمًا كان زمان يوسف عليه السلام اتخذ مقياساً يعرف به قدر الزيادة والنقصان فيزرعون عليه، فإذا زاد على قدر كفايتهم يستبشرون بخصب السنة وسعة الرزق، وذلك المقياس عمود قائم في وسط بركة على شاطىء النيل لها طريق إلى النيل يدخلها الماء إذا زاد وعلى ذلك العامود خطوط معروفة عندهم يعرفون بوصول الماء إليه مقدار زيادته فأقل ما يكفي أهل مصر لسنتهم أن يزيد أربعة عشر ذراعاً، فإن زاد ستّة عشر ذراعاً زرعوا ما يفضل عن عامهم، وأكثر ما يزيد ثمانية عشر ذراعاً، والذراع أربعة وعشرون إصبعاً، وذكر عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الحكم أن المسلمين لما فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنه وقالوا: أيها الأمير إِنّ لبلدنا سنة لا يجري النيل إلا بها وذلك أنه إذا كان لاثنتي عشر ليلة من شهر بئونة عمدنا إلى جارية بكر فأرضينا أبويها و جعلنا عليها من الحلي و الثياب أفضل ما يكون و ألقيناها في النيل ليجري، فقال لهم عمرو: إن هذا في الإسلام لا يكون فأقاموا بئونة، وأبيب، ومسرى والماء لا يجري قليلا ولا كثيرا، وهم الناس بالجلاء فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يعلمه بذلك فكتب في جوابه أما بعد: فقد أصبت في أن هذا في الإسلام لا يكون وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل؛ فإذا في الكتاب: من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل اللّه الواحد القهار أن يجريك. فألقى عمرو بن العاص البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء فأصبحوا يوم الصليب وقد أجرى اللّه تعالى النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فإذا استوى الماء كما ذكرنا عند المقياس كسر الخليجان حتى تمتلئ جميع الأرض من مصر وتبقى التلال والقرى عليها. وسائر الأرض تكون في البحر فإذا استوفت الأرض الماء ورويت وزرعت عليها أصناف الزروع واكتفت بتلك الشربة لأنه كلما تأخر الوقت برد الجو؛ فلا تنشف الأرض إلى أن يدرك الزرع، وعاد الوقت يأخذ في الحر والصيف حتى ينضج الزرع فيأخذون في حصادها وفي ذلك عبرة. ومن عجائب النيل: السمك الرعادة والتمساح، وقد ذكرناهما في حيوان الماء، وفي النيل موضع يجتمع فيه السمك في كل سنة يوما معلوما، فالإنسان يصيد بيده ما يشاء ثم يتفرق إلى ذلك اليوم من السنة القابلة.

نهر هند مند: بسجستان نهر عظيم يقول أهل سجستان: إنه ينصب فيه ألف نهر ولا تتبين زيادة في عموده، وينشق منه ألف نهر ولا يظهر فيه نقصان، وإنه في الحالتين سواء.

نهر اليمن: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب، وعند غروبها يجري من المغرب إلى المشرق، واللّه تعالى أعلم.


فصل: فى تولد العيون والابار وعجائبها


ذهبوا إلى أن في جوف الأرفي منافذ ومسام وفيها إمّا هواء أو ماء، فإن كان هواء يصير ماء بسبب برودة تلحقها فإن كان أصابه مدد من جهة أخرى لا يسع ذلك الموضع تنشق الأرض إن كانت رخوة ويظهر على وجهها وإن لم يكن لها قوة الخروج فيحتاج إلى أن ينحى عن التراب حتى يظهر كماء القنوات والآبار هذا إذا لم يكن لها مادة من البحار والأنهار والأوشال، فإن كان لها مدد فسببها ظاهر، وأمّا سبب اختلاف العيون فإن منها حارة وباردة وعفصية وشبية وأمثال ذلك فِإن المياه تسخن تحت الأرض في الشتاء وتبرد في الصيف بسبب أن الحرارة والبرودة ضدان في باطن الأرض لا يجتمعان فى مكان واحد وزمان واحد فإذا جاء الشتاء برد الجو وفرّت الحرارة إلى باطن الأرض، والأمر في الصيف بضد ذلك، فإن كانت مواضعها كبريتية بقيت الحرارة فيها دائمة بسبب المادة الكبريتية وهى مادة رطوبة دهنية، فإن أصابها نسيم الهواء وبرد الجو جمدت فصارت زئبقا أو قيرا أو نفطا أو شبّا أو ملحا أو ما شابه ذلك بسبب اختلاف تراب بقاعها وتغير أهوية أماكنها.

