عشائر العراق/2
وهؤلاء من قبائل ربيعة كانوا في عين التمر وهم من ذرية النمرين قاسط والنسبة اليهم نمري (بفتح النون والميم كما في السمعاني). ورئيسهم ايام خالد بن الوليد هلال بن عقبة فصلبه في الوقعة التي اوقعها بهم.(4) وكان عمر (رض) استنفر الناس إلى العراق فخفوا في الخروج.. وكان ممن قدم عليه انس بن هلال في جمع من النمر بن قاسط.(5) قال في تاج العروس: " والنمر بن قاسط بن هنب بن افصى بن دعمي بن جديلة بن اسد بن ربيعة ككتف أبو قبيلة.. " اه ولعل النمور الموجودين الآن منهم وسيذكرون بين افخاذ قبيلة (زوبع من قبائل شمر)...
10 - مذحج
وتلفظ كمجلس. ومنهم من يضم الميم وهي من قبائل اليمن وتضم قبائل عديدة. وإنما سميت (مذحجاً) لأن أباها مالك بن أدد ولد على أكمة تعرف بهذا الاسم، أو ان أمه لما هلك بعلها لم تتزوج بعده وان اللفظ يؤدي هذا المعنى وقيل غير ذلك في وجه تسميتها ومالك هو أخو طيء أصل القبيلة المذكورة سابقاً ومن النسابة من يقول انها تمت إلى كهلان رأساً، ومالك بن زيد بن كهلان. ومن أشهر القبائل المتفرعة عنها: 1 - سعد العشيرة. وهؤلاء بطون...
2 - زُبيد. (بصيغة التصغير) وهو منبه بن صعب بن سعد العشيرة. وهذا هو زبيد الأكبر وإليه ترجع قبائل زبيد ومن ولده منبه بن ربيعة بن سلمة ابن مازن بن ربيعة بن منبه المذكور اعلاه وهو (زبيد الأصغر). قال ابن الكلبي إنما قيل لهم زبيد لأن منبهاً الأصغر قال من يزد لي رفده فأجابه اعمامه بنو زبيد الأكبر فقيل لهم جميعاً زبيد.
ومن زبيد الأصغر أبو ثور عمرو بن معدي كرب فارس العرب ادرك الإسلام وشهد القادسية، واستشهد بنهاوند زمن عمر (رض) وحوادثه في العراق أشهر من ان تذكر وهو القائل:
اذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
3 - بنو علة. ومن هؤلاء النخع والجسر، ومن النخع صلاءة ورزام.
4 - الرهاء.
5 - بنو صُداء. مر الكلام عليهم.
6 - الحكم ومنهم بنو جشم.
7 - جعفي. وهؤلاء سكنوا العراق ابان الفتح الإسلامي.
8 - أود. ومنهم الافوه الاودي الشاعر.
9 - عنس. منهم عمار بن ياسر. ولا تزال بقاياهم في اليمن.
10 - جنب.
11 - الحارث.
12 - سلهم.
ولا مجال لاستيعاب بطونهم، واستقصاء المشاهير المعروفين منهم. واخبارهم في كتاب الاشتقاق وفي تاج العروس وفي انساب السمعاني وكتب كثيرة لا يحتملها البيان..
11 - القبائل التنوخية
غالب قبائل العراق تنوخية أي مزيج من قبائل قحطانية، وأخرى عدنانية. وقد تعاهدت هذه القبائل على ان لا تبغي الواحدة على الأخرى..
قال السمعاني: " تنوخ (بفتح التاء وضم النون المخففة وفي آخرها الخاء) وهو اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديماً بالبحرين وتحالفوا على التوازر والتناصر وأقاموا هناك فسموا تنوخاً، والتنوخ الاقامة.. " اه(1) وقد ذكر الطبري وابن الأثير سبب تنوخها ودواعي اتفاقها. وكانت اقامت في البحرين أولاً ثم مالت إلى العراق لما شعرت من قوة، ونالت مكانتها المعروفة. وذلك انه لما مات بختنصر انضم الذين كان اسكنهم الحيرة من العرب حين امر بقتالهم إلى اهل الأنبار وبقيت الحيرة خراباً فقضوا زماناً طويلاً لا تطلع عليهم طالعة من بلاد العرب، ولا يقدم عليهم قادم وبالأنبار اهلها ومن انضم اليهم من أهل الحيرة من قبائل العرب. فلما كثر اولاد معد بن عدنان ومن كان معهم من قبائل العرب. فلما كثر اولاد معد بن عدنان ومن كان معهم من قبائل العرب وملأوا بلادهم من تهامة وما يليهم فرقتهم حروب وقعت بينهم وحدثت بينهم احداث فيهم فخرجوا يطلبون المتسع والريف فيما يليهم من بلاد اليمن ومشارق الشام واقبلت منهم قبائل حتى نزلوا البحرين وبها جماعة من الأزد.
وكان الذين اقبلوا من تهامة من العرب من قضاعة واياد...
فاجتمع هؤلاء بالبحرين وجماعة من قبائل العرب فتحالفوا على التنوخ وهو المقام وتعاقدوا على التوازر والتناصر فصاروا يداً على الناس وضمهم اسم (تنوخ) فكانوا بذلك الاسم كأنهم عمارة من العمائر وتنخ عليهم بطون من نمارة ابن لخم...
(1/32)
وكان اجتماع من اجتمع من قبائل العرب بالبحرين وتحالفهم وتعاقدهم ازمان ملوك الطوائف الذين ملكهم الاسكندر... فتطلعت انفس من كان بالبحرين من العرب إلى ريف العراق وطمعوا في غلبة الاعاجم على ما يلي العرب منه، أو مشاركتهم فيه، واهتبلوا ما وقع بين ملوك الطوائف من الاختلاف فاجمع رؤساؤهم بالمسير إلى العراق. فكان طلوعهم متوالياً فاستولوا على ما بين نُفّر إلى الابلة واطراف البادية...
ومنهم من مال إلى الانبار فاكتسحها. وآخرون نزلوا الحيرة إلى طف الفرات وغربيه إلى ناحية الأنبار وما والاها في المظال والاخبية لا يسكنون بيوت المدر، ولا يختلطون باهلها، واتصلت جماعتهم فيما بين الانبار والحيرة بمن كان يسكنها من القدماء الذين قد سبقوهم في سكنى العراق على ما جاء مفصلا في ابن الأثير والطبري..
وكانوا يسمون (عرب الضاحية)(1) وبين هذه القبائل: 1 - الازد. وفي اوائل الفتح الإسلامي قد اشترك الازد في حرب العراق.. وهم منتشرون في اطراف عديدة من جزيرة العرب والعراق وقبائلهم كثيرة ويقال لهم (الأسد) بالسين كما في كتاب الاشتقاق وقبائلهم قحطانية. ومنهم خزاعة والاوس والخزرج والغساسنة ولهم امارة في العراق...
2 - قضاعة. مر الكلام عليها.
3 - عنزة. من قبائل ربيعة.
4 - بكر بن وائل.
5 - تغلب. قد اشتهروا في العراق.
6 - ربيعة.
7 - غطفان.
8 - لخم. هؤلاء جاؤواالعراق مع سائر القبائل التنوخية وفيها دامت لهم الامارة مدة طويلة وهي قحطانية تنتسب إلى لخم بن عدي وسنوضح امارتهم فيما يلي وننقل ما قيل في نسبهم...
9 - اياد. مرّت.
10 - كندة. ولهم امارة ومنهم (السكون) من قبائل العراق... ومنهم بنو الحارث.
11 - النجدة. وهم قبيلة من العماليق يدعون إلى كندة.
12 - بنو لحيان. وهم بقايا من جرهم.
13 - جعفي. فرع من مذحج.
14 - طيء. مضى الكلام عليهم.
15 - كلب. كذا.
16 - تميم. كذا.
17 - أسد.
18 - كنانة.
19 - غنم.
20 - الرباب.
21 - قيس عيلان. وهؤلاء كانوا يجاورون ملوك الحيرة.
22 - جذام.
23 - عاملة.
24 - بلحارث بن كعب.
25 - هذيل.
26 - الضباب.
وغير هذه من القبائل الأخرى أو فروعها مما لا محل لتعداده والقبائل متجاورة ولا تخلو من علاقة فلا يسع المجال استقصاء ما في الجزيرة إلا ان هؤلاء اقرب إلى العراق او من قطانه. وكانت الامارة في بعض هذه من ازد، ولخم وكندة، وطيئ. ومن هؤلاء لخم واما طيئ فقد جاءتهم النوبة في منتهى امرهم فانقرضت امارتهم على يد العرب المسلمين...
وفي الأخبار الطوال وابن الأثير والطبري تفصيلات كافية عن (القبائل التنوخية) فلا مجال للاطالة في كل قبائل العراق بالتفصيل... سوى انني اقول بعد هذا الاتفاق لم تقف العرب عند مخذولية، أو مغلوبية.. وكانت تعلم ان لا تدوم غلبة، والايام دول... فكانوا أكثر الأمم مراعاة للمصالح، وتمرناً على الحروب والمناجزة، او المتاركة... تبعاً للأوضاع والحالات القاهرة أو الظروف المقتضية والبواعث الجابرة... ذلك ما دعا ان يطول بقاؤهم في العراق رغم النفرة بينهم وبين المالكين لزمام الملك...
- 12 -
امارات العرب
وهذه غالبها قبائلية، وأقدم من عرف منهم حكام حلوان(1) المعروفة باسمهم وكانت كورة (لواء) كبيرة، وهم من قضاعة... ولم تصل الينا اخبار كافة الإمارات القبائلية لاسباب كثيرة اهمها ان الحكومات في ادوارها لم تدوّن إلا القليل من شؤون شعبها وانما تكتفي بالاسرة المالكة او باعمال ملوكها إلى زمن قريب منا.. ومن الأولى ان لا تلتفت الحكومات إلى القبائل التي لا علاقة لها بها إلا في أحوال خاصة..
واشهر الإمارات التي نالت ذكراً، وعرفت على ألسن المؤرخين والشعراء:
1 - امارة الحضر
(1/33)
وهذه من الإمارات الأولى من قبائل العرب التي كانت بين النهرين (الجزيرة) وان سابور بن اردشير (241 - 272م) قضى على حكومتها، ولم تعرف الأخبار الصحيحة عنها بالضبط ومن المؤرخين من يقول انهم لخميون، من القبائل التنوخية، ومنهم من يقول انها حكومة قائمة برأسها، وآخرون يقولون انها غسانية.. وعلى قول هشام الكلبي انها من قضاعة، وان الضيزن هو ابن معاوية بن العبيد بن الاجرام من قضاعة، وأمه من تزيد بن حلوان اسمها جيهلة، وانه كان يعرف بامه، ملك أرض الجزيرة، وكان معه من بني العبيد، ومن قضاعة قبائل لا تحصى، وان ملكها بلغ الشام.. إلا ان الطبري طعن في هذه الرواية وقال: كان حاكمها من الجرامقة يقال له الساطرون والعرب تسميه الضيزن من أهل باجرمي...(1) والجرامقة قوم من العجم سكنوا الموصل.
وكان الضيزن آخر امرائهم، وامارته في الحضر وهو قصر ومدينة بالقرب من مدينة تكريت بين دجلة والفرات، وتصلها مياه الثرثار تمر بمدينة الحضر ثم تصب في دجلة اسفل تكريت.(2) ولا تزال اطلالها باقية، وآثارها ناطقة بعظمتها البائدة... وقد قيل في انقراض هذه الامارة:
الم يحزنك والانباء تنمى ... بما لاقت سراة بني العبيد
ومصرع الضيزن وبني ابيه ... و احلاس الكتائب من تزيد
اتاهم بالفيول مجللات ... وبالابطال سابور الجنود
فهدم من اواسي الحضر صخراً كأن ثقاله زبر الحديد وفي هذه الأبيات بيان لبعض قبائلهم هناك.(3) وقال عدي بن زيد العبادي:
ايها الشامت المعيّر بالده ... ر أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأ ... يام بل أنت جاهل مغرور
اين كسرى كسرى الملوك انوشر ... وان ام اين قبله سابور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجي اليه والخابور
شاده مرمراً وجلله كل ... ساً فللطير في ذراه وكور
الى أن قال:
ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... فالوت به الصبا والدبور
وحكاية التسلط عليهم تذكر كخرافة اساطيرية. وهذه الحكومة لم يعين تاريخها ونشأتها وطريق توصلها للحكم، ولا عرف تسلسل ملوكها...
2 - امارة الازد
وهي أول الإمارات التنوخية، وحكمها على قبائل تنوخ والقبائل السابقة لها. وليت ما بين الحيرة والأنبار، وكانت امارتهم تصادف عهد حكومات الطوائف السابقة للدولة الساسانية. وأول من حكم منهم مالك بن فهم. وجاء في النويري انه مالك(1) بن زهير بن عمرو بن فهم عرف بجده كما هو الشائع في امثاله عند العرب، وهو المشهور ب(تنوخ).(2) وسائر المؤرخين ذكروا انه مالك بن فهم بن غنم بن دوس الازدي من كهلان. استولى على الملك سنة 210 ميلادية وكان مقره بالأنبار رماه ابنه سليمة بن مالك بسهم دون ان يعرفه فاصاب مقتله. وكان قد ملك انحاء واسعة وذكر صاحب (تحفة الأعيان بسيرة اهل عمان)(1) وقائعه مع الفرس وانتصاره عليهم وفيه بيان لما حكمه من الأقطار وتوزع أولاده في الأنحاء وهو القائل:
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما استد(2) ساعده رماني
ثم ملك أخوه عمرو بن فهم، ثم ملك بعده ابن أخيه جذيمة الأبرش ابن مالك بن فهم سنة 230 ميلادية. وهذا هو صاحب النديمين مضرب المثل (كندماني جذيمة) ويقال ان جذيمة هذا من العاربة الأولى من بني وبار وكان يبالغ في سعة ملكه ونطاق امارته وهو الذي قيل فيه: اضحى جذيمة في يبرين منزله قد حاز ما جمعت في دهرها عاد وكانت اياد في نزاع معه. وهذا قتلته الزباء وقصتها المشهورة في قتله وفي الانتقام منها على يد (قصير) وتحيله في قتلها... والتفصيل في خلاصة الكلام في تاريخ الجاهلية والإسلام(3) وبلوغ الارب للآلوسي(4) وفي تاريخ ابن الأثير والطبري وغالب كتب الأدب.
3 - امارة لخم الأولى
ويقال لهم آل نصر. وهؤلاء اضطربت كلمة المؤرخين فيهم. والمعروف انهم من لخم وهم من القبائل التنوخية، حكموا الحيرة، واتصلوا بالاكاسرة ودام سلطانهم مدة طويلة... فجعلوا لهم سلطاناً على العرب وأول من حكم منهم في أنحاء العراق عمرو بن عدي مؤسس هذه الامارة.
(1/34)
وساق اليعقوبي نسبه بانه عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو ابن الحارث بن مالك بن عم بن نمارة بن لخم(1) وفي التنبيه والاشراف زيادة اسماء وتغيير...(2) ويصادف اوائل هذه الامارة حكومة اردشير بن بابك (226 - 241م) فكره كثير من قبائل تنوخ ان يقيموا في مملكة العراق وان يدينوا له فخرج من كان منهم من قبائل قضاعة فلحقوا بسورية بمن كان هناك من قضاعة...
" كانت امارة هؤلاء في غالب احوالها من الأكاسرة، يؤدون اليهم الطاعة ويحملون الخراج، وكانت قبائل معد مجتمعة عليهم، وكان أشدهم امتناعاً غطفان وأسد بن خزيمة وكان يأتيهم الرجل من معد على جهة الزيارة فيحيونه ويكرمونه. " اه(3) وعمرو بن عدي صاحب المثل السائر. شب عمرو عن الطوق وهو ابن اخت جذيمة الأبرش الذي قتلته الزباء.(4) وكان قد خلف خاله على الامارة... ويبالغ في عمره ومدة حكمه، ويقال انه ملك قبل ان يحكم العراق اردشير ودامت حكومته 118 سنة.
وقيل غير ذلك والتفصيل في تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء.(1) وامراء هذه القبيلة سواء زمن استقلالهم، أو سيطرة الفرس عليهم... كانوا ملجأ العرب ومحل هجرتهم. فسدّت العشائر العوز عمن ذهب إلى سورية وتوالى تيار هجرتهم... فكانت امارة آل نصر خير ركن يركنون اليه إلا أنهم كانوا محصورين تحت دائرة ضيقة لا يستطيعون تجاوز حدودها..