ولنذكر بعض العيون العجيبة ثم الآبار العجيبة مرتبة على حروف المعجم، واللّه الموفق.

عين أذربيجان: قال في تحفة الغرائب: بأذربيجان عين ينبع الماء منها ويتعقد حجرا والناس يتخذرن قالب اللبن ويصبون من ذلك الماء عليه ويصبرون عليه يسيراً والماء في القالب يصير حجراً.

عين أدربيهستل: أدربيهستل ضيعة من ضياع قزوين على ثلاث فراسخ منها بها عين إذا شرب الإنسان من مائها أسهل إسهالا شديدا، ومن خواصها أن الإنسان يقدر أن يشرب منها عشرة أرطال، ويقصدها في كل يوم خلق كثير من النواحي لشربها لأجل الإطلاق، وإذا حمل من مائها إلى قزوين زالت خاصيته فلا يعمل شيئاً، وسمعت أهل قزوين يقولون بين هذه الضيعة وبين قزوين نهر إذا جاوز ذلك النهر بطلت خاصيته.

عين إسكندرية: عين مشهورة فيها نوع من الصدف يطبخ ويؤكل لحمه ويشرب مرقه ينفع من الجذام ويبرئه ويوجد فيها كل وقت لا يخلو عنه شيء من الأوقات.

عين أيلابستان: قال صاحب تحفة الغرائب: إنها بين اسفرايين وجرجان ضيعة تسمّى أيلابستان، بها عين ينبع منها ماء كثير، فربّما ينقطع في بعض الأوقات ويدوم انقطاعها شهراً، فعند ذلك يخرج أهل الضيعة رجالها ونساؤها في أحسن ثيابهم بالدفوف والشبابات والملاهي ويرقصون عند ماء العين ويلعبون، إن الماء ينبع ويجرى وهو ماء كثير مقدار ما يدور رحوين.

عين بادحانى: قال صاحب تحفة الغرائب: مكان بدمغان يسمى كهن به عين تسمّى بادحاني، فإذا أراد أهل الضيعة هبوب الريح عند الدياس لتنقية الحبوب أخذوا خرقة الحيض ورموها في تلك العين فيتحرك الهواء، ومن شرب من مائها ينتفخ بطنه، ومن حمل معه شيئاً من ذلك الماء إذا فارق منبعه يصير حجراً.

عين باميان: قال في تحفة الغرائب: بأرض باميان عين ينبع منها ماء كثير بصوت وجلبة ويشم رائحة الكبريت، من اغتسل به يزول جربه وإذا ترك من ذلك الماء في كوز وسد رأسه سداً وثيقاً وتركته يوماً يصير خائراً شبه الخمير، وإذا عرضت عليه شعلة نار يشتعل، والله أعلم.

عين جاج: قال في تحفة الغرائب: إذا خرجت من جاج بقربها عقبة على رأسها عين ماء إذا كانت السماء مصحية لا ترى فيها قطرة ماء وإذا كانت السماء مغيمة ترى العين مملوءة من الماء.

عينٍ جاجرم: هي منبع قناة ببن جاجرم وإسفرايين، حدثني بعض فقهاء خراسان أن من غاص في مائها وبه جرب زال جربه، ويتقصدها أصحاب الجرب للعلاج.

عيون جبال سيران: بناحية باميان جبال فيها عيون لا تقبل شيئاً من النجاسة وإذا ألقى فيها من النجاسة ماج وعلا نحو الملقى فإن أدركه احاط به حتى يغرقه.

عين جبل ملطية: حدثني بعض التجار أن بقرب ملطية جبل فيه عين يخرج منها ماء عذب غزير شديد البياض، يشرب الحيوان منه ولا يضره، فإذا جرى مسافة يسيرة ينعقد حجراً.

عين وادان: عين فيها نبات من غاص فيها يلتف عليه ذلك النبات يمسكه وكلّما سعى في تخليص نفسه كان إمساكه له أشد، وإذا لم يسع في التخليص انحل عنه يسيرا.

عيون دوراق: حدثني الشيخ عمر التسلمي: أنها عيون كثيرة تنبع مي جبل كلها حارة، فربما يصعد منها دخان يلتهب فترى شعلته بيضاء وحمراء وصفراء وخضراء، يجتمع في حوضين أحدهما للرجال والآخر للنساء، يقصدها الناس لدفع الأمراض البلغمية، فمن نزل فيها يسيراً انتفع به، ومن ظفر فيها يحترق جميع بدنه وينتفط، واللّه أعلم.

عين رأس الناعور: بشرقي الموصل عين في قرية تسمى زراعة بها عين فوارة غزيرة الماء ينبت فيها من اللينوفر شيء كثير يباع بثمن جيد ويد من غلة تلك الضيعة.

عين نهاوند: بقرب البحيرة المنتنة بأرمينية جمة شريفة كثيرة المنفعة، وذلك أن الحيوان يغوص فيها وبه كلوم فتراد عن قريب قد اندملت قروحه والتحمت ولو كان دونها عظام موهنة وأزجة كامنة وشظايا غامضة تنفجر أفواهها وتجتمع على النظافة ويأمن الإنسان غائلتها.

عين زعر: على طرف البحيرة المنتنة بينها وبين البيت المقدس ثلاثة أيام، وزعر بيت لوط عليه السلام، وهي العين التي جاء ذكرها في حديث الجساسة وعدوها من أشرطة الساعة.

عين سياه سنك: قال صاحب تحفة الغرائب: بجرجان موضع يسمّى سياه سنك به عين على تل تأخذ الناس ماءها للشرب، وفي الطريق إليها دودة فمن أخذ من ذلك الماء وأصابت رجليه تلك الدودة يصير الماء الذي معه مراً فيبرد ويعود إليها مرة أخرى.

عين شميرم: وهي ناحية بين أصفهان وشيراز بها مياه مشهورة وهي من عجائب الدنيا، وذلك أنّ الجراد إذا وقعت بأرض يحمل من ذلك الماء إليها بشرط أن لا يوضع الظرف الذي فيه ذلك الماء على الأرض ولا يلتفت حامله إلى ورائه فينبع ذلك الماء من الطير الأسود، عدد لا يحصى ويقتل الجراد وهذا مجرب، ولقد وقع بأرض قزوين جراد كثير وأكل جميع زرعها وباضت فبعث أهل قزوين لطلب هذا الماء فجاؤوا به فجاء الطير خلفه وأكل الجراد جميعه.

عين شير كيران: وهي من ضياع مراغة، فيها عينان يفور منهما الماء وبينهما قدر ذراع ماء إحداهما في غاية البرودة وماء الأخرى في غاية الحرارة، أخبر به الفقيه حسن المراغي.

عيون طبرية: ذكروا أن هناك عيونا ينبع الماء منها سبع سنين متواليات ثم ييبس سبع سنين متواليات وهكذا على مرور الأيام.

عين العقاب: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الهند عين على رأس جبل إذا هرم العقاب تأتي به فراخه إلى هذه العين و تغسله فيها ثم تضعه في شعاع الشمس، فإن ريشه يتساقط عنه وينبت له ريش جديد ويزول عنها الضعف وترجع إليه القوة والشباب.

عين غرناطة: قال أبو حامد الأندلسي: بقرب غرناطة من أرض الأندلس، كنيسة عندها عين ماء وشجرة زيتون يخرج الناس إليها في يوم معلوم من السنة يقصدونها وإذا طلعت الشمس في ذلك اليوم فاضت تلك العين بماء كثير ويظهر على الشجرة زهر الزيتون ثم ينعقد زيتوناً ويكبر ويسود في يومه ويؤخذ من ذلك الزيتون من قدر على أخذه وكذلك يأخذون هن ماء تلك العين للتداوي، هذا الحديث قرأته في كتب عديدة.

عين عرنة: بقرب عرنة عين إذا ألقي فيها لبي م من القاذورات يتغير الهواء ويظهر البرد والريح العاصف والمطر ويبقى على تلك الحالة إلى أن تنحّى النجاسة عنها، ذكروا أن السلطان محمود بن سبكتكين لما أراد فتح عرنة كان كلما قصدها بادر أهل عرنة إلى العين وألقوا فيها شيئاً من القاذورات فلم يمكنه الإقامة هناك حتى عرف ذلك منهم نبعث السلطان أُولا على العين حفاظاً ثم سار إليهم فلم ير شيئاً ممّا كان يرى قبل ذلك ففتحها.