ثم ان عمراً خلفه ربيعة امرؤ القيس ابنه ويقال له المحرق ثم صار بعده ابنه عمرو بن امرئ القيس.. وبوفاة هذا انتقلت الامارة إلى اسرة اخرى.
4 - امارة اوس بن قلام
ولي هذه الامارة واستعمله الفرس وهو على ما قال هشام من العماليق فثار عليه بعض اللخميين فقتله وكانت مدة امارته خمسين سنة.
وفي (تاريخ دول العرب والإسلام) انه بوفاة عمرو بن امرئ القيس انتقل الملك إلى اثنين من العمالقة ثم عاد إلى بني عمرو بن عدي...(2)
5 - امارة لخم الثانية
ثم نال الامارة امرؤ القيس البدء بن عمرو بن امرئ القيس، وبعده ولي النعمان الأكبر بن امريء القيس صاحب الخورنق الذي بناه له (سنّمار) وبنى (السدير) وكان قد كردس الكراديس وغزا الشام مرارً، ومن لم يدن له من العرب. وهو من اشد الناس نكاية بعدوّه وابعدهم مغاراً. وملك الفرس جعل معه كتيبتين: (دوس) وهي لتنوخ، و (الشهباء) لفارس ويقال لهما القبيلتان. ثم تنسك وزهد في الدنيا... وانقرضت امارته هذه.
ومن تاريخها يفهم ان للفرس السلطة في الامارة على العرب والتدخل في شؤونها إلا انهم كانوا يرون تصلباً من العرب فلم يذعنوا لسلطة العجم رأساً، ولا إلى التدخل الكبير في شؤونهم.. وان استفادوا منهم في بعض المطالب والحالات...
6 - امارة كندة
هاجم الحارث بن عمرو بن حجر الكندي الحيرة وما والاها فسار على النعمان فقاتله وقتل النعمان وجماعة من اهل بيته وأفلت منه المنذر بن النعمان.. كذا في ابن الأثير وأما ابن الكلبي فانه لم يتعرض لهذا الحادث وانما بين انه ملك النعمان ابنه. ويظهر ان هذه الحكومة لم يطل أمد حكمها..
وفي تاريخ اليعقوبي: وبعد أن نزل - الحارث - الحيرة فرق ملكه على ولده وهم حجر، وشرحبيل، وسلمة الغلفاء، ومعد يكرب. فانه جعل لكل واحد على بضع قبائل فملك حجراً في أسد وكنانة، وملك شرحبيل على غنم وطيئ والرباب، وملك سلمة الغلفاء على تغلب والنمر، وملك معد يكرب على قيس عيلان. ثم قتل الحارث وقام ولده بما كان في ايديهم وصبروا على قتال المنذر حتى كافؤوه، فلما رأى المنذر تغلبهم على أرض العرب نفسهم ذلك واوقع بينهم الشرور فوجه إلى سلمة الغلفاء بهدايا ثم دس إلى شرحبيل من قال له ان سلمة أكبر منك وهذه الهدايا تأتيه من المنذر فقطع الهدايا فاخذها ثم اغرى بينهما حتى تحاربا فقتل شرحبيل فكانت معه تميم وضبة... وتنكر بنو أسد بحجر بن عمرو. وهكذا مما دعا لاستعادة لخم الامارة...(1)
7 - امارة لخم الثالثة
مهما يكن من الروايات فقد ملك المنذر بعد أبيه النعمان وهذا وقعت له وقعة مع أمير العرب في سورية خالد بن جبلة وذلك ان هذا كان قد هاجمه فطلب ملك الفرس دية القتلى واستعادة الأموال المنهوبة من ملك الروم (غطيانوس) فلم يلتفت. ذلك ما دعا ان يسير عليه كسرى وينكل به ويأخذ بالحيف.(2)
(1/35)
ثم ملك بعده ابنه الأسود، ثم أخوه المنذر بن المنذر، ثم النعمان بن الأسود وبه انتقلت الامارة إلى غيرهم.
8 - امارة ابي يعفر اللخمي
وهذه من غير الأسرة المالكة وإن كان أميرها لخمياً. ملك ثلاث سنوات ثم عادت مرة أخرى إلى آل نصر وإن كانت لم تخرج من لخم.
9 - امارة لخم الرابعة
ولي بعد ذلك أمرؤ القيس الثالث ثم المنذر ابنه، وفي أيامه عزله كسرى قباذ وجعل مكانه الحارث بن عمر بن حجر الكندي لأنه لم يقبل بدين الزنادقة ثم أعاده كسرى انوشروان. ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر، ثم قابوس أخوه ابن المنذر. وهذا قتله رجل من يشكر. ثم ولي السهراب. وهذا لم تذكره غالب التواريخ، ثم المنذر أبو النعمان بن المنذر. وبه انتهى أمد آل نصر وانتقلت الامارة إلى طيء.
10 - امارة طيء
ثم نالت الإمارة قبيلة طيء ورئيسها اياس بن قبيصة الطائي. قال هشام ابن محمد قد بعث الرسول ﷺ لسنة وثمانية أشهر مضت على ولاية اياس. وكان اياس هذا مشهوراً بالشجاعة والجود، عالماً بأيام العرب ووقائعهم... وولايته سنة 611م.
وفي أيامه حدث يوم ذي قار وهو أول يوم انتصف فيه العرب من العجم كما قال الرسول ﷺ ذلك وفرح بهذه النصرة...(1) وفيها أبلي بلاء لا مثيل له، وكانت طيء مع الفرس وكذا قبائل أخرى كأياد ولم يعرف سوى اياد ولم يذكروا سواها وبينوا انهم سراً كانوا مع العرب على الفرس وذلك بقصد اماتة الضغائن لئلا تبقى مشتعلة دائماً وتجر إلى غيرها...
وهذه الوقعة التي أشار إليها أبو تمام بقوله:
وانتم بذي قار امالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب
11 - امارة ازاذبة
وفي بعض التواريخ ان وقعة ذي قار حدثت في إمارة ازاذبة ثم عاد الملك إلى لخم. وازاذبة هذا ولي الحيرة بعد اياس بن قبيصة الطائي...
12 - امارة لخم الخامسة
ولي بعد وقعة ذي قار المنذر بن النعمان بن المنذر سنة 634 ميلادية وهو الذي تسميه العرب المغرور وقتل بالبحرين يوم جؤاثى فكان آخر من بقي من آل نصر فانقرض أمرهم بزوال ملك فارس من العراق...(1) وفي التواريخ الأخرى ان الذي ملك بعد ازاذبة هو الأسود بن المنذر أخو النعمان. وفي أيامه اشتهر الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب، ثم ملك بعده المنذر بن النعمان المذكور.
هذا. ويلاحظ ان قائمة اسماء الأمراء من المناذرة واسلافهم من آل نصر مختلفة جداً، والتواريخ ذكرتها بصورة مضطربة، فلا يعوّل على واحد منها، واعتمدنا الطبري فانه من أوثق المراجع، وفيه بيان واف عن سني حكمهم ووقائعهم مما يصلح لتثبيت التاريخ نوعاً. وقائمة امرائهم في اليعقوبي مبتورة.(2) وفي تاريخ سني ملوك الأرض ذكر لهم ولمن عاصرهم من ملوك ساسان، وقائمته تخالف سابقيه، ولا تأتلف مع ما ذكره صاحب (كتاب العرب قبل الإسلام) وما أورد صاحب (الحيرة). ولا محل هنا لتحقيق هذا الاضطراب لأن موضوعنا عشائر العراق... والطريقة الصحيحة أن نبدأ بالوقائع المعلومة المقطوع بها ونمضي صعوداً ونزولاً فنعتمد التواريخ المعتبرة، وأساس ذلك ان من حفظ حجة على من لم يحفظ. لنتدارك ما فات الآخرين من أسماء أمراء، ونقابل سني حكمهم بأزمان ملوك فارس ووقائع الغسانيين المعلومة وغيرها من وقائع المسلمين... وأما وقائعهم التاريخية فانها معروفة ومدوّنة إلا في بعضها تداخلا..
- 13 -
الآداب العربية
في القبائل العراقية
(1/36)
ظهر شعراء كثيرون برعاية امارة اللخميين من جهة، وفي القبائل التي حلت العراق. وموضوع الآداب في البداوة واسع جداً ففي الأغاني ذكر النابغة الذبياني وعدي بن زيد وشعراء كل قبيلة... وبين هذه قبائل عراقية كثيرة، وأورد ابن قتيبة جماعة، وكذا صاحب مهذب الاغاني ساق جملة... وفي اسواق العرب كان لهم الذكر المعروف، ومنهم من له معلقة، أو مختارة معتبرة... وأمثال العراقيين وخطبهم وأخبار رجالهم مبسوطة في اليداني وغيره.. وتعين آثارهم الأدبية الدواوين المعروفة، وجمهرة أشعار العرب، والبيان والتبيين للجاحظ، وامالي القالي وعقد الفريد، وبلوغ الارب للآلوسي. وبينهم (أول من طرفت له العصى)، وبينهم العنبري الأسير في بكر بن وائل وهو من بني العنبر من تميم(1) ومحاورة عبد المسيح مع خالد بن الوليد... ولا يخلو كتاب ادب من ذكر لهم، أو إيراد لأمثالهم... وكتب التاريخ مملوءة من أخبارهم الأدبية.. وقصة وفود العرب على كسرى معروفة... وكانت مكانتهم الأدبية اشتهرت أكثر أيام آل لخم فذاعت في الاطراف وانتشرت في انحاء العرب المختلفة... ويضيق بنا القول هنا، ولا يسعنا التفصيل... وجاءت الفصحى بكتابها العزيز ففاضت على آدابهم بمحسنات ومعان جديدة كانت لها مكانتها السامية فكستها رقة، وزادت في تلطيف شعورها وسلاسة الفاظها، ونفخت فيها روحاً طيبة لم تكن لتعهدها..
- 14 -
أحوال القبائل
- و - اوضاعها الأخرى جالت أقلام الكتاب والمؤرخين في مواضيع لم تحافظ على مكانتها إلا قليلاً وكانت الدواعي لطرق مباحثها متوفرة خصوصاً ما كان منها رديئاً، أو مخالفاً للعقائد الإسلامية فتراعى فيه المقابلة وبيان مزايا الشريعة الغراء..
وأهم ما يدور عليه الكلام ما يتعلق ببعض العوائد، والعبادات الوثنية، والمجوسية، وعقائد الزندقة، واليهودية، والنصرانية، وعبادة الكواكب... فتقص هذه الأمور، وتذكر انكحة العرب، وانتهاك المحرمات... كل هذه كان يبحث عنها وتدقق لمصلحة الإسلامية ووسائل تأييدها، وبيان قوة عقيدتها، وصلاح عباداتها بالنظر لعقائد العصور السابقة وتقاليدها... فغطت على الكل، وقبلها غالب العرب، وفي مدة قليلة تم انتشارها وكادت تقضي على التقاليد والأديان الأخرى..
وكل ما عرف ان الزرادشتية وسائر الديانات الفارسية كالمانوية لم تؤثر على العرب، ولم تقبل العرب عقائد اولئك بسهولة من جراء انها عبادة اشخاص، وسيطرة على النفوس وتذليل لها.. فكانت في الغالب وثنية، فشت فيها الزندقة وعبادة الكواكب.. ومن أوثان قبائل العراق (الضيزنان)، و (سبد). وباقي الأوثان معروفة عند كل المعتقدين بها في الجزيرة... وشاعت في بعض القبائل اليهودية، وفي أخرى النصرانية، وفي القليل المجوسية.. إلا ان النصرانية انتشرت في أيامها الأخيرة... ولما جاءت الإسلامية طمى سيلها، وقبل بها الاكثر...
وهكذا يقال عن عاداتهم القديمة وهي كثيرة إلا ان اقتباسهم من العجم قليل بالرغم من المجاورة، فلم تنل رغبة لما للعرب من شمم ومكارم أخلاق لا توجد عند اولئك، أو لا تتألف وما اعتادوه.. كما أن العقائد كذلك. وإنما تسلطت الإسلامية ونفذت في اعماق قلوب القوم فغيرت من عوائدهم لما في عقائدها من سهولة وقوة وبساطة وأحكام.. ومحت الكثير مما كانوا عليه فكان لها أثرها في نفوس القوم.. ومن حين قبلت هذه القبائل بالعقيدة الإسلامية عادت متحضرة وسكنت المدن.. وقضي على الكثير من أحكامهم البدوية واعتياداتهم الشائعة آنئذ.. فتركوا ما كانوا عليه من عرف بما استطاعوا امتثالاً لآية (أفحكم الجاهلية يبغون)..
ولايهمنا اثارة المندثر مما كانوا عليه وإنما بعض عوائدهم الباقية هي التي ستكون موضوع بحثنا عند الكلام على القبائل الحاضرة، ومن ثم نكون قد جعلنا مواضيع اليوم ذات مساس مباشر بالماضي ودرجة نفوذه.. وحينئذ تخرج الأبحاث عما كانت عليه من حاجة الماضي للبحث فيها.. وصار موضوع اليوم العوائد الحاضرة مراعىً فيها القديم وأثره في نفوس القوم.
(1/37)
وعلى كل حال جدت المباحث وتماسها بالأوضاع الحاضرة، وتدقيقها تاريخياً من نواحي العلاقة والارتباط بالماضي القريب والبعيد.. كل هذا سننظر فيه في عشائرنا الحاضرة لتكون أقوى صلة وأشد علاقة.. وفي الكتب الأخرى ما يبرد غلة الماضي وما كان عليه العرب في أزمانهم الغابرة مما لم يبق لغالبه أثر الآن...
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن من أكبر الأبحاث علاقة واتصالاً بنا المناسبات بين القبائل وحالاتهم في جوارهم وحربهم، وكلأهم وحياة مواشيهم.. وكل هذه سندققها في حينها مع ملاحظة ما كانت عليه في ماضيها قدر الطاقة..
* * * - 15 -
آخر القول
في العشائر واماراتهم ولا نطيل القول في عشائر العراق القديمة، والمعروف انها قضت ادواراً مديدة في سكناه وبين هؤلاء العرب البائدة، والمتعربة والمستعربة ويهمنا أن نعين العلاقات. ومما مر نعلم ان إيران لم تسيطر على العرب سيطرة مباشرة وقد خذلت مراراً في تجارب عديدة.. وانما ساقتها تجاربها ان تتفاهم مع الأمراء وهؤلاء يقومون بادارة اقوامهم فلم يرضخ العربي لأعجمي، وقد ماشى بعض العرب العجم أحياناً ولمآرب خاصة، وفي كل هذا لم يقطعوا صلتهم من قومهم.. يدل على ذلك (وقعة ذي قار) حينما رأوا الجد في الأمر، وشاهدوا العزم على انزال الضربة بالعرب. فهم وان كانوا بينهم على العداء والغضاضات القديمة والمفاخرات.. وجدوا الضرورة تدعوهم إلى الحلف والاتفاق ودفن الضغائن فلم يذكروا القبائل التي كانت في جهة عدوهم بسوء.. فاتفقوا في الخفاء كما وقع قبل هذا بين القبائل التنوخية... وهكذا كان يفعل بعض القبائل مع بعض من الاتفاقات الصغرى.. ولكنهم علموا ان هذه الحرب سوف تقضي على أكبر القبائل ويكون من السهل الوقيعة بالباقية حتى التي كانت متفقة معها... وعلى كل نرى السياسة العشائرية كانت ترضى منها الحكومات في الغالب بالميل إلى جهتها واستخدامها على عدوّها ومناصرتها لها من اخرى كما وقع اثناء الحروب مع سورية.. وباقي أحوال العشائر العراقية لا تفترق بها عن سائر العرب في الجزيرة وفي الأقطار الأخرى من اكرام ضيف، وشمم، واباء، وصبر على المشاق، والحرية، وقلة الارتباط بادارتها العامة بصورة تقف عند اعتزاز القبيلة أو الامارة وان لا تهان.. وقد اشير إلى ما كانوا عليه من آداب، وعوائد، وروحية، وحروب، وتعاملات. والبحث عن هذا سيبسط عند الكلام على قبائل العراق البدوية، والريفية... وهنا يلاحظ ان أكبر تبدل في حياة القبائل وروحيتها ما أحدثه الإسلام فيهم ولم يسر بهم خلاف مألوفهم وإنما راعى الاصلاح فيما هو المثل الأعلى، والى ما حسّن عيشتهم، وأصلح عوائدهم وتقاليدهم وعقائدهم.. دون أن يهاجم بالامحاء فكان اصلاحه دعوة إلى خير طريقة مما يسيرون عليه والندبة إلى الأمور التي تعود بالنعيم العميم... وغاية ما يقال هنا ان العشائر واماراتها لم تكن صاحبة السلطة والقول الفصل في مقدراتها وكثيراً ما نالها من الاهانات والتضييقات المرة مما مضى الكلام عليه من أيام بختنصر وإيران... فمنهم من خلعت أكتافهم، ومنهم من اودي باماراتهم.. وهكذا. فكان للدعوة الإسلامية أثر كبير في نفوسهم، وتحريك لهم في الثورة على القسوة والظلم، ووقع عظيم في القوم، فتفادوا في النضال عنها، والنصر لمباديها. ومن ثم ظهر في العراق من مالوا إلى الحضارة، وتركوا حياة البداوة من حين قبلوا الإسلامية فكانوا من أكبر الأعضاء الفعالة للمجتمع... وخدموا مختلف الثقافات، فكانت اعمالهم خالدة وعامة...
عشائر العراق الحاضرة
- 1 - البدو وهم الذين غلبت عليهم البداوة ولم يتوغلوا في حياة الارياف ويتناول البحث عن قبائل (شمر) و (عنزة) و (الضفير) و (حرب) و (صليب) الخ...
عشائر العراق
الحاضرة ( - 1 -
القبائل الإسلامية
كلمة: هذا هو القسم الثاني من عشائر العراق ويتضمن الكلام على العشائر الحاضرة ويتناول بعض المباحث عن العشائر في صدر الإسلام كتمهيد للمباحث وتوطئة للتوصل إلى أصل الموضوع...
1 - العشائر العراقية
(1/38)
مضى الكلام على العشائر إلى ظهور الإسلام إجمالاً. وكانت في الحقيقة مستعبدة نوعاً فلا تخلو من تضييق قلّ أو كثر بالنظر لعلاقة العرب وقبائلها بالحضارة وتباعدها عنها... والقبائل العربية أقل علاقة بالإدارة الفارسية.. ولما ظهر الإسلام جاءت قبائل جديدة وصارت تسرح وتمرح لا في العراق وحده بل في الأقطار الشرقية الأخرى إلا أننا نرى بعض عشائر الفتح قليل الميل إلى الحضارة وقبولها... والقبائل الموجودة اليوم أكثرها قريبة العهد بسكنى العراق وإن الاحتفاظ بالاسم القديم، وإنه كان معروفاً في العراق لا يعين قدم القبيلة وإنما نشاهد كل قبيلة في العراق القديم والحديث ذات أصل قديم في الجزيرة. وتوالي ورودها معروف تاريخياً، ومشهود حساً..
2 - تأثير الإسلامية على العشائر العراقية
كان قبل الإسلام يدبر شؤون القبائل أمراء إلا أن الإمارات أصابها بعض الوهن، وصارت إيران في أيامهم الأخيرة تتدخل في شؤونهم أكثر... مما سبب النفرة والضجر من العجم خصوصاً أن وقعة (ذي قار) لا تزال ترن في الآذان... فلما جاء خالد بن الوليد إلى العراق لم ير تصلباً كبيراً أو تعنداً من هذه العشائر وكان من السهل التفاهم معها خصوصاً بعد أن رأت شيبان قد مالت إلى الإسلامية، وأميرها المثنى المشهور، وعجل أيضاً ركنت إليها وحاربت في وجه أهل الأبله، والحيرة تفاوضت ومثلها الأنبار وقد ضرب الغزاة بعض القبائل من تغلب وبهراء وما ماثل مما مرّت الإشارة إليه..
وأساساً كان لمحاورة خالد (رض) مع عرب الحيرة وأعيانها أعظم أثر في قبول الإسلامية وبعض أقسامها ارتبط مع المسلمين بعهد ومعنى ذلك أنها صارت معهم وهكذا الأمر كان في حروب العرب لفارس، فساعد العرب جيوش المسلمين لأنهم كانوا عرباً وتعصبوا للعرب أبناء جلدتهم ومن هذه القبائل قبيلة طييء وقبائل أخرى..
ومهما يكن فقد كانت العرب تميل إلى إخوانها في الدم واللغة يؤيد ذلك ما مر بيانه من الأشعار والأقوال... والمعلوم أن هؤلاء القبائل قد تولد فيهم النشاط، وزال الخمول وذهب الخوف والخور فاعتزوا وصارت كلمتهم العليا، وتركوا التقاليد السخيفة من عبادة الأصنام، أو نار كالمجوس وما ماثل. فذهب عنهم البؤس بأمه..
ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما جاءتهم قبائل عديدة قوّت هذا النشاط وزادت في علو الهمة، ونفثت فيهم روح الحزم والعزم.. فصار الدور لهم ولم يكتفوا بالعراق وحده وإنما مضوا إلى الأطراف الأخرى، والأقطار النائية، فصارت غنيمة باردة لهم، وأكلة مريئة.
مر بنا الكلام على القبائل القديمة... أما القبائل الجديدة فكثيرة أيضاً ولا تكاد تحصى عداً فكأن الجزيرة خلت من سكانها ومالت إلى العراق وإلى سائر الممالك المفتوحة فشكلت عنصراً فعّالاً، صار آلة فتح ودعوة خير، وتبشير بالدين الإسلامي القويم وقد رأوا في سبيل متابعته والدعوة إليه ما لم يخطر في بال.
والتبدّل الفجائي الذي تمكن منه العرب سواء في العقائد أو في الفتوح غيّر من أوضاعهم وجعلهم بحالات غير معروفة ولا معتادة.. فانتشروا في الأرض انتشاراً هائلاً...
رأت الأمم أن الحاجة كبرى للخلاص من جور ملوكهم، وتحكم أرباب الأديان وتكاتفهم مع السلاطين لامتصاص جهود الشعوب والسيطرة عليها... فساعدوا كثيراً لقبول الدين الإسلامي وصاروا من أعظم دعاته ومعتنقيه..
3 - مصير العشائر القديمة والإسلامية
وهذه القبائل سواء منها الحديث العهد في سكنى العراق وقديمه لم يتمكن فيه إلا القليل منها وأكثر من فقد مزاياه القبائل القديمة في العراق فإنها كانت أقرب إلى الاستفادة من هذه الأوضاع فأخذت من المدينة بنصيب...
والآن صرنا لا نعرف الكثير منها لإنتشارها في الأطراف. والعالم كله كان مفتوحاً أمامها.. وهكذا يقال عن القبائل العديدة التي جاءته أيام الفتح فلم يبق منها إلا النزر.. وكانت لها مكانتها المهمة في حروبها ونضالها..
ولا يهمنا في عجالتنا هذه أن نبحث عن مصير كل قبيلة في العراق، أو من وردت إليه وبيان ماضيها وإنما نقتصر على (العشائر الحاضرة) ونذكر ما له علاقة بالماضي وبيان الحالة التي كانت عليها.. تاركين جانباً القبائل التي حلت العراق في وقت واندثرت بقبولها الحضارة..
(1/39)
نكتفي هنا بالالماع إلى ما مضى ونشرع في بيان القبائل الحاضرة مع العودة إلى تاريخها بقدر ما تسمح به الظروف والنصوص..
4 - القربى في العشائر الحاضرة
أنساب العرب القبائلية معروفة من قديم الزمان ولا يزالون محافظين عليها، وهي توافق روحيتها ومزاجها جمعاء، ولا يزالون يعتمدون عليها في القربى والعداء للتكاتف والمناوأة ونسب القبائل الحاضرة مهم لمعرفة أحوالها بالنظر لبعضها.. ولما كانت هذه العشائر كلها أمية تقريباً فلا يحصل فيها إلا الواحد أو الاثنان من المجموع ممن يستطيع القراءة والكتابة وفي أكثر الأحيان الأمية ضاربة أطنابها عليهم... فمن هؤلاء لا يؤمل أن يحفظوا أنسابهم فيوصلوها برجال التوراة أو غيرها..
- نعم يحفظون من أنسابهم أنهم لهم صلة قرابة مع القبائل الأخرى أو أنها ليست منها ويعينون درجة ذلك تقريباً وذلك بطريق التلقي عن آبائهم وأجدادهم وأما تعداد آبائهم وأجدادهم بحيث يوصلونها بمن شاؤوا فهذا اختبرته وامتحنته مراراً عديدة فتبين لي غلطه أو التشكيك فيه وعدم صحته فلا يعوّل عليه لقدم العهد واشتباه الأسماء وتداخلها بغيرها..
فإذا كانوا يتمكنون من وصل الأفخاذ بالعشيرة أو القبيلة وهذا غالب فيهم فلا يستطيعون أن يعينوا الصلة القطعية بين قبيلة وقبيلة بسرد أفراد كل... وهذا لا يمنع أن يقطعوا في القربى ودرجتها بلا ارتياب.. والمعرفة والتلقي الصحيح.. قد يؤيدان بأدلة لغوية وأوصاف قومية، وأخلاقية، وعنعنات كثيرة مشتركة ومحفوظات لا تقبل التردد.. فلو لم تعرف القبائل وصل القرابة بتسلسل الأجداد فلا تشتبه منها بوجه وإن كانت لا تقدر على تعيين الظهور والبطون بالضبط... فالغالب فيهم حفظ النسب على وجه الصحة إجمالاً ولا يغلطون في نسبة قبيلة إلى جذمها القحطاني أو العدناني وصلتها بأصلها...
ويؤيد هذا التواتر في النقل من تلك القبيلة والقبائل المجاورة والنائية... زيادة على اللغة، والمحفوظ لكل قبيلة. فلم نجد قبيلة انتسبت إلى غيرها أو ادعت أنها من غيرها كذباً، فالتضافر حينئذ للتكذيب والطعن يكون قطعياً لا يقبل الاشتباه..
وفي الحال الحاضر نشاهد بعض القبائل قد اعتزت بكيانها وعرفت باسمها الجديد فلم يعد يعرف تقريباً الأصل الذي درجت منه...
وقد بذلنا الجهد في إرجاع كل قبيلة من هذا النوع إلى قريبتها بحيث لم يبق لنا شك في النسبة والتحقيق من أكابر القبائل وحفاظ أنسابها وهم كثيرون. وهنا ليس غرضنا أن ندوّن جمهرة أنساب كما فعل ابن الكلبي وغيره بتعداد الأجداد وإيصالها برجال التوراة فذلك إذا كان متيسراً له فهو الآن صعب بل يكاد يكون ممتنعاً... وإنما المقصود بيان القربى بالنظر للمحفوظ، واللغة، والنخوة والعوائد... مما هو مؤيد بالشهادات للقبائل الأخرى ولا يهمنا تعيين آباء القبائل وتسلسلها خصوصاً بعد أن قطعنا أنه مما لا يعوّل عليه ولا يوثق من المحافظة وإنما الأسماء قد تتشابه فيبتلع الكثير منها. وقد صحت الأنساب إجمالاً وتواتراً..
رأينا الصعوبة العظيمة في إرجاع كل قبيلة والتحقيق عن نسبتها إلى أرومتها العدنانية أو القحطانية، أو نجارها الأصلي. مما هو موضع شبهة، وإلا فالكثير من القبائل لا يرتاب في نسبها وأنها عدنانية أو قحطانية... ولكن لا تزال بعض القبائل (متحيرة) ونسبتها إلى أحد هذين الجذمين مترددة أو غير معروفة مثل (الصليب) ومن على شاكلتهم من القبائل أو متداخلة لا يمكن تمييز الأصلي فيها والدخيل منها...
وعلى كل ان القبائل مجموعات، أو كتلات تتصل مع بعضها لا في العروبة فحسب، وإنما تعوّل على القرابة النسبية القريبة، وتعد ذلك سبباً قوياً للتعارف، والبعيدة واسطة النفرة، خصوصاً في أيام العداء والحروب، أو في وقت يتوسم فيه الخصام...
ومن ثم تقوى جهة المنافرة، والمفاخرة، وتعداد المعايب، والمثالب، وإثارة الوقائع السالفة، والحروب الماضية... أو المزايا الداعية للفخر والتفوق، فنسمع الطعن من جهة والفخر من أخرى... وهكذا...
5 - آل وبني
(1/40)
قسمة بعيدة العهد، ومقرونة بمثل شائع عن العشائر للتدليل على قدم الزمن يقولون (من آل وبني) أي من عهد تفرع القبائل إلى آل، وإلى بني. وبالنظر إلى الأنساب الأصلية تركن إلى هذا الموضوع، وذلك أن قبائلنا تقسم إلى (آل) و (بني) أو إلى (قبائل قحطانية) يقال لها (آل) وإلى قبائل عدنانية أو مضرية ونزارية تتسمى ب(بني). وهاتان المجموعتان معروفتان جداً والتقسيم بهما بهذا الطراز قديم لم يدرك أوله. ولا نرى قبيلة أو عشيرة لا تنتسب إلى أحدهما ما عدا (القبائل المتحيرة) المذكورة التي لا تحفظ انتسابها إلى أحد هذين الجذمين. وذلك سواء في الجاهلية، أو في عهد الإسلام وما يليه إلى أيامنا..
وقد عدّد علماء الأنساب جماعة ليست بالقليلة من القبائل المتحيرة، وكذا صاحب عقد الفريد فإنه بيّن مقداراً جماً من القبائل المتحيرة. ولا يزال عصرنا يقطع بأن بعض القبائل (متحيرة) ولا يعرف بالتحقيق انتماؤها إلى أي جذم من ذينك الجذمين... لنسيان العلاقة، والانتساب إلى الجد الأخير والوقوف عنده...
6 - البدو وأهل الريف
وهذا التقسيم قديم ومعروف أيضاً باعتبار ما قطنه العربان من (بادية) أو (أرياف) أو (مترددة) بينهما فتكون ثلاث مجموعات (بدوية) و (ريفية) و (مترددة). ولو راعينا هذه القسمة في تصنيف القبائل لخرجنا عن أنساب القبائل ومزجنا بعضها ببعض دون تروّ وهكذا الحال فيما لو لاحظنا المواطن الجغرافية خاصة وفصلنا مباحثها بالنظر إلى ما تسكنه من ألوية وأنحاء... أو المعيشة وبهذا نكون قد أهملنا خصيصة سائدة لم يتركها القوم في تنقلاتهم، وأهملنا ما هم عليه للآن من الاحتفاظ بالأنساب. واغفال هذا غير صحيح من وجوه: 1 - إن الموطن غير مستقرة. وذلك لتغييرهم الأمكنة بصورة فجائية عند حدوث أحوال ضرورية وكثيراً ما تقع.. متمثلين بقول شاعرهم:
ولا يقيم على ذل يراد به ... إلا الاذلان عير الحي والوتد
2 - لا نقدر حينئذ أن نراعي القبائل، والحالة القبائلية بالنظر لاختلاط القبائل وتقربها من الحضارة بحيث لا يبعد أن تكون هذه المجموعة بعد لأي قرية أو قرى.. في حين أنهم لم يهملوها...
3 - نرى المزايا القبائلية مستقرة (لآل وبني) ومتمايزة فيها وهي السبب الوحيد في وقائع عديدة... فلو أهملناها كنا أغفلنا أهم خصائص القوم وعدلنا إلى اشتباك أنسابها، وهذا غير واقع حتى عند اختلاط بعض القبائل فكل فريق محتفظ بنسبه.. والأمر لا اختيار فيه، وإنما الغرض تثبيت الحالة التي هم عليها لا إيجاد تقسيم غير معروف، أو أن نهمل أمراً لا يزال موجوداً، ونكون قد زدنا في هذا الاشتباك، أو شوّشنا وضعاً معروفاً..
4 - إن كافة هذه القبائل حريصة على مراعاة أنسابها حتى الأفراد ولا يمكنها أن تنساها بعصور كثيرة. فاهمال ذلك والتغافل عما هو موجود غلط لا يغتفر...