عين الفرات: بقرب أرز الروم، من اغتسل بمائها في الربيع يأمن من أمراض تلك السنة.

عين قراور: وهي بأرض خراسان، حدّثني بعض فقهاء خراسان وقال: من المشهور عندنا أن من اغتسل بالعين التي بقراور تزول عنه حمى الربع واللّه أعلم.

عين القيارة: بالموصل على مرحلة منها ينبع منها شيء كثير من القير ويحمل منها إلى سائر البلدان يقصدها الناس من الموصل يستحمون بها ويستشفون بمائها.

عين المشقق: وهو واد بالحجاز، قال ابن إسحاق: كان بها وشل يخرج منه ماء يروي الراكب والراكبين، فقال في غزوة تبوك: « من سبقنا فلا يسقينّ منه شيئاً حتى نأتيه »، فسبقه نفر من المنافقين فاستسقوا منها، فلما أتاها رسول الله يقلت وقف عليها فلم بر فيها شيئاً فقال: « من سبقنا إلى هذه؟ » فقالوا: فلان وفلان يا رسول اللهء فقال : « أوَلم أنههم أن يسقوا منها شيئاً؟ » ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده من الماء ما شاء الله، ثم نضحه به ومسحه بيده، ثم دعا بما شاء فانخرق من يده من الماء ما يسمع له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم، فقال : « الئن بقيتم أو بقي منكم أحد ليسمعن بهذا الوادي وقد اخضر ها بين يديه وما خلفه » وكان كما قال رسول اللّه .

عين منكور: ذكر أبو الريحان الخوارزمي في « الآثار الباقية » أن ببلاد كيمال جبل يسمّى منكوراً، وفيه عين في حفرة على قدر ترس كبيرة وقد استوى سطح الماء مع حافتها فربما يشرب منه عسكر ولا ينقص أصبعاً وعند هذه العين صخرة عليها أثر رجل إنسان وأثر كفيه بأصابعهما وأثر ركبتيه كأنه كان ساجداً وأثر قدم صبي وأثر حوافر حمار ويسجد لها الأتراك للقربة.

عين منية هشام: وهي قرية بأرض طبرية، حكى الثعالبي أن بها عيناً يجري ماؤها سبع سنين دائماً، ثم ينقطع سبع سنين دائما هكذا وذلك معروف.

عين النار: بين أقشهر وأنطاكية، حدّثني من رآها قال: إذا غمست فيها قصبة احترقت، وقال: كنت مع السلطان علاء الدين كيخسرو عند اجتيازه بها، فوقف عليها، وأمر بتجربتها فكان صحيحاً.

عين ناطول: ناطول اسم موضع بمصر فيه غار، و في الغار عين ينبع الماء منها يتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين قاراً، حكى بعضهم قال: رأيت من ذلك الطين قطعة نصفها قار والباقي طين.

عين نهاوند: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الجبال يقرب نهاوند عين في شعب جبل من احتاج إلى الماء لسقي الأرض يمشي إليها ويدخل الشعب وعنده يقول بصوت رفيع: إني محتاج إلى الماء، ثم يمشي نحو زرعه فالماء يجري نحوه، فإذا انقضت حاجته يرجع إلى الشعب عند العين، ويقول: قد كفاني الماء، ويضرب برجله على الأرض فإن الماء ينقطع.

عين هرماس: عين عجيبة بقرب نصيبين على مرحلة منها وهي مسدودة بالحجارة والرصاص لئلّا يطلع منها ماء كثير، فيغرق المدينة، وكان المتوكل على اللّه لمّا وصل إلى نصيبين سمع بأمر هذه العين وعجيب شأنها وكثرة مياهها أمر بفتحها، ففتح منها شيء يسير، فغلب عليه الماء غلبة شديدة فأمر بإحكامها وردّها إلى ما كانت، فمن هذه العين يحصل نهر الهرماس، فيسقي نصيبين وفاضل مائها ينصب إلى الخابور ثم إلى الثرثار ثم إلى دجلة.