وهنا لا ننسى بأن القسمة الأصلية إلى قحطانية وعدنانية يصح الاستفادة منها بأن تكون واسطة تعارف وألفة لأعداء ومقارعة..
ولا ينكر أيضاً أن القبيلة قد تنال مزايا جديدة بسبب ركونها إلى الأرياف من حيث العمل والاستثمار واهمال روح الغزو وتعاطي أسباب العمارة، والوداعة والعيشة الهنيئة... فسوف لا نترك أمر ذلك، بل نراعيه بوضوح ونفرق بين البداوة والعيشة الريفية، وما بينهما من التردد وانتهاز الفرص للركون إلى العيشة الريفية لأول حادث أو استفادة من أي تطور في الأحوال الاجتماعية. والمسهلات لذلك ودواعيه كثيرة من قحط ووباء وحروب عامة أو خاصة، وسيل جارف. الخ الخ...
7 - العودة إلى الحياة العشائرية
وقبل أن ننهي البحث لزم أن نقول أن العودة إلى عيشة العشائر نادرة خصوصاً الانتقال من المدن إلى الحياة العشائرية أو من الأرياف إلى البداوة، وهذه إذا حصلت تكون شخصية أكثر منها قبائلية. ولذا نشاهد بعض الأفراد لظروف خاصة كعلائق تجارية مع البدو، أو ارتكاب جريرة تدعو إلى ضرورة الالتجاء إلى البادية والاعتزاز بها، ثم طيب العطن وتحبب الاقامة في خلالها، أو يقسر عليها بأن يتربى أولاده عليها أو تمنعه موانع زواج وما شاكل...
(1/41)
كل هذه مما يسبب سكنى العشائر والتنقل بهم من الحضارة إلى البداوة، أو الأرياف... وقد يكون المرء ابن بادية في الأصل ولم تنقطع علاقته من البادية فتعن له سكناها ويحن إلى أهله وأقاربه... فيعود. وقد شاهدنا الكثيرين حينما يزول المانع لهم يعودون لباديتهم إذ لم ترتكز وسئلها في أذهانهم بعد، أو لم تنل رغبة منهم ولم تحبب إليهم. نرى هؤلاء يوردون المثل البدوي المعروف (عنّت عليّ ديرة هلي(1 " .
هذه دواعي التنقل من البداوة إلى الأرياف، فالمدن وبالعكس، ولا نطيل القول بأكثر من هذا...
8 - الجمع والتقسيم
وعلى كل يجب أن نرجع تقسيم القبائل إلى الجذمين المذكورين وبيان قبائلهما كل واحدة على حدة بالتفصيل... سوى أننا نلاحظ بعض الأوصاف من البداوة أو الريفية، ونقدم بعض القبائل البدوية التي تقربت إلى الحضارة ولم تقبلها بعد، ثم نذكر القبائل الأخرى من ريفية... ولم نفصل بين القحطانية والعدنانية إلا أننا نشير إليها حين الكلام عليها.. ولا نفوت الاجمال عن خصائص كل... فلا نراعي الترتيب ونكتفي أن نشير إلى العدنانية والقحطانية... ونعين أصل القبيلة سواء كانت من أحد هذين الجذمين أو متحيرة... كما أننا نذكر موطن القبيلة مجموعة أو متفرقة، ونقدم قوائم في القبائل المشهورة الموجودة في تقسيماتنا الادارية تسهيلاً للمعرفة معززين لها بخارطة. وبهذا نكون قد جمعنا بين الحالات والأوضاع المعروفة...
- 2 -
القبائل البدوية
ومن يمت إليها يهمنا جمعاً بين القبائل المشتركة الصفات من بعض الوجوه: أن نجعل القبائل مجموعتين أساسيتين وهما (القبائل البدوية) وخصيصة البداوة تجمعها، لبروز هذه الصفات فيها.. ومن أهمها التنقل دون تقيد بمكان خاص، تتبع الكلأ وتراعي الغزو...
و (القبائل الريفية) تميل إلى الأرياف وتتعاطى الزراعة وما يتعلق بها من تربية المواشي وما ماثل...
والقبائل لا تخرج عن هاتين الخصيصتين ولكن قد تتداخل فترى من هؤلاء من قد مالوا إلى الأرياف، أو ركن بعض أهل الريف إلى البداوة... وهم أقرب إلى التداخل بالنظر لما يجدون من الأحوال التي تدعو لمثل هذا التطور، والأوضاع.. وبيانها بهذه الصورة لا يغير ماهية الموضوع.
هذا والآن نرى أن نبحث عن أشهر القبائل البدوية وخصائصها ونبدأ بقبائل شمر...
- 3 -
قبائل شمّر
1 - أصل شمر
إن المدوّنات عن هذه القبيلة قليلة جداً وهي قحطانية، ذكرها الحمداني فقال: " بنو شمر بطن من العرب مساكنهم جبلاً طييء أجأ وسلمى بجوار لام " . كذا نقل صاحب السبائك (السويدي) ولم ينسبهم إلى قبيلة، وهذا محمول إلى أنه لم يتصل بهم ولم يتحقق ذلك من رجالهم، وآخر من ذكرهم القزويني قال: " شمر بالتشديد والتخفيف. قبيلة من العرب ذات بطون تنسب إلى شمر ذي الجناح من قحطان منهم في نجد ومنهم في العراق ومنهم في الموصل إلى سنجار. والظاهر أنهم ينسبون إلى شمر يرعش بن افريقس بن ابرهة ذي المنار أحد ملوك التبابعة من اليمن... " اه.
وما ذكره من أنه الظاهر فليس بظاهر، والنسبة التي نسبها غير معروفة. كما أن التخفيف لا قائل به، ولكن القزويني راعى اللفظة في قواميس اللغة ومعانيها وليس لدينا من العرب من ينطق بالتخفيف ويريد هذه القبيلة...
وقال الحيدري: " ومن أجل عشائر العراق شمر وهم عدة قبائل.. وتبلغ قبائل شمر مائة ألف نفس فأكثر وحمائلهم آل محمد من طييء. وجميع قبائلهم تعود إلى قحطان.. " اه.
وقال البسام: " شمر من ذرية حاتم... من سكان الجزيرة وهم أكرم العشائر وأرفعهم عماداً، وأكرمهم أخولاً وأجداداً، وأصحهم في ذكر المكارم اسناداً، وأقدم في الحرب.. وشيخ هؤلاء يقال له (الجربا) وسقمانهم ألفان وفرسانهم ألف ومائتان... " اه.
والمنقول المحفوظ عنهم أن شمر ليس جداً وإنما هو وصف لحقهم وذلك أنهم آخر من خرج من اليمن وكانت قد ألحتهم السنون فهاجروا إلى أنحاء أجأ وسلمى فدفعوا بعض القبائل وأزاحوهم عن مواطنهم. فشمروا عن ساعد الجد وأوعز إليهم رؤسائهم ب(شمّروا). ومن ثم دعوا ب(شمر) واللغة تساعد على هذا التفسير قالوا:
(1/42)
وكانت قبائل طييء وزبيد هناك فدفعوهم ومال هؤلاء إلى انحاء العراق وسورية وغيرها. والظاهر ان قبائل طييء (سكان أجأ وسلمى) كان بينها خصام وخلاف فحالف قسم منها قبائل قحطانية جاءت من انحاء اليمن فانتصر على عدوه ومن ثم استقل في السلطة وصارت له الرياسة على قبائله والقبائل المتحالفة معه. والكل يرجعون إلى القحطانية فأن طيئاً من قحطان ايضاً. فصار الكل يدعى باسم البطن (شمر) المنتصر على عدوّه وقيل للجميع (شمر) تغلبياً وإلا فلا تزال قبائل (عبدة) من شمر تمت إلى القحطانية رأساً، وقبائل (الاسلم) إلى طييء. وكذا (قبائل زوبع).
هذا هو الذي نراه جمعاً بين المحفوظ والنصوص المنقولة من طريق التاريخ.. وبسبب هذه الوقائع الوبيلة تمكنوا من ازاحة قبائل زبيد وقبائل طييء الاخرى كما مر.. ورئيس قبائل زبيد آنئذ واميرهم يقال له (بهيج) ويعد في نظر القبائل الزبيدية جداً لها، والحال انه كان رئيساً والى هذا اشار الشمري مفتخراً بهذه الوقعة والانتصار على القبائل الاخرى بقوله:
وكبلك(1) بهيج حدّروه السناعيس ... من عكدة ماتحلحل كناها(2)
يريد أن يهيجاً المذكور كان قبلك وقد أصابته الضربة القوية منا فأنزلناه من أجأ وسلمى (جبلي طييء) فلا نخشاك ولا نبالي بك وأنت أقل قدرة منه... ويراد بالسناعيس الذين ينتخون بالسنعوسية وهم قبائل مهمة من شمر...
وقولون بتكرار ان لفظ (شمر) ليس اسماً لقبيلة باعتباره جداً لها وإنما هو ناشيء عن الايعاز المذكور.
وأرى الذي أوقع في اللبس النقل المتقدم عن السويدي لأنه لم ينسبهما كما نقل عن الحمدانمي للسبب الذي ذكرته والحال انني نقلت في ما سبق في قبائل العراق القديمة عن نشوان الحميري ما نصه: " بنو شمر بطن من طييء " إلا أنه لم يصلهم بالبطون المعروفة. ويفسر هذا ما جاء في تاج العروس: " وشمر أيضاً اسم رجل قال امرؤ القيس:
فهل أنا ماش بين شوط وحية ... وهل أنا لاق حي قيس بن شمرا
قال الصاغاني: قال ابن الكلبي قيس بن شمر وأخوه زريق ابنا عم جذيمة ابن زهير بن ثعلبة بن سلامان الطائي. " اه.
ومن هنا ظهر انهم بطن مستقلة وعرف طريف اتصالهم. وهذا جاء مؤيداً للمحفوظ الذي اتفقت كلمة المؤرخين عليه من أنهم من طييء، وتبين أنه اسم جد...
ان شمر من طييء وبالاتفاق مع بعض القحطانية أزاحوا طيئاً وزبيداً وحلوا محلهم.. واشتهرت تسميتهم بشمر وتغلبت على القحطانية، والكل الآن لا يفرق بينهم ويعدون من شمر، إلا أن القحطاني منهم معروف.
هذا مع العلم بأن التسمية بشمر كانت شائعة عند العرب فلم يبق مجال أن يقال أنه ناشيء عن الايعاز فهم بطن من طييء، وعرفت مكانتهم بين البطون المذكورة سابقاً...
2 - بيت الرياسة (الجرباء - آل محمد)
كانت الرياسة ولا تزال في (آل الجرباء) وهم (آل محمد) من طييء قطعاً. ولم تفقد منهم الرياسة ولم تتحول إلى اليوم. أما امارة ابن رشيد فانها لم تؤثر على سلطتهم، وإنما كانت امارة ابن رشيد صولة وسطوة واسعة، لم ينالوها في سالف أيامهم وكانت وقتية ولأمد، وبانقراض آل الرشيد استمرت الرياسة في آل محمد ودامت فيهم. وسنوضح امارة الرشيد في موطنها.
والجرباء نبز وصل إليهم من أمهم، والعرب لا يزالون يتنابزون بأمثال هذه يقال أنها أصابها (مرض جلدي) فتركها أهلها ورحلوا إلى موطن آخر ثم تعافت فلزمها هذا الاسم. ومن عادة البدوان يتركوا المصاب بالجدري وما ماثله ويرحلوا عنه حتى يبرأ أو يموت تخلصاً من عدواه ويراقبونه من بعيد ويضعون له ما يحتاج من أكل وشرب. وقبيلة أمهم على ما هو معروف، محفوظة وهي من الفضول من طييء (من بني لام).
ومن القبائل القديمة التي سميت باسم أمها حندف، وبجيلة، وقبائل عديدة... وهذه التسمية أما لغرابة في الاسم، أو لنبز كما تقدم. وستمر بنا أمثلتها الكثيرة. وقد اتخذ هذه التسميات بعض أعداء العرب وسيلة للطعن بالأنساب ومن لاحظ تكوّن الأفخاذ، فالعشائر، والعمائر، والقبائل، وحدوث النبز لأدنى علاقة وسبب.. قطع لا وجود للأمومة (الطوتمية) عند العرب... ولا أثر لها في مدوّناتهم، وإذا كان هناك شيء قبل التاريخ لم نشاهد بقاياه...
(1/43)
وهذه التسمية قديمة ترجع إلى أميرهم الأول محمد الذي يدعون به فيقال (آل محمد) والجرباء هذه أم سالم بن محمد المذكور وهو المحفوظ أيضاً ولم يقطعوا في صحة تاريخها لقدم العهد وهؤلاء لم يصح ما كان يشيع عنهم بعض العربان أنهم من الشرفاء ، أو من البرامكة، فعلقت في أذهان بعضهم... ونقل ذلك ابن خلدون في تاريخه وكذبه... فهم من طييء كما قال الحيدري: " وحمائهم من آل محمد من طييء " اه.
ويؤيد هذا ما قاله صاحب مطالع السعود (عثمان بن سند): " وقد سمعته - (بنية) - ينتسب إلى طييء القبيلة المعروفة.. " اه(1) وقد ذكر صاحب (قلب جزيرة العرب(2 " إن الجرباء من قبيلة سنجارة وفرّعها إلى (العامود) و (الجرباء) وبيّن أن من الجرباء آل حريز، والحسنة، والبريج. والمنقول عنهم ان سنجارة قبيلة زوبعية وترجع إلى الحريث من طييء والجرباء من طييء رأساً وأنها من بطونهم القديمة.
3 - عمود نسبهم
هم (آل محمد) كما تقدم. ومحمد رأس عمود نسبهم وأقدم من عرف من أجدادهم ممن لا يزال محفوظاً إلى الآن... ونبدأ في تعريفهم من أحد أجدادهم مجرن بن محسن بن مشعل بن مانع بن سالم بن محمد والملحوظ أن قد ابتلعت بعض الأسماء نظراً لعدم القطع الذي علمته من كثيرين منهم فلم يتمكنوا من الحفظ التام.
* * * وفرحان بن صفوق أولاده كثيرون وهم: 1 - عبد العزيز.
2 - شلال. وهؤلاء أولاد درة.
3 - فيصل.
4 - عبد المحسن.
5 - هايس. أولاد السرحة.
6 - ثويني.
7 - العاصي.
8 - مجول. أولاد جزعة.
9 - جار الله.
10 - مطلك. ويقال له ابن العيط من زوجته بنت نوير العيط.
11 - الحميدي.
12 - زيد.
13 - أحمد. ويقال لهم الباشات (أولاد الجرجرية).
14 - ميزر.
15 - سلطان وهذا ابن بهيمة بنت ابن جشعم ويقال له ابن الجشعمية.
من هؤلاء فيصل والحميدي وأحمد وزيد لا يزالون في قيد الحياة. وان عبد العزيز ترك عجيل الياور وهو (أمير شمر) اليوم وشيخ مشايخهم.
وهؤلاء نقول فيهم ما تيسرت لنا معرفته:
1 - محمد
وهو الجد الأعلى الذي تسمت به فرقة الرؤساء فيقال لهم (آل محمد). ويقال أنهم كانوا سبعة من الأخوة أحدهم (الصديد) وهو جد (الصديد). وآخر هو جد البريج من الخرصة. والباقون ماتوا بلا عقب. ومن هذا يعلم أن (آل محمد) أو من يمتون إلى جد واحد هم هؤلاء.
2 - سالم
وهذا هو المعنيّ بقول شاعرهم:
من دور سالم والشريف محنّا للجاسي ليان
حنّا جما غش العراك نلحكك على طول الزمان ومن هذا البيت يستدل البعض على أنهم من الشرفاء. والظاهر أنه يشير إلى وقعة جرت لسالم مع الشريف المعاصر له، لا باعتباره جداً لهم. وهذا القول للعاصي يقصد أننا من زمن سالم لم ينل مراسنا للقاسي الصعب المراس. وإنما نحن كحشرة العراق ويريدون بها (الأزريجي(1 " نصل إلى غرضنا على طول الزمن وبلا استعجال. هذه الحشرة تقتل الابل على طول الزمن. يقول أننا ننتصر على عدوّنا ولو بعد حين فلا ينجو منا. وهذه حالتنا من زمن سالم. وقرن به الشريف للاشارة إلى وقعة كانت معروفة. والحق أن هذه الاناة والتوأدة أوضح صفة فيهم.
3 - مانع.
4 - مشعل
وهذا يمتون إليه بالنسب الأقرب فيقال لهم آل مشعل. ونخوتهم الأخيرة نشأت من زمنه وهي (حرشة وأنا ابن مشعل) ويقول قائلهم:
مرد على سرد من أولاد مزيد ... حماة الدار لياجاه البلا من ضديده
اليجمع الوكرين بيوكر واحد ... العين توّه تهنّت بي رجيدة
تصافوا الصيداد هم وآل مشعل ... و تبشرت النوك بأيام عيده
يقول شبان من أولاد مزيد على خيل سرد يحمون ديارهم إذا جاءها البلاء من عدوهم. وهؤلاء يجمعون بينهم وبين أقاربهم فيخشى الأعداء سطوتهم وتهاب بطشهم وينامون في رقدة هنيئة من جراء اتفاق آل صديد وآل مشعل فتبشرت النوق بأيام عيدها.
وآل مشعل هم آل محمد والصيداد آل صديد وهم من آل محمد، أو كما قلت سابقاً من اخوة آل محمد رؤساء الصايح على اختلاف في ذلك ويجمعهم مزيد وهو جد أعلى.
5 - محسن.
6 - مجرن.
7 - الجعيري.
8 - الحميدي
(1/44)
وهو والد فارس الجربا. ويعرف ب(الأمسح) لأنه ولد وعينه مسحاء فلم يظهر لها أثر. ويعد من مشاهير شيوخ آل محمد. وقد ترك أولاده ذكراً ذائعاً وهم مطلق وفارس ومن يليهم. وهم ألصق بنا وحوادثهم قريبة منا ولا تزال ترددها التواريخ أو تتناقلها الألسن.
ومن أولاد الحميدي (عمرو) ومنه آل عمرو وأخو فارس... ولا يزال فرعهم معروفاً..
9 - مطلق
يعرف ب(أخو جوزة) وهذا أراد مهادنة الامام ابن سعود(1) ولكن ابنه مسلطاً لم يرضخ لمطالب الامام من زكاة وقص الشعاف (شعر الرأس) وما ماثل. فشوق اباه على القيام في وجه ابن سعود فحاربه. وهذه مبادئ نزوحهم إلى أنحاء العراق ومن بواعث الميل اليه.
وأساساً كانت حكومة العراق أيام المماليك تحرق الارم على الأمير ابن سعود وترغب كثيراً في جلب عشائره لجانبها لتكون أعرف بما عنده...
وقد حكى عثمان بن سند(1) حادثة له مع ابن سعود قال: " وأغار في سنة 1212ه - 1798م سعود بن عبد العزيز بن محمد السعود على بادية العراق وكان مطلق ابن محمد(2) الجرباء نازلاً في بادية العراق. فلما صبحهم سعود فر منهم من فر وثبت من ثبت. فممن ثبت وقاتل جيش سعود مطلق جرباء فكّر على الفرسان مرة بعد أخرى. فكلما كرّ على كتيبة هزمها فحاد عن مطاعنته الشجعان. فعثرت فرسه في شاة فسقط من ظهر فرسه فقتل..
وكان قتله عند سعود من أعظم الفتوح إلا أنه ودّ أسره دون قتله.
هذا. ومطلق من كرام العرب، عريق النجار، شريف النسب، من الشجعان والفرسان الذين لا يمتري بشجاعتهم إنسان. له مواقف يشهد له فيها السنان والقاضب ووقائع اعترف له بالبسالة فيها العدو والصاحب.
وأما كرمه فهو البحر حدث عنه ولا حرج. وأما أخلاقه فألطف من الشمول وأذكى من الخزامى في الارج وأما بيته فكعبة المحتاجين وركن الملتمسين... (إلى أن قال):
يا بحر لا تفخر بمدك واقصر ... عن أن تضارع حاتمياً شمري
ما حل في كفيه مقسوم على ... كل الأنام غنيهم والمعسر
ما ثم مأثرة سمت الاروى ... مرفوعها عنه لسان الاعصر
ففناؤه مأوى طريد خائف ... وحباؤه مغن لضيف معسر
انتهى ما قاله صاحب المطالع.
وأصل هذه الوقعة ان الحكومة العثمانية كانت تلح بازعاج لمحاربة ابن سعود والقضاء على غائلته، فقد كانت تعهدها من أكبر الغوائل في نظرها... فجهزت ثويني شيخ المنتفق قبل هذه الوقعة بسنة (سنة 1211ه - 1797م). خصوصاً بعد ان استولى ابن سعود على الاحساء وفر من وجهه آل عريعر أمراء بني خالد بقبائلهم ملتجئين إلى العراق فاغتنم القوم هذه الفرصة... فلم ينجح بها ثويني وانتصر ابن سعود عليهم وقتل ثويني. فكان ذلك داعية الهجوم على العراق وذلك انه في رمضان هذه السنة (سنة1212ه - 1798م) سار سعود ابن عبد العزيز آل سعود بجيشه وعشائره وأغار على انحاء المنتفق (سوق الشيوخ) فصبح القرية المعروفة ب(أم العباس) وقتل منها كثيرين... وكان الشيخ حمود في البادية فلم يدركه وعاد إلى أطراف نجد، ثم عطف وأغار في سنته على تلك البادية وقصد جهة السماوة وقد علم ان العربان الكثيرة مجتمعة في الأبيض الماء المعروف قرب السماوة فأغار عليها. وبين هذه شمر والضفير وآل بعيج والزقاريط وغيرهم... فكانت الوقعة التي قتل فيها مطلق الجرباء. والتفصيل في تاريخ العراق...
وله أيام منها يوم العدوة: وهذا ماء معروف وهو مزرع لشمر قرب بلد حائل وكان - كما قال الشيخ عثمان بن بشر - قد نهض سعود (سنة 1205ه - 1791م) إلى قبائل مطير وقبائل شمر ولستنفر أهل نجد وقصدهم في تلك الناحية فوقع قتال شديد فانهزمت تلك القبائل وقتل منهم قتلى كثيرة وحصل قوم سعود على غنائم كثيرة...
ثم أعادوا الكرة على جموع سعود وكان مقدمهم مسلط بن مطلق الجرباء وكان قد نذر أن يجشم فرسه صيوان سعود فاراد أن يتم نذره فقتل...
والتفصيل في عنوان المجد.(1) وقال ابن سند: " العدوة: لسعود بن عبد العزيز عليه (على مطلق). وفي ذلك اليوم قتل ابنه مسلط. وكان شجاعاً... طاعن ذلك اليوم حتى كف كل رعيل، وقرى كل ذابل وصقيل.. وأما مطلق فإنه في ذلك اليوم هزم الكتائب وأروى من دم الفرسان كل سنان وقاضب:
قوم إذا حربوا فآساد الشرى ... وإذا هم أعطوا فابحر جود
(1/45)
يا عين إن ماتوا فقد مات الندى ... فعليهم حزناً بدمعك جودي
خاضوا الوغى بصوارم وشياظم ... قب البطون تؤم جيش سعود
فتفرقت منه الكمأة كأنهم ... نقد(2) نوافر من زئير أسود
لاقاهم الأسد الضبارم مطلق ... فتلقوا بشليل قعود
فلما ضاقت على سعود الأوهاد والنجود، خان ابن هذّال(3) فلم يكن لمطلق مجال فنكص على العقب... ونجا هو وبنو عمه فاناخ رحاله في بادية العراق إلى أن اخضر عيشه وراق. " اه(4) وهذه الوقعة تعين تاريخ نزوحهم إلى العراق (سنة 1205ه - 1791م) ثم سار مطلق من العراق إلى سورية وتوجه مع أحمد باشا الجزار إلى الحج فرجع إلى العراق وبقي في بادية العراق وله السلطة الكبيرة والنفوذ العظيم. ولما قتل رثاه ابن سند في قصيدة طويلة... والى المترجم ينسب آل(مطلك) " مطلق " ...
ومنهم الآن سطام بن سميط بن سلطان بن فهد بن مطلك بن الحميدي...؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟10؟ - مسلط(1)
هو ابن مطلق ويلقب بالمحشوش أي الغضوب. وهو شجاع مشهور بالبسالة وتفوق على كثير من القبائل كقبيلة بني خالد وكان رئيسهم ابن حميد آل عريعر وكان قد قال لابن حميد (ولد حمرة حزك) أي انهم يلتمسون الحسن والجمال دون عراقة النسب وطيب الأرومة. وكان قد أبرز لهم أمه وكانت بادية الأنياب مهولة المنظر فقال ان ابي التمس مثل هذه لتلد مثلي.
ومما يحكى عنه ان أمه كانت تخشى بطشه فتحذره. من ذلك انه سألها يوماً أي أشجع، هو أو أبوه؟ فلم تجبه فلما ألحّ عليها قالت له كل منكما شجاع وبعد الالحاح الزائد ذكرت ان أباه أشجع فضربها ضربة كادت تطير بأم رأسها. وكان قد تحارب أبوه مطلق مع إحدى القبائل فقتل له ولدان فحملهما على بعير ومع هذا لم يبال واتصل بأمهما في ذلك اليوم فولدت مسلطاً هذا فصار من تلك العلقة وشاعت أخباره...
وهو مشهور بالكرم. أجرى السمن سواقي وصار يأكله الضيوف مع التمر وقد شاهد كرمه الأعداء والأقارب... توفي قبل أبيه كما أشير إلى ذلك فيما مر.
ويحكى عنه أنه حينما قوى أمر ابن سعود وأمر بجز الشعاف وتأدية الزكاة امتنع أن يتكلم مع أحد وصار يراقب على رجم (تل) يبقى فيه طول النهار وقسماً من الليل فحسبوا أنه عاشق أو مختل العقل فأرسل إليه أبوه أن يأتيه ويطيع أوامر ابن سعود فأبى وضرب عبد ابن سعود. فأدمى جبينه. وحينئذ غضب الأب وتناول سيفه وتقدم إليه قاصداً قتله فقال مسلط:
نطيت راسي مشمخرات العراجيب ... الرحم الطويل النايف المجلح الزي
ونيت ونه ما تهجع بها الذيب ... وأوجس ضلوعي من ضميري تنز
اشجي لاخو جوزة(1) ستر الرعابيب ... الحر عند دار المذلة(2) ينز
ليصار ماناتي سواة الجلاليب(3) ... وكلايع بايماننا نبزي(4)
يريد اعتليت عراقيب عالية وهناك ترى انيني لا يهجع له ذئب ويكاد قلبي يلتهب لها... أشكو لابي صيانه عرضي، والحر لا يرضى بدار الذل والاهانة... ولو منعنا من الغزو، فلا نستطيع ان تكون غنائمنا في تصرفنا.. فما حياتنا حينئذ وما عيشتنا...! وحينئذ أدرك الأب مرامي ولده فاجابه:
اصبر تصبرّ واجمع الخبث للطيب ... وهذي حياة كل ابوها تلز(5)
أخاف من كوم روسها جاليعابيب ... وسيف على غير المفاصل يحز
يقول لابنه ناصحاً له اصبر وتأن في الأمور، واجمع خبثك إلى طيبك، والحياة هذا شأنها، والسياسة ضرورية. وإنما أنا خائف من هؤلاء القوم فيها، وأخشى أن تحز سيوفهم غير المفاصل...!! والمغزى ظاهر، والنصح بيّن ولكن ابنه أبى أن يقيم في دار زعمها دار هو ان له ولم يفكر بابعد من هذا..
فكانت هذه الوقعة على ما يحكى - منشأ الحروب فيما بينهم وبين ابن السعود...
وقد قيل بعض الشعر في ابن السعود وفيه بعض التهجمات تجاه تبدل الحالة الغير المألوفة مما حفظه قصاد شمر وكثير من أفرادهم...
(1/46)
إلا أن هذه كانت أوقات نزاع وحرب وفي مثلها تظهر الخصومات في الشعر والكلام فضلاً عن الأفعال وامتشاق السيف وهز الرماح.. ولكنها لا تلبث أن تزول، فلا تقلل من فضل آل السعود وخدماتهم الجلي لتوحيد القبائل العربية وجمع شمل البدو واتفاق الكلمة مما دعى إلى تمكنها في جزيرة العرب واخلاصها العظيم في حماية العقيدة.
قتل مسلط سنة 1205ه - 1791م كما ذكر اعلاه..
11 - عمرو بن الحميدي
واليه تنسب الفرقة المعروفة ب(آل عمرو) ولا تزال قائمة برأسها.
12 - شلاش بن عمرو
وهذا معلوم عنه الكرم. ويقال له (تل اللحم) إشارة إلى ما يقدمه إلى الضيوف. قتل قرب هور عقرقوف، في محل يقال له (ابو ثوب) وقبره هناك.
13 - فارس آل محمد
جاء هذا ومطلق وسائر اقاربهم وأهليهم إلى أرياف العراق، فرحبت الحكومة بهم. ووقائع شمر في العراق تبتديء في الحقيقة من فارس هذا. وفي زمنه استقرت قدم شمر ونال فارس شهرة فائقة. وكان النفوذ في بغداد لآل الشاوي وقبيلة العبيد التزمت الحكومة فاعتزت بها...
والمحفوظ عن بعضهم ان إبراهيم بك(1) ابن عبد الجليل بك هو الذي جاء بفارس إلى العراق لمصلحة عداء ابن سعود، ولسحق العشائر وما ماثل. والصحيح ما قدمنا، وان إبراهيم بك ينتسب إلى شمر من (الجعفر) الذين منهم آل الرشيد.
وبسبب هذا الرئيس اعني فارساً خضدت شوكة قبيلة العبيد نوعاً بل كادت تمحى لولا أن يتوالى نبوغ رجال مشاهير من آل شاوي يساعدون قبيلتهم العبيد في حين ان هؤلاء البدو لا ناصر لهم غير قوة ساعدهم وتمرّنهم على الحروب والذكاء الفطري في معرفة الوضع السياسي للحكومة فاستغلوا الحالة عن معرفة وخبرة فنالوا مكانتهم الممتازة لدى ولاة بغداد. وكانت الحكومة ترغب في إمالة قبيلة عظيمة مثل هذه اليها واستخدامها على العبيد والقبائل الأخرى وكانت تخشى بطشهم وترهب سطوتهم.. وهي أيضاً في حاجة لمعرفة ما يجري في جزيرة العرب وهذا ما كانت تنويه في بادئ الأمر ثم التفتت إلى الأوضاع الأخرى في حينها... أو أنها نظرت للأمرين معاً.
وكل آمالها مصروفة إلى محو البعض بالبعض تأميناً لحاكميتها وتأييداً لسلطتها وقهرها للأهلين. ولذا قامت بعد ذلك بوقائع تؤكد نواياها وتبين وضعها وسائر مطالبها وأغراضها نحو الأهلين.(2) وأول ما رأته الحكومة من فارس الجرباء - عدا ما ذكر - وهو ما حدث سنة 1213ه - 1798م زمن الوالي سليمان باشا الكبير فانها أرادت الوقيعة بابن سعود فجمعت كل ما استطاعته من قوة عشائرية وعسكرية فكان فارس الجرباء بعشائره وكذا شيخ المنتفق بمن معه من قبائل ومحمد بك الشاوي وجماعات كثيرة جعلهم الوزير تحت قيادة علي باشا الكتخدا. إلا ان هذا لم يكن عارفاً بالأمور الحربية ولم يسمع نصائح اكابر رجاله من رؤساء القبائل المتمرنين على حرب أمثال هذه خصوصاً الجرباء. وفي هذه الوقعة لم يسجل التاريخ سوى غارة على قبيلة السُبيع(1) فغنم منهم ابلاً وشاءاً. وفي هذه الغارة كان فارس وابن أخيه بُنَيّة بن قُرينس غنموا ما غنموا وقتلوا من قتلوا من قبيلة السبيع وعادوا ولكن الكتخدا خذل في هذه الحروب وخسرت الحكومة خسائر فادحة لا تقدر ولولا العشائر معه لدمّر شر تدمير. فانتهت بالصلح الظاهر والمغلوبية الحقيقية التامة...(2) وقد أوضحت هذه في موطنها من تاريخ العراق.