عين الهم: قال صاحب تحفة الغرائب: إذا توجهت من طريق جهينة إلى جرجان ترى في سفح جبل عيناً يجتمع ماؤها في غدير مقدار غلوة سهم في غلوة سهم وفي هذا الغدير شجرة ليس عليها غصن ولا لحى ترى بالليل كأنّها تدور في ذلك الغدير وقد تختفي أربعة أشهر ولا علم لأحد بحالها ثم تظهر، وربّما يتفق في بعض الأوقات أن يكون مدة اختفائها سنتين ثم تظهر وإذا كانت السنة مطيرة كان ظهورها أسرع، وفي بعض الأوقات شدوها بالحبال لما دنت مدة غيبتها شدّا رثيقاً فأصبحوا والحبال مقطعة والشجرة ذاهبة فأخبر بذلك رافع بن هرثمة صاحب جرجان وخراسان، فوكّل بها من ينظر إليها لما دنت مدة غيبها ليلاً و نهاراً، فترقبوا أربعة أشهر، ثم اتفق لهم غيبته فعادوا والشجرة قد ذهبت، فأخبر بذلك رافع وكان في عسكره غواص كوفي فأمره أن يغوص ويعرف حالها فغاص زماناً طويلاً، ثم خرج وقال: نزلت ألف ذراع، وما رأيت لها أثراً، وتسمى هذه العين عين الهم بينها و بين بحر السكون يوم.

عين ياسي جمن: بين أخلاط وأرز الروم موضع يقال له، ياسي جمن به عين يفور الماء منها فوراناً شديداً يسمع صوته من بعيد وإذا دنا الحيوان منها يموت في الحال فترى حولها من الطيور والوحوش موتي ما شاء الله تعالى و قد وكّلوا بها من يمنع الغريب عنها.

عين يل: يل ضيعة من ضياع قزوين عندها جبل يخرج من شعب من شعابه ماء حار جدّا ويجتمع في حوضين هناك يقصدها الزمنى والجربا وأصحاب العاهات تنفعهم نفعاً بيناً وتسمى يله كرمان، واللّه الموفق للصواب.


فصل: في الآبار


أما الآبار فنقول، وباللّه التوفيق

بئر أبي كنود: من شرب من مائه يتحمق، يقال للرجل إذا أتى بما يلام عليه لا نعتبك فإنك شربت من ماء أبي كنود.

بئر بابل: قال الأعمش: كان مجاهد يحب أن يسمع من الأعاجيب وكان لا يسمع بشيء إلاّ صار إليه وعاينه، فأتى بابل فلقيه الحجاج وقال: ما تصنع ههنا؟ قال: لحاجة أن تسير إلى رأس الجالوت لتريني هاروت وماروت فأرسل إلى رجل وقال: اذهب بهذا فأدخله على هاروت وماروت لينظر إليهما فانطلق به حتى أتى موضعاً وكان هناك يهودي عارف بذلك الموضع فسالاه أن يريهما فرفع صخرة، فإذا شبه سرداب، فقال اليهودي: انزل معي وانظر إليهما ولا تذكر اسم الله تعالى، قال مجاهد: فنزل اليهودي ونزلت معه، فلم يزل يمشي بي حتى نظرت إليهما مثل: الجبلين العظيمين منكوسين على رؤوسهما وعليهما الحديد من أعقابهما إلى ركبهما، فلما رآهما مجاهد لم يملك نفسه أن ذكر الله تعالى: فاضطرباً اضطراباً شديداً حتى كادا يقطعان ما عليهما من الحديد، فهرب اليهودي ومجاهد تعلق به حتى خرجا، فقال له اليهودي: أما قلت لك لا تفعل ذلك، كدنا والله نهلك.

بئر بدر: بين مكة والمدينة، في الموضع الذي كانت فيه الوقعة المباركة بين رسول اللّه ومشركي مكة، فقتلوا المشركين ورهوهم في البئر، فدنا منها رسول الله وقال: « يا عتبة يا شيبة هل وجدتم ما وعدكم الله حقاً » فقيل: يا رسول الله هل يسمعون كلامنا؟ فقال رسول الله : « لستم بأسمع منهم ». وحكى بعض الصحابة رضي الله تعالى عنه أنه رأى في اجتيازه هناك شخصاً خرج من البئر هاربا، فخرج عقبه آخر معه سوط فضربه، وردّه إليها.