وفي عام 1216ه - 1801م أغارت سرايا من أهل نجد على العراق فأرسل الكتخدا علي باشا لمقاتلتهم محمد بك الشاوي وفارس الجرباء ومعهما عسكر الوزير فوجدوا القوم قد تحصنوا بالرواحل وشمروا عن ساق الحرب بالبنادق والمناصل فأحجم من أرسله الكتخدا ورأوا ذلك أحمد فرجعوا إلى شفاثى (عين التمر) كارهين النزال فأنّبهم ابن سند في تاريخه بقوله:
رأوا البيض مصلتات فظنوا ... أنها أنؤر بليل تشب
فانثنوا يهرعون عنها فهلا ... وردوها وبالشياظم خبوا
انكوصاً عن أن تراق نفوس ... بسيوف على الرؤوس تصب
(1/47)
هذا ولم يعلم ابن سند ان المخاطرة بلا أمل نصرة شطط وكان الجيش منهوك القوى فصادف على حين غرة أناساً مستريحين وقد عقلوا ابلهم وصاروا ينتظرون الحرب بهدوء وراحة فكف الجيش عن قتالهم ومال إلى جانب للأسباب المذكورة ولأحوال حربية... والظاهر أنهم أرادوا أن يسحبوا عدوّهم بحيلة حربية فيعقبوا أثرهم فلم يحصل مطلوبهم ولم يفلحوا. فانقضت الوقعة بسلام...
ولم يقف فارس الجرباء وقومه عند هذا الحد بل ازداد نفوذهم فإنهم أزاحوا العبيد وغيرهم وتمكنوا في مواطنهم، جاءوا بين النهرين - الجزيرة - في باديء الأمر بقصد أن يردوا المواطن وبعد ذلك جاءهم فارس بقوم كثيرين فوقعت بعض الحروب المؤلمة...
ومما تناقلته الألسن أنه حين ورود فارس الجزيرة دعا رؤساء القبائل المجاورة وقدم لهم منسفاً كبيراً جداً (جفنة) فيه الطعام الكثير وفي أطرافه سكاكين مربوطة بأمراس لقطع اللحوم، فاستعظموا ما رأوا وحسبوا الحساب لما وراءه وكان بين المدعوين رؤساء العبيد والجبور. وإن رئيس قبائل الجبور أبى أن يأكل بحجة أنه صائم لئلا يمنعه الملح والزاد من أن يوقع بهذا الرئيس أو يغدر به وشاور أصحابه فيما أضمر له في أن يقتلوه فيأمنوا شره قبل أن يتوارد إليه قومه ويعظم أمرهم. فلم يوافقه سائر الرؤساء لأنه نزيل ولأنه لم يأت محارباً فاضطر إلى العدول عن رأيه...
ومن ثم تواردت شمر حتى عظم أمرها، واحتلت الجزيرة، فدفعت هذه القبائل إلى أنحاء مختلفة، فمالت قبيلة العبيد إلى الحويجة، وأزاحت البيات إلى أماكنهم الحالية. وهكذا جرى على الجبور فتفرقوا...
وفي هذه كان الايعاز من الحكومة فأغرت على هذه القبيلة، وقد صور ابن سند مكانة فارس آنئذ فقال: " كانت لفارس وابن أخيه بنية أيام الوزير علي باشا أبهة عظيمة وصدارة " اه.(1) فتقلص ظل العبيد وكاد يمحى فعبروا إلى الحويجة. ولا يزالون بها إلى الآن وان رؤساء القبيلتين يذكرون هذه الوقائع التي ولدتها السياسة واستغلت القدرة من أحد الجانبين للوقيعة بالآخر. وما ذلك إلا نكاية بآل الشاوي.
ولكن الحكومة لم تر من شمر النتائج التي كانت تأملها فرأتهم أصعب مراساً ولم يكونوا تابعين لكل أمر..
وكانت وقيعة الوالي علي باشا بمحمد وعبد العزيز آل الشاوي حدثت في أوائل حكومته، كان قد ذهب بنفسه إلى سنجار. وبعد أن رحل غضب عليهما فخنقهما سنة 1218ه - 1803م وحينئذ قدم فارس الجرباء وابن اخيه بنية المذكورين فمحا بيت الشاوي وناصر رؤساء (شمر).(2) ومن هؤلاء فرع لا يزال معروفاً ب(آل فارس). ومنهم مجول بن محمد الفارس...
14 - قُرينص
ويلفظ كرينص كما هو عادة تلفظ البدو والحضر. وقد ضبطه ابن سند بضم القاف وفتح الراء فياء ساكنة فنون مكسورة فصاد ولم يذكر له من الوقائع شيئاً مهماً.
15 - بنية.
هذا هو ابن قرينص. ويقال له الأشمل أي أنه يزاول أعماله وحوبه بيده اليسرى (شماله) ويقال لفرسه (الجنيدية) نوع من الخيل معروفة وضبطه ابن سند بضم الموحدة وفتح النون وتشديد الياء ويليها هاء التأنيث. من فرسان العرب وكرمائهم كانت له كعمّه فارس أيام الوزير علي باشا أبهة عظيمة وصدارة. أما كرمه فهو الغيث بل البحر الخضم. وأما منع الجار.. فهو منه في الذروة والناس إنما يحذون حذوه..
وأما النسب فهو من بيوتات العرب:
تنميه للشرف العالي بنو ثعل(1) ... أسد الشرى وسراة القادة الأول
النازلون من البيداء فوق ربا ... والشائدون بيوت العز بالأسل
الناحر وجزر الأضياف نحرهم ... أسد العرين بما سلوا من النصل
والمانعو الجار بالأسياف لامعة ... بين الخميسين والعسالة الذبل
(1/48)
وبنية هذا عبر من الجزيرة لغربي الفرات عندما تولى وزارة بغداد سعيد باشا لما بين عمه فارس وآل العبيد من الضغائن لاسيما اميرهم قاسم بن محمد الشاوي. وقد كان سعيد باشا ولي زمام اموره لقاسم فلما بين فارس وقاسم المذكور لم يستقر بنية في الجزيرة فنزل بعشيرته على خزاعة في سنة 1231ه - 1816م ليكتال ومن ثم حدثت المعركة التالية وذلك: ان شيخ الرولة من عنزة المعروف بالدريعي أرسل إلى حمود بن ثامر شيخ المنتفق فاستنفره فنفر بفرسان عشيرته لمساعدة الدريعي لما بينهما من الائتلاف. وكذلك خرج عسكر الوزير سعيد باشا وهم عقيل وكبيرهم قاسم الشاوي فقامت الحرب على ساق وقائد شمر بنية وهذا ما كر على جناح أو قلب إلا هزمه حتى تحامته الفرسان فقدر الله عليه في بعض كراته أن أصابته رمية بندقية فخر من صهوة فرسه قتيلاً.(1) ثم قال صاحب المطلع أيضاً: ولما لبنية من المكارم والشجاعة وارتفاع الصيط وللمودة بيني وبينه رثيته ارتجالا...(2) وذكر قصيدة طويلة مطلعها:
قضى فلدمعي في الخدود سفوح ... هزبر عليه المشرفي ينوح
أغر كريم النسبتين من الأولى ... فخارهم كالنيرين يلوح
وجاء في عنوان المجد في تاريخ نجد أنه كان لحقه فارسان فلما أحس بهم أو أنهم دعوه للمبارزة جذب عنان جواده جذبة منكرة ليجرفه عليهم فرفعت الفرس رأسها ويديها وسقطت على ظهرها إلى الأرض وهو فوقها فصار تحت السرج والفرس فوقه فأدرك وقتل(3). وكان عمه فارس معه في هذه الوقعة.
وأما أثر قتلته هذه فكان كبيراً وله وقع في نفوسهم.
ومما قاله ابن عجاج في وقعة المنتفق هذه مقابل انتصارهم الأول على آل الشاوي يخاطب شيخ المنتفق ويذمه على افتخاره في قتلة بنية. وكان هارباً من آل محمد ونزيلاً عند المنتفق. ينقلون أنه قال:
خذلت شيخ دوم يخذلك ... وعطيت له حبل الشرك وثم كفيت
تسعين راس من كومك غدت لك ... وشعاد يا خصّاي الدياج سويت
يرمي البدوي قبائل المنتفق في خصي الديكة وهذا ما يتهمهم به ويعده أمراً معيباً... ويقول خذلت شيخاً كان يخذلك دوماً وقد قتل تسعين من قومك فماذا فعلت...؟! وعلى كل حال كانت وقائعه مشهورة. ولكن نهضة آل الشاوي للمرة الثانية مما ضعفت من عزمه فتألب القوم عليه وحارب حتى قتل بمناصرة من الحكومة والمنتفق وعنزة.. وإن عمه كان ولا يزال حياً ومعه في هذه الوقعة..
وقد مضت مدة حتى استعادوا مكانتهم أيام داود باشا وبهم استعانت الحكومة وبغيرهم من العشائر على حرب العجم في أيام الشيخ صفوق (صفوك) ابن فارس وهذه المغلوبية التي أصابت بنية لم تؤثر على قبائل شمر وإنما هي حرب مبارزة ولم تكن حرباً حاسمة..
16 - صفوق(1)
وهذا أشهر من نار على علم وقد لقبته الحكومة بلقب (سلطان البر) سنة 1249ه - (1835م)(2)، خلف بنية ابن عمه في مكانته ونال حظوة لدى الحكومة ايام داود باشا الوزير.
هذا وتكاثرت المدونات في أيامه أو أن الذي وصلنا أكثر لقرب العهد. ويمتاز بالممارسة على الحروب أكثر ممن سبقه، وتدابيره في سوق الجيش مهمة. ولا ينكر لأمثال هؤلاء أن ينبغوا في أمر الحروب وقد ذاقوا حلوها ومرّها ونالوا منها الامرّين واعتادوها. فالفطرة السليمة، وعيشة البادية، والرياسة، والتمرن الزائد في أمر الحروب، والذكاء المفرط، مما يعوض نوعاً عن التجارب الفنية خصوصاً إذا كانت ترافقه رباطة جأش، وصبر على المكاره، وانتباه قد يحصل ببضع وقائع محفوظة مع الحالة العملية، فيعوض عن دراسات عديدة، وقضاياهم لا تحتاج إلى ما يحتاج اليه في الحروب المنظمة...
وإذا كان المرء مشبوعاً بحب الحروب ومائلاً إليها بكليته، وبيئته مساعدة للقيام بأمرها دائماً، أو مراعاة ما يعوض عنها من مطاردة الصيد أيام السلم، فهناك حدّث عن الشجاعة، وعن الخطط الحربية، والتدابير الصائبة ولا حرج. ولو دوّنت وقائعهم التي يقصونها، والوسائل التي يتخذونها لتنفيذ خططهم لهال الامر أو لحصل الاذعان في الكفاءة لهم والمقدرة.
ومن المؤسف أن تصرف الهمم لأمثال هذه الأمور في غزو بعضهم البعض وكل واحد نراه ماهراً فيما زاوله. والخطر والصعوبة في أن ينال الواحد من الآخر حظه...
(1/49)
ومترجمنا هذا يعد في طليعة شجعان العرب وأكابر قوادهم ولو وجد له تربة صالحة وبيئة مناسبة لظهر أعظم.
وقعته مع العجم: وقد قال صاحب المطالع في حوادث سنة 1238ه - 1823م عن وقعة العجم التي حدثت سنة 1237ه - 1822م: " أخبرني ثقات عدة أن صفوقاً غزا ابن الشاه وعبر ديالى بفوارس من عشيرته إلى ان كان من عسكر ابن الشاه بمرأى فركب فرسان العسكر لما رأوه وكرّوا عليه فاستطردهم حتى عبروا ديالى وبعدوا عنها فعطف هو ومن معه من عشيرته ومن الروم عليهم فادبرت فرسان العجم وقفاهم فوارس شمر وقتلوا منهم من ادركوا وأتوا بخيلهم وسلبهم... وأخبرني غير واحد أن هذه غير الأولى التي ذكرها المؤرخ التركي. " اه.(1) والمحفوظ في هذه الوقعة انها كانت بالاشتراك مع قبيلة العزة وأنهم أبلوا فيها البلاء العظيم فتكاتفوا على عدوهم وعولوا على أنفسهم ولا ناصر لهم من جيش الروم (الترك العثمانيين) واذا كان معهم من عقيل بعض افراد فلا تعطف لهم أهمية...
وشمر هؤلاء في حروبهم يهارشون المقابل ويطمعونه في النصرة دون غلبة قطعية حتى يأتوا إلى مجال الطراد وموطن العطفة - كما عبر ابن سند - فيعودوا الكرة على عدوّهم. ولذا يسمون أهل (العادة) وهكذا فعل صفوق في ترتيب خطته ونجاحها وهم أكثر تعوداً لها وأساساً من صغره يزاولها.
وتفصيل الوقعة في تاريخ العراق بين احتلالين.
وقد مدح ابن سند وقعته هذه مع العجم ومؤازرته للوزير وبيّن أنه كان قائد الجيش ومعه العشائر حتى قال: " ولما نصر صفوق هذا الوزير... أقطعه عانة وما يتبعها من القرى فنال منزلته عند الوزير فعادى أعداءه ووالى أوليائه...
وأما كرم صفوق فمما سارت به الأمثال وأقرت به الأمثال... " اه(2) ولصفوق هذا مع قبائل عنزة وقائع أشهرها:
1 - يوم بصّالة. وهو يوم انتصر فيه شمر على عنزة سنة
1238ه - 1823م...
2 - في السنة التالية انتصرت عنزة عليهم وهي عام 1239ه - 1824م.
وفي هذه الوقعة الأخيرة انكسرت شمر فشد الوزير عضد كبيرهم صفوق... كذا قال ابن سند. ولا محل للتفصيل هنا.
وعلى كل حال ان كسرة شمر هذه المرة لم تكن القاضية وإنما هي على عادة العرب في قولهم (الحرب سجال). ولذا لم تتركهم الحكومة وإنما أخذت بيدهم فاستعادوا مكانتهم الأولى فقاموا بمهماتهم الحربية مع العشائر المناوأة.
وكان للحكومة من العشائر ما هم بمنزلة جيش متأهب للطوارئ وحاضر للكفاح والاستنفار...
وحوادث صفوق الأخرى من هذا النوع. ومنها ما يتعلق بالقبائل الشمرية ولكن حادثة سنة 1249ه - 1833م تدل على انه بقى على ولاء داود باشا الوزير وكره حكومة علي رضا باشا اللاز فلم يذعن له.
وذلك ان والي الموصل يحيى باشا كان أيضاً على رأي الشيخ صفوق الفارس وكانت بينهما مراسلات. حث صفوقاً على القيام فناوأ الحكومة وتمكن من قطع الطريق بين بغداد والموصل وصار يتجول بين النهرين فجمع قوة كبرى وجاء إلى قرب الامام موسى الكاظم فحارب علي رضا باشا الوالي وجيش الحكومة وأمله كبير في أن ينكل بالقوة التي أمامه ويستولي على بغداد فكان لهذا الحادث وقع عظيم في نفس الحكومة... وفي نتيجة هذه الحرب اضطر الشيخ صفوق على الانسحاب وترك الأثقال...(1) ولما أطلعت الحكومة على نوايا والي الموصل عزلته وعينت مكانه سعيد باشا الوالي السابق وكان في بغداد.(2) إن الحكومة بعد وقعة صفوق هذه مع علي رضا باشا اللاز قد احتالت فقبضت عليه وأبعدته إلى الأستانة ومعه ابنه فرحان باشا وكان صغيراً تعلم التركية خلال بقاء والده هناك. وكانت المدة التي قضاها ثلاث سنوات.
(1/50)
ومن غريب ما يحكى عنه أنه جاء إلى السلطان بتوسط الشريف عبد المطلب فدخل عليه وعندئذ صار ينظر يميناً وشمالاً. وهذا ما دعا ان يغضب عليه السلطان مرة أخرى ويطرده من عنده ولم يدر السبب في حين انه كان يأمل أن يكرمه. ذلك لما رآه السلطان منه من سوء الأدب... هكذا كان يظن السلطان فيه ولم يدر انه بدوي، وأمثاله لا يعرفون مراسم التشريفات.. والحكومة أساساً لا تعرف تقاليد العرب وعاداتها فلا يستغرب من السلطان ان يعتقد فيه ما اعتقد وهو بعيد عن البداوة، ولم يتعود التجول، ولا السياحات الوطنية على الأقل... ولا بيده من كتب العشائر ما يبصره باوضاعهم... وقد رأينا من المغفور له الملك فيصل صبراً عظيماً من جفاء العشائر وخشونتها وهو يسمع جميع هوساتها... ويتلقاها بكل سعة صدر وارتياح، لانه عارف بهم وبضروب طباعهم واحوالهم.
ثم انه توسط له الشريف مرة ثانية في الدخول فوافق السلطان. ولكنه حينما جاء إلى الصدر الاعظم صار يوصيه بمراعاة المراسم اللائقة وان لا يرفع بصره ولا يلتفت إلى جهاته... فقال لا ادخل، ولا فائدة لي من ذلك الدخول وحينئذ ارجح البقاء لأني سوف أذهب إلى قبائلي واحدثهم اني رأيت السلطان وشاهدت بلاطه وما فيه من كذا وكذا... ولو قلت لهم اني خرجت كما دخلت فلم أنظر شيئاً فحينئذ لا يصدقونني بل يكذبونني وقالوا لا نصدق انك دخلت..
فاوصل خبر ذلك إلى السلطان فاستانس بما قصه. وسمح له ان يدخل واذن السلطان له بمشاهدته وان يتفرج على الأماكن الأخرى والنظارات (الوزارات) وكل المباني البديعة، والقصور الفخمة والآثار..(1) عفا عنه السلطان، واختبر هو الوضع من جهة، ومن أخرى ان قبيلته معتادة الغزو والنهب ولا يمكن تعيين أي السببين قد دعا لقيامه على الحكومة مرة أخرى زمن الوالي نجيب باشا.(2) ويقال في هذه المرة لم تعلن الحكومة مطاردته وانما اتخذت طريق المسالمة والحيلة للقبض عليه وأرسلت اليه رؤساء القبائل المشهورين لتقريبه من الصلح والانقياد والطاعة، فجاءوا به كمطيع، مسالم لها ومنقاد. فلما وصل إلى هور عقرقوف وقارب بغداد سلّ محمد بك سيفه عليه وضربه فقتله غدراً وعلى غفلة منه...
وجاء في تاريخ لطفي: محمود بك والصحيح محمد بك ابن محمد بك. مات ابوه وهو في بطن أمه فسمي باسمه، وانه من آل سيد بطال المشهور عند الترك وبيد ابنه حسين فرمان ينطق بذلك فقد كان اولاً باشبوغ في ايام الهايتة، وانه عين إلى العونية برتبة ميرالاي عند تأليف العساكر النظامية، وان ختمه كان (بنده صمد السيد محمد). توفي حوالي سنة 1306ه - 1889م ودفن في الشيخ معروف وأولاده احمد توفي صغيراً، وعلي توفي بلا عقب، وحسين ولد سنة 1298ه - 1881م تقريباً ولا يزال حياً ومنه علمت بعض الايضاح عن والده بالوجه المذكور...
وكان محمد بك شاباً حين الوقيعة ومن ثم سمي ب(كنج أغا) لاكتسابه هذا المنصب شاباً.
وكان الشيخ صفوق قد قضى أكثر ايامه بالحروب فهو متمرن عليها، ولا يستريح بدونها. وقصصه أشبه بقصص الابطال القدماء وحروبهم، ومجالس شمر لا تخلو في وقت من ذكريات بسالته، والتغني بمآثره ومناقب شجاعته..
واليوم بيت الرياسة العامة على شمر في (آل صفوق).
قيل كان قتل صفوق على يد الأتراك بالوجه المذكور سنة 1840 - 1841م كما جاء في كتاب عشائر سورية وفيه نظر. لأن وقائعه مع علي رضا باشا بعد هذا التاريخ... كما رأيت... ومن أولاده: فرحان، وعبد الكريم، وعبد الرزاق وفارس (والد مشعل باشا).
وممن رثاه ردهان بن عنكة قال:
ونيت وانا من غفيله ... ونة عجوز وكفت بالمتاريس
لكت ولدها غادي مع حليله ... وعكب الطرب بدلت بالهداريس
واويل كيل صفوك واطول ويله ... ويل يموّس بسرة الكلب تمويس
من غبت عنا يا ابن أخي سبيله ... غاب السعد عن نزلنا والنواميس
ونجفل جفيل الصيد ونرتع رتيعه ... وصرنا مثل فرج المواعز بلا تيس
(1/51)
أنت وانا من غفيلة أنة عجوز وقفت بالمتاريس وقد وجدت ابنها قد ذهب وحليلته معه فابدلوا الطرب بالهلاك. ويلى على قالة صفوق ويا طول ويلي عليه، فاجد سرة قلبي تتقطع تقطيعاً حزناً عليه، وألماً لمصابه... ولما غبت عنا يا ابن أخي سبيلة ذهب السعد عن ديارنا والذكريات المشرفة، وصرنا نجفل جفلة الصيد ونرتع رتيعه خائفين وجلين، ونحن كقطيع المعز لا رئيس لنا...
ولم نتمكن من ايراد جميع ما قيل فيه من المدح في حياته. فان ذلك يحتاج إلى سعة زائدة والى طول اقامة في البادية. وقد كتبنا ما حضرنا من محفوظات البدو وغاية ما يقال فيه انه خلد صيتاً مقروناً بالكرم والشجاعة والعز، واعاد للعرب مجد شجعانهم الأقدمين وطيب اخبارهم.
17 - فرحان باشا
هذا ابن صفوق. وكانت وجاهته عند الحكومة رفيعة. ولم يقع له من الحوادث ما يكدر صفو الأمن ولا عرفت منه معارضة للحكومة. وان الحكومة العثمانية انعمت عليه برتبة باشا وكان قد ذهب مع ابيه صفوق مبعداً إلى الأستانة كما ذكر. والمعروف عند البدو انه صاحب بخت (حظ). ويدعو البدو دائماً ببخته فيقال (يا بخت فرحان).
وكانت مشيخته وعلاقته ببغداد. وله راتب منها وهو في خدمتها للأمور المدلهمة...
نعم انه سالم الحكومة. ولذا راعت جانبه ورضيت عنه. وكان يساعد الحكومة اذا كان قريباً منها أو أخوه عبد الكريم اذا كان الحادث قريباً من ارفه...
وقد ترك فرحان باشا اولاداً كثيرين وقد بينّاهم عند ذكر سلسلة بيتهم.
18 - عبد الكريم
وهذا ابن الشيخ صفوق. اشتهر اسمه ونال مكانة معروفة وكانت مشيخته في ارفة وله راتب. وهو أخو فرحان باشا. ويعرف (بالشيخ) فالقبيلة تعرف هذا شيخها فسمي أولاده (بالشيوخ) وقد شنق سنة 1868م بعد ان احاق بالموصل خطراً... وقد اتخذت الحكومة التدابير للوقيعة به بعين ما قامت به في حادث صفوق او قريب منه...
وهذا ترك محمداً، وعبد المحسن، وصفوقاً ولهؤلاء أولاد.
ومما قيل في عبد الكريم:
عبد الكريم اليارجب يعبوبه ... ليجن رجله عند الكفا عايبه
جده من امه من موارث حاتم ... وابوه شيال الحمول النوايبه
حامي الرمك معطي الرمك ... له هدة تكثر بها الجنايبه
لو يكضب الياكوت ما عيابه ... تلكى الندى بين الحاجبين رايبه
يقول: كأن عبد الكريم قد عيبت رجله حينما نراه راكباً جواده، وجده لامه من ذرية حاتم وابوه القائم بالاعباء الثقيلة، حامي الخيل، ومعطي الصواهل، وان هدّته (صولته) تكثر فيها الجنائب (الغنائم)، ولو امسك على الياقوت لما حرص عليه، وتجد الكرم معتاده...
ومما قاله فجمان الفراوي من المطير في عبد الكريم:
نبي ناخذ على الهجن سجه ... من بين أبو بندر وبين الامام
ونبي ناخذ على الهجن هجه ... لديار سمحين الوجيه الاكرام
ترى الكرم ما به عجه ولجه ... ولا أحد يغالطهم جنوب وشامي
مكابل الجربان فرض وحجه ... هل السيوف اللي تكص العظام
قال نريد نأخذ شوطاً على الهجن (الابل) بين ابي بندر وبين ابن سعود الامام، ونبغي نمضي بهن غارة ملحاحة إلى ديار سمحي الوجوه الكرماء. اعلم ان ملاقاة الجربان (آل محمد) فرض وحجة، وهم اصحاب السيوف التي تقطع العظم..
وان ولده فارساً عاش أيضاً مسالماً للحكومة ومراعياً جانبها وهو شيخ شمر في انحاء سورية، صاحب مقام رفيع هناك. وممن جمع صفات الرجولة والدهاء وحفظ الوقائع الماضية وعلاقة القبائل الأخرى بهم ولكنه دائماً يود ان يظهر علو قبيلته على سائر القبائل...
؟19 - فارس
هو ابن صفوق(1) ووالد مشعل باشا. كان قد جاء عالي بك والي طربزون السابق ومدير الديون العمومية بسياحة رسمية إلى بغداد دوّنها في كتابه المسمى (سياحت زورنالي)(2) المحرر باللغة التركية والمطبوع عام 1314ه - 1897م كان قد كتبه كرحلة عن سنة 1300ه - 1883م إلى سنة 1304ه - 1887م مبيناً ما رآه في طريقه من الأستانة إلى بغداد فالهند(3). قال:
(1/52)
" قد ذهبت لمواجهة الشيخ فارس الجرباء - بعد مروره من ماردين - فاستقبلنا ابنه محمد (ومحمد هذا ليس ابنه وانما هو ابن اخيه عبد الكريم) وادخلنا خيمته. وهي من شعر وطولها من 60 إلى 70 ذراعاً وعرضها من 25 إلى 30 ولها عمد كثيرة وهي جسيمة جداً. (وقد وصف بيوتهم وطعامهم وقهوتهم(4) ومجلسهم ولكنه لم يعرف العربية أو أن المجلس كانت فيه الرسمية غالبة لم يتحدث القوم في مطالب لينبه عليها الا انه قال): وفي مجلس الشيخ فارس نحو 60 من الرؤساء وقال: لم يكن عند العرب هناك ما يدعو للتكريم والمراسم للقيام والقعود. فلا نشاهد قياماً لديهم (والظاهر ان السياح الموما اليه لم يعلم ان الجالس معه لا يوجد أكبر منه ليقوم له. وطبعاً تستولي الحشمة على مجلسه خصوصاً انهم رأوا غريباً عند شيخهم او بالتعبير الصحيح اميرهم) وقال: كان بعضهم يتعاطى شرب النارجيلة، والأصوات بينهم تعلو ويتكلمون جميعهم معاً فيكثر اللغط في معاشرتهم (لم يعرف الحرية عند البدو ولا قدر سلطة الرؤساء وانها محدودة إلا بحق) ثم تغدى ووصف المنسف المقدّم له وان الشيخ كان يدعو جماعات بعد اخرى للأكل إلى ان بقي منه القليل فدعا الصبيان. وهؤلاء دخلوا نفس المنسف وأكلوا فيه لأن أيديهم لا تصله نظراً لعظمه. ولما رأى المنسف وعظمه وانه مملوء ارزاً ولحماً اخذته الحيرة وصار ينظر في وجه صاحبه كأنه يشير إلى عظمته. وقال: ان الشيخ فارساً كنا قد ألححنا عليه فأبى أن يأكل معنا وقال هكذا اعتدنا حتى انه مما دعا لحيرتهم انه بقي واقفاً طول جلوسهم للأكل وبقي في خدمتهم بنفسه شأن العرب مع الضيف العزيز. ولكن لما رأى الاصرار الواقع منه دعا من يأكل معه من الحاضرين نحو 7أو 8 قال أكلوا معنا بالخمس.! ثم يقول وبعد ان ودعنا ومضينا راجعين من عنده لمسافة جاءنا ابنه (ابن اخيه) محمد وقدم لنا حصاناً. وكنا قدمنا له بندقية... ولما كنا اكرمناه البندقية قبلنا هديته هذه بشكر " .اه ملخصاً.
وهذا هو والد الشيخ مشعل باشا. ومن قول هذا السياح التركي وما رآه من الحاج الشيخ فارس وتقديم الطعام له واكرامه بفرس عربي ووصف مقامه تعرف مكانة سائر شيوخ شمر.
وللشيخ فارس هذا - عدا مشعل باشا - من الأولاد ملحم، ومسلط والحميدي.
20 - فيصل بن فرحان باشا
قد شاهدته مراراً ولا يزال قوياً بالرغم من أنه طاعن بالسن. وهذا لم اتمكن ان اعرف منه أكثر من حوادث الغزو. فاذا تجاوزت ذلك يقول لي اسأل عجيلاً (الشيخ عجيل الياور ابن اخيه) وكانت حكاياته عن الغزو لاذة ومنعشة. وكان يقول شيخ الربيعين في العراق (مبرد بن سوكي) عن فيصل انه فوق ما يحدّث. وأغرب ما سمعته منه قصة الخنزير الذي اراد ان يقتل اخاه عبد العزيز (والد الشيخ عجيل) وكانا صغيرين فذهب لمعاونته وتخليصه ولكنه وقع معه في مأزق فلم يستطع الخلاص منه ولم يجرأ اخوه ان يساعده.. وذلك انه قبض على ذنبه من جانب فلم يستطع ان يفلته خوفاً منه وصار يدور معه فلم يقدر على النجاة. ثم تمكن عبد العزيز من هذا الخنزير فضربه بطلقة بشتاوه (يقال لها عندنا فرد وهي من نوع بندقية البارود الا انه صغير كالمسدس ولا يحوي الا طلقة واحدة في الأغلب. ويوضع في حزام المرء او في بيت خاص كبيت المسدس بلا فرق).
أما غزواته وأخباره في حروبه فهذه كثيرة جداً. وأهم ما فيها ما ناله منها عناء وجروح وأسر أو هزيمة.
ولسان حاله ينشد:
فأبت إلى فهم ولم أك آيباً ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
ولا يسع المقام الإطالة في هذه. وإلا فانها تشكل سمراً. وكل حكايات شجعان البدو من هذا القبيل ولا تخلو من غرابة ودقة..
وللشيخ المشار اليه اولاد ملؤهم الذكاء والشجاعة والروح العالية منهم مشعان.
21 - الحميدي
وهذا ابن فرحان باشا. كان قد درس في مدرسة العشائر في الأستانة. وهو اليوم يتجاوز الخمسين من عمره، مشهور بالصلاح، سلفي العقيدة، ملازم قراءة القرآن الكريم، وصحيح النجاري وكتب الحديث المعتبرة... فهو من الأخيار الطيبين.
وفي سنة 1353ه - 1935م صار نائباً. وقد شاهدت له ابناً صغيراً وقد حادثته وسألته عن الأمسح فكان يفسره لي فاستأذنت لشرحه... وفيه روح بدوية، ويؤمل فيه كل خير...
(1/53)
والحميدي ينهزم من ذكر عنعنات القبائل، وتقاليدهم لاعتقاده انها مخالفة للشرع الشريف. ولا يحب الفخر بالأجداد. وكلما حاولت استطلاع رأيه في بعض الأمور كان جوابه مختصراً وبقدر الحاجة...
22 - زيد
شاهدته مراراً. وله اختلاط وألفة مع العشائر المجاورة ومعرفة بأفرادهم وهو يحفظ بعض القصائد. وله خبرة نوعاً بأحوال شمر...
23 - أحمد
شاهدته. وكان اجتماعي به قليلاً جداً فلم أتمكن من محادثته لأزن مقدرته وهو اشبه باخيه زيد.
24 - العاصي
من مشاهير أولاد فرحان والمحفوظ عنه ما قاله في ابنه الهادي والد دهام المعروف اليوم:
يا صكرة ربيتها من عكب أخو شاهه(1) فساد ... بوه الحميدي والدويش واعضيب خال امه وكاد
يقول ان الصقر الذي ربيته بعد أخي شاهه (الهادي) فساد فلا يصلح. لعدم وجود مثيل للهادي يصطاد به... وهو يمت إلى الحميدي، والدويش وان عضيباً هو خال أمه بتأكيد ويريد انه من جهة أبيه وأمه وأخواله وأخوال أبيه رئيس وابن رؤساء فهو عريق في الشرف...