بئر برهوت: بئر بقرب حضرموت وهي التي قال : « فيها أرواح الكفار والمنافقين »، وهي بئر عادية في فلاة وواد عظيم، وعن علي رضي أللّه تعالى عنه: أبغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت فيه بئر ماؤها أسود منتن تأوي إليها أرواح الكفار. وحكى الأصمعي عن رجل من أهل حضرموت أنه قال: نجد من ناحية برهوت في بعض الأوقات رائحة فظيعة منتنة جدّا، فيأتينا الخبر بموت عظيم من عظماء الكفار، وذكر أن رجلاً بات بوادي برهوت قال: كنت أسمع طول الليل يا دومة يا دومة، فذكرت ذلك لرجل من أهل العلم فقال: إنه اسم الموكّل بأرواح الكفار.

بئر بضاعة: بالمدينة في الخبر أن رسول اللّه أتى بئر بضاعة، فتوضأ من الدلو، وردها إلى البئر، وبصق فيها وشرب من مائها، فكان إذا مرض المريض في أيامه يقول: « اغسلوه بماء بضاعة، فيغتسل فكأنما نشط من عقال »، وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه تعالى عنها: كنّا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيام فيعافون.

بئر بنحن: بقرب واد زبيدة مشهورة وهي البئر التي حبس أفرا سياب فيها بنحن مكبلاً، وأنزل على رأس البئر صخرة عظيمة فذهب إليه دستم مختفياً، وسرقه وأتى به بلاد إيران ولها قصة طويلة.

بئر قنصورة: وهي جزيرة بأرض الهند يجلب عنها الكافور القنصوري فيها صنف من السمك إذا أخرجته من البئر يصير حجراً صلداً.

بئر جندق: جندق قرية من أعمال مراغة يخرج منها حمام كثير، حدّثني بعض فقهاء مراغة أنهم أرسلوا إليها رجلاً، ليعرف حال الحمام فنزل في البئر حتى زاد الجبل على خمسمائة ذراع، ثم أخرج فأخبر أنه لم ير من الحمام شيئاً، ورأى في آخرها ضوءاً وشيئاً كثيراً من الحيوانات الموتى.

بئر دماوند: بئر عميق بجبل دماوند يصعد منها بالنهار الدخان وبالليل النار، وإذا رميت فيها شيئاً ينزل ويلبث ساعة ثم يرجع ويقع خارج البئر على الأرض.

بئر ذروان: بالمدينة، طب فيها رسول الله فيما روى أبن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله مرض مرضاً شديداً، فبينما هو بين النائم واليقظان رأى ملكين أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما وجعه؟ قال: طب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وأين طبه؟ قال: في كرمة تحت صخرة في بئر كملي، فانتبه رسول الله وقد حفظ كلام الملكين، فوجه علياً وعماراً مع جمع من الصحابة حتى أتوا بئر كملى، وهو بئر ذروان فنزحوا ماءها حتى انتهوا إلى الصخرة فقلبوها فوجدوا الكوبة تحتها، وفيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأحرقوا الكوبة وما فيها فزال عنه وجعه كأنه نشط من عقال فأنزل الله تعالى المعوذتين إحدى عشرة آية على قدر عدد العقّد، والله الموفق.

بئر زمزم: في الخبر أن إبراهيم لما ترك إسماعيل وأمّه هاجر بموضع الكعبة وأراد الرجوع قالت له هاجر: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأقامت عند ولدها حتى نفد ماؤها، فأدركتها الحنة على ولدها إسماعيل بموضعه وارتفعت على الصفا تنظر هل ترى عيناً أو شخصاً فلم تر شيئاً، فدعت ربّها واستسقته، ثم نزلت حتى أنت المروة فدعت مثل ذلك ثم سمعت صوت السباع فخشيت على ولدها فأسرعت نحو إسماعيل فوجدته يفحص والماء قد انفجر من عين من تحت عقبه، فلمّا رأت هاجر ذلك الماء جعلت تحوّطه بالتراب لئلا يسيل ويذهب، قيل لو لم تفعل ذلك لكان عيناً جارية؛ وقال محمد بن أحمد الهمذاني: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها أربعين ذراعاً، وفي قعرها عيون تجري عين حذاء الركن الأسود وعين حذاء أبي قبيس والصفا وعين حذاء المروة، ثم قل ماؤها في سنة أربع وعشرين ومائتين، فحفر فيها محمد بن الضحاك تسعة أذرع فزاد ماؤها، ثم جاء الله تعالى بالأمطار والسيول قي سنة خمس وعشرين ومائتين فزاد ماؤها وذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه أحد عشر ذراعاً وسعة فمها ثلائة عشرة أذرع وثلثا ذراع وعليها ميلان من ساج مربعة فيهما اثنا عشر بكرة يستقى عليها، وأول من عمل عليها الرخام وفرش به أرضها المنصور، وقال مجاهد: ماء زمزم إن شربت منه تريد شفاء شفاك الله تعالى، وإن شربته لظمأ أرواك الله تعالى، وإن شربته لجوع أشبعك الله، وقال المسعودي: إن ملوك الفرس يزعمون أنهم من أولاد الخليل من سبي بني إسرائيل وكانوا يحجون البيت ويطوفون به تعظيماً لجدّهم، وكان آخر عن حج منهم أردشير بن بابك طاف بالبيت وزمزم على البئر، وزمزمة المجوس قراءتهم عند صلواتهم وطعامهم.

بئر ضاهك: بكورة أرجان ذكر أهلها أنهم امتحنوا قعرها بالأرسان فلم يقفوا على شيء ويفور منها الماء الدهر كله مقدار ما يدير رحاً تسقي تلك القرية.

بئر عروة: بعقيق المدينة، منسوبة إلى عروة بن الزبير، قال الزبير بن بكار: كان الناس إذا مروا بالعقيق أخذوا من ماء بئر عروة يهدونها إلى أهاليهم، قال: ورأيت أبي يأمر به فيغلى ثم يجعله في القوارير ويهديه إلى الرشيد وهو بالرقة.

بئر غرس: بالمدينة بقباء، كان رسول الله يستطيب ماءها ويبارك فيها، وقيل إِنه بصق فيها، فلهذا وجد فيها البركة و روى أن فيها عينا من عيون الجنة.

بئر قرية عبد الرحمن: بأرض فارس جافة القعر طول السنة، حتى إذا كان الوقت المعروف من السنة ينبع منها ماء يرتفع على وجه الأرض مقدار ما يدير رحاً، ويجري وينتفع به سقي الزرع ثم يغور.

بئر الكلب الكلب: بقرية من قرى أعمال حلب إذا شربت منها من عضّه الكلب الكلب برئ، وإنها مشهورة، قال بعض أهل القرية: إذا لم يجاوز المكلوب أربعين يوماً وشرب منها برئ، أما إذا جاوز الأربعين مات إن شرب، وذكر أنه شاهد ثلاثة أنفس مكلوبين فشربوا، فسلم اثنان وكانا لم يبلغا الأربعين ومات الثالث وكان قد جاوز الأربعين، وهذه بئر منها يشرب أهل الضيعة.

بئر المطرية: في قرية من قرى مصر عليها شجر البلسان ويسقى من هذا البئر، والخاصية في البئر يقال إِنّ المسيح عليه الصلاة والسلام اغتسل فيها، والأرض التي تنبت هذا الشجر نحو نحو مد البصر في مثله محوط عليه وماء هذا البئر عذب فيه دهنية لطيفة، وقد استأذن الملك الكامل أباه الماك العادل أن يزرع فيه شيئاً من شجر البلسان فأذن له فغرم غرامات كثيرة وزرعها فلم ينجح شيئاً ولا خلص منه دهن البتة، فسأل أباه أن يجري له ساقية من المطرية فأذن له ففعل ذلك فنجح وليس في جميع الدنيا موضع ينبت فيه البلسان إلّا هذا الموضع، واللّه الموفق للصواب.

بئر نيسابور: آبار كثيرة وهي معادن الفيروزج، كان يوجد فيها القطع الجيدة فظهر فيها العقارب القاتلة فامتنع الناس عنها بسبب ذلك الشيء.

بئر هنديان: هنديان ضيعة بفارس بها بئر يخرج منها دخان يعلو لا يتهيأ لأحد أن يقربها، وإذا طار طائر فوقها سقط محترقاً.

بئر يوسف الصديق: صلى اللّه عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، التي ألقاه فيها إخوته وهي بالأردن على أربعة فراسخ من طبرية مما يلي دمشق، قال الأصطخري وغيره: كان منزل يعقوب عليه السلام بين نابلس و بين قرية يقال لها: سخل، ولم تزل هذه البئر مراراً للناس يتبركون بها ويشربون من مائها. وليكن هذا آخر الكلام في الأنهار والعيون والآبار، واللّه الموفق للصواب.