25 - عجيل الياور
هو اليوم شيخ مشايخ شمر في العراق، وابن عبد العزيز بن فرحان باشا وأكثر معلوماتي عن قبائل شمر اقتبستها منه رأساً أو بالواسطة ومن مبرد بن سوكي وبعض شيوخ شمر المشاهير ممن يعتمد عليهم. شاهدته امرءاً منطقياً، عاقلاً، كاملاً، حسن المعاشرة من كل وجه، وقد اتصلت به كثيراً، فلم أعثر على ما يمل منه وانما هناك لين الجانب، ودماثة الأخلاق، وحسن المنطق، وقوة البيان، وصدق اللهجة، وان القلم ليعجز ان يذكر كافة مزاياه. ومجمل ما يسعني ان أقوله أنه جامع لصفات العرب النبيلة.
ولا أنسى محادثاته عن القبائل وعن عرفها وتوجيهه لبعض الوقائع والأحكام البدوية مما لم أجده عند غيره، ولا يعثر عليه لدى أكثر العوارف الذين شاهدتهم...
أولاد صفوق الآخرون: لم نعثر على وقائع مهمة عن أولاده الآخرين سوى ان عبد الرزاق وقعت له معركة مع الأتراك. وأما فرحان وفارس فقد كانت علائقهما مع الحكومة العثمانية حسنة جداً، وحصلا على رتبة (باشا)، وتمكناً ما ناله أجدادهما من السلطة والنفوذ على قبائلهم فغطت شهرتها على الباقين من سائر رؤساء شمر. فلا نطيل القول بذكر تفرعاتهم.
4 - الرياسة الحاضرة في شمر
كانت قبائل شمر تتجول في جزيرة العرب وما بين النهرين بلا معارض ولا منازع سوى ما يحدث من جراء اختلاف القبائل بعضها مع بعض أو مع الحكومة أحياناً...
وبعد احتلال العراق من الجيش البريطاني (سنة1917م) وسورية من الجيش الافرنسي استقل كل فريق من شمر في جهته وعهدت الرياسة إلى عراقي في المملكة العراقية والى سوري في المملكة السورية.
وهذه الرياسة لم يكن هذا سببها الوحيد وهناك رياسة من كل من آل محمد على ناحية أو قبيلة أو عدة قبائل. فالسلطة منقسمة بتكاثر آل محمد وتعددهم وفي زمن الحكومة العثمانية يعرف واحد منهم. واذا كان غير صالح لإدارة القبائل فالعشائر تميل إلى من تهواه من آل محمد ويبقى الرئيس واسطة التفاهم... أما اليوم فكل واحد عرف رئيساً في جهته.
ان رياسة شمر في العراق قررت إلى الشيخ عجيل الياور، فهو اليوم شيخ مشايخهم لا يزاحمه فيها مزاحم، وقد خلف دهاماً آل الهادي الذي ذهب إلى سورية. والآن هو في الحدود ويقود (شمر الحدود) كما سمتهم السلطة الفرنسوية.
وان مشعل باشا صار شيخاً على شمر الزور (كذا سمتهم حكومة سورية) وهم شمر الذين يسكنون دير الزور.
وهناك شمر آخرون يقودهم مثكل العجي (كذا في عشائر سورية) وتسميهم الحكومة الفرنسوية (شمر دميرقبو).
وهنا يلاحظ ان الرقابة موجودة بين عجيل الياور وبين دهام الهادي ابن عمه ولكن لم يقع بين هذين الرئيسين ما كانت تتوقعه السلطات الفرنسية من جراء العداء أو تتنبأ به من حدوث ما يثير كامن الحقد والضغينة وانهم سوف يبقون اعداء طول حياتهم استنتاجاً من حوادث الصلح الظاهرية التي وقعت خلال عام 1926م في عانة وعام 1929م في حسيجة...(1)
(1/54)
ولا يعدو هذا عن امور حدسية يظن تحققها أو أن تتوتر شقة الخلاف بين أقسام قبيلة قوية يخشى بطشها وسلطانها فيما اذا اتفقت وتوحدت كلمتها نظراً لخصومة آنية وقعت بين قريبين لا تؤدي إلى أكثر من ان تكون عداءاً شخصياً فلا يدع مجالاً لأن تتقاتل شمر بعضها مع بعضها...
وعلى كل - كما قلنا سابقاً ونقول - ان اختيار الرياسة في البدو انما يكون لمواهب يرونها من افراد بيت الرياسة.
5 - فروع آل محمد الأخرى
ان الذين عددناهم كانت تنتقل اليهم الامارة. وهناك من آل محمد غير هؤلاء وهم:
1 - آل عمرَو. وهؤلاء في سورية وقد اشير إلى القول عنهم. وثلة منهم عند الأتراك.
قال البسام في (عشائر العرب): بعد أن ذكر شمر بالوجه المنقول عنه في صحيفة 128. " وشيخ هؤلاء المشهورين سلماً وحرباً، يقال له عمر الجرباء.. " اه(1) وقد سهوت عن ذكره فجاء تمام العبارة هنا كاملاً فاقتضى التنبيه والظاهر من نطقهم عمراً بفتح العين انه عمرو لا عمر.
2 - آل زيدان. منهم في سورية وفي العراق مع الخرصة ورئيسهم اسعد ابن سميري بن نجم بن مجرن بن زيدان.
ويقال لهؤلاء (الزيادين) ايضاً. ومن رؤسائهم اسعد المذكور وهو القائل القصيدة التي مطلعها:
عبعوب غطي مهرتي بيجلاله ... واحلب لهادر من ذواد مغاتير
* * * ومنها:
يصفوك آتيك بالويلات رمل الهلالي ... رخم الجموع مغترّين المداوير
يصفوك عدنا للسيافه رجال ... خيل وتتلى خيل كلها مشاهيرد
هنا ينعت الشاعر مهرته (فرسه) ويقول غطي يا عبعوب مهرتي يحلها، واحلب لها الحليب من اذواد مغاتير (وصف للأبل)... ثم يهدد صفوقاً بانه سيأتيه بالويلات من رجال كعديد الرمل الهلالي وبفرسان تتلوها فرسان وترى جموعهم مغترين المداوير (ملثمين)... واننا يا صفوق عندنا رجال لمن عندك من السيافة(1) وخيولهم كلها مشهورة وتتلوها خيول وهكذا..
وبهذه الأبيات يعد نفسه كفواً له وانه قادر على ان يقابل جموعه السيافة برجال مشاهير ولا يبالون بهم...
3 - آل فهد. منهم في سورية وفي العراق.
4 - آل مشحن. وهؤلاء مع الخرصة.
5 - آل صديد. وهم رؤساء قبائل الصائح. ويجتمعون مع شمر الجرباء (بياس) ولم يعرف طريق اتصاله اليوم.
6 - آل فارس. وهم متفرعون من ابن فارس وهو محمد الفارس فسموا باسم جدهم خاصة دون سائر أولاده وهم في العراق.
7 - آل صفوق. مر البحث عنهم.
ومن الجرباء الوطيفي مشهور والآن لم يبق من نسله سوى النساء... والحشاش يسكن مع الخرصة وكذا ابن مشحن، وابن ضُمن وابن صلال.. والعتوية. ويعرفون بآل عبد الرحمن. والخرصة في الجزيرة . والظاهر ان اتصالهم بعيد إلا انهم يقطعون به. والبدوي أينما حل وحيثما سكن لا يضيع أصله...
ملحوظة: أوصاف القبائل البدوية تكاد تكون مشتركة، وهذه تصلح للكل، ومن نال مكانة هؤلاء أبرز عين المقدرة، أو أظهر ما لا يخطر ببال... وهي فيهم أجمع تقريباً...
6 - خلاصة القول في آل محمد
ما اقول فيهم إلا ما قال ابن عثيمر من التومان:
اليغالطهم جذوب مماري ... تسري وتلكى على اثرهم رواميس
بطعون مثل شل الغزالي(1) ... ورخص الطعام لياغداله(2) حراريس
يريد ان هؤلاء لا يغالطهم الا كذوب، ممار، فقد تذهب، وتسري إلى انحاء مختلفة فتجد علائم مجدهم وآثاره بارزة، وأخبارهم في الطعن كشل القرب ذائعة، مشهورة، ومثلها رخص الطعام للضيوف بتقديمه لهم، وانه لا قيمة له عندهم في الوقت الذي يعتز به غيرهم ويحتفظ به فترى عليه الحراس...
وقال آخر في قصيدة يمدح بها فارس بن عبد الكريم:
وعيال المحمد مثل فروخ الذيابه ... والا الجواهر غاليات بالأثمان
أي ان آل محمد في الشجاعة كالذئاب او كالجواهر الثمينة قيمة.
(1/55)
هذا ويطول بنا إيراد كل ما مدحوا به، ويخرج بنا عن موضوعنا. ومهما امكن حذفنا الكثير، واقتصرنا على القليل خشية ان يظن بنا ظان اننا اخترنا المدح والاطراء، أو التفضيل على الغير... ونحن بعيدون عن هذا ولا نرى فضلاً لقبيلة على أخرى إلا بصالح الأعمال وقبائل اليوم لا هم لهم إلا الافتخار بما ذكروا به... وهذه قامت بأعمال مرغوبة عند العرب من شجاعة وكرم، ولم تجلب سبة... واني اعد من الحيف لن اخفي محامدها الذائعة، او اقلل من شأنها. والحق يقضي بان لا اعدل عما وقع ولا اميل إلى الاجحاف او كتمان ما هو واجب الذكر، فنوعت المراجع، ليعلم القارئ انني راعيت الاختصار كثيراً وهو فوق ما كتبت...
- 4 -
تقسيمات قبائل شمر
و تفريعاتها
1 - اصول قبائل شمر
تبين من نصوص تاريخية عديدة ان قبائل شمر قسم منهم يرجعون إلى طييء وهم من اصل (بطن شمر)، وآخرون إلى القبائل القحطانية. وهذه القبائل وان كانت تتفق في النسبة الأصلية إلا أنها تبتعد من حيث النسبة القريبة. ومفاخرات العشائر الكثيرة وملاحظة القرب بينها انما تستخدم لأغراضهم السياسية والحربية...
ويجمعها في وحدتها:
1 - ضياغم. وهو مستفاد من قول باذراع من الضفير الذي ذكر القبائل التي تمت إلى اصل واحد
ان سلت عنا يا سويطي كحاطين
حنا وعبده والهيازع بجدين
ضياغم والحذانا لفايج
يقول ان قومه (قوم باذراع) وعبدة من شمر والهيازع من عنزة كلهم من القحطانيين.. وان عبدة من الضياغم وهم يجتمعون بجدين مع شمر، واما الآخرون الذين يحاذونهم (يريد خصومه من آل سويط) فهم ملفقون..
2 - السناعيس. اصحاب هذه النخوة.
3 - اهل الحيسة. يسمون بهذا الاسم لانهم كرماء اجواد.
4 - أولاد علي. بطن من الجعفر من عبدة.
وهذه القبائل الثلاثة هي المقصودة. قال عواد الوبيري من العفاريت(1) لمتعب من آل الرشيد والد عبد العزيز الرشيد يذكره بمفاخر قومه وان ينظر اليهم بعين العطف والرأفة حينما كان قد غضب عليهم لخلاف وقع فاسترضاه بهذه القصيدة التي يسلم بها رأساً:
الله يعينك يا موالف عطية ... وجيف انت ياشيخ جسبت النواميس
ويا شيخ ترها عزوة الشمرية ... ويا شيخ ترهم زوبع والسناعيس
وهل الحيسة ان جانها بالحمية ... وأولاد علي مخضبين المتاريس
ليضكهم مضنك خطاة الشكية(2) ... مسكفات الرماح المناسيس
وبيدك شامان مثل الحنية ... وحلو اصطفاكك بيوجيه الملابيس
وبهذه الأبيات عرف مجموع قبائل شمر وعددها جميعها وهم:
1 - زوبع.
2 - السناعيس.
3 - أهل الحيسة.
4 - أولاد علي.
والكلام على ما يدخل من القبائل ضمن كل واحدة من هذه القبائل الكبرى يأتي في محله...
هذا. ولا محل لتفصيل كل قسم من هذه الأقسام الأربعة الآن وكل ما نعلمه أن قبائل شمر متنوعة ومتفرقة جداً. ولا يكاد المرء يحيط بها لكثرتها. ولكنها ترجع إلى الأصول المذكورة أعلاه ولا تعرف قبائل الآن بتلك الأسماء الأربعة المارة. والذي يقطع به انها ترجع إلى هذه الأقسام باعتبار (نخوتها) ويوم الحرب ومراعاة الصلة النسبية والقرابة القومية.
والقبائل المذكورة اختلطت فروعها بعضها ببعض. ولما كانت الصلة القبائلية لا تزال معروفة ومرعية لوجود دواعيها حافظوا عليها وفاخروا بها واستمروا على مراعاتها.
2 - مجموعات من القبائل الشمرية
قبائل شمر قد تعتبر مجموعات كبرى بالنظر لأعظم وصف عرفت به من جراء حوادث الهجرة والنزوح من مكان إلى مكان أو الاحتفاظ بموطنها وذلك:
1 - شمر الجبل
(1/56)
وهم الذين كانوا تحت امارة آل الرشيد. وسموا بهذا الاسم لاقامتهم في الجبال المعروفة في نجد بأجأ وسلمى وإلا فان القبائل البدوية متجولة فلا تستقر في موطن وفي نظرها كل جزيرة العرب ميدان لها ولا يصدها عن التجول إلا الحرب والغزو ممن لا طاقة لها به لقوته او لبعده. وهذه القبائل لا تفترق عن قبائل شمر الأخرى إلا في المواطن التي هي مركز امارتها وإلا فالاقسام الموجودة فيها من القبائل معروفة بعينها وتنطوي على ما انطوت عليه. ولكن للتفريق فيما بينها وبين غيرها قيل لها شمر الجبل، أو قبائل ابن رشيد وهذه التسمية الأخيرة حادثة.
2 - شمر الجرباء
وهؤلاء هم القبائل التي انضوت تحت لواء آل الجرباء وانفصلت قبل ان تكوّن آل الرشيد وسائر شمر الجبل وان لم تنقطع الصلة النسبية. وكل هذه القبائل لا تفترق عن سابقاتها وانما تفيد انخزال قسم من تلك القبائل وتجد أسماء القبائل وبعض افخاذها مشتركة في نجد وفي العراق على حد سواء. وهذا ما يدعنا نعتقد ان هؤلاء لا تنقطع هجرتهم بل يتوالى مجيئهم إلى هذه الأنحاء...
وقد سبق الكلام على اقسامهم في العراق وفي سورية وفي الجمهورية التركية.
3 - شمر طوقة
وهؤلاء قبائل أو أفخاذ قبائل شمرية اصابتها جائحة، أو نالها ما تكره من ارضها أو رؤسائها، أو عزمت على الهجرة لأسباب أخرى.
وتنسب قبائلها الموجودة إلى قبائل شمر المعروفة ونرى كل عشيرة او فرع من فروعهم ناجماً من قبيلة شمرية لا تزال معروفة وكثيرون منهم يعدون سلسلة نسبهم ويصلون إلى جد يقولون هذا الذي جاء إلى العراق.
وكان نزوحهم إلى العراق في عهد المماليك ولم نجد لهم ذكراً قبله...
4 - الصايح
وهؤلاء كشمر طوقة بلا فرق. فانهم فرق مختلفة من قبائل شمر المعلومة اليوم. فلا يقال انهم خارجون عن الأقسام الأصلية بوجه ولكن أستقل هؤلاء بالتسمية المذكورة كما انفرد شمر طوقة بلقبهم ذلك.
وهؤلاء كانوا في العراق قبل أن تتكون حكومة المماليك من ايام الوزير حسن باشا وقبله..
وقد نعتهم البسام بقوله: " وما أشبه آخر هؤلاء بأولهم وفي الحقيقة هم في السبق لاستدراك الجميل افضلهم، كرام بأموالهم، اسود عند أشبالهم، يقتحمون الدواهي، ويجتنبون النواهي، ولم يخب لمؤملهم أمل، ولم يبطلوا لعاملهم عمل، وكلهم على هذه الطريقة منتعلين زحل، عددهم الف سقمان وستمائة من الفرسان، وهم تبع أيوب ابن تمر باشا " اه.
وهؤلاء فوق ما وصف البسام... وأفعالهم مشهورة في كافة حروبهم... ولم يكونوا تبعاً لقبيلة الملية الذين يرأسهم تمر باشا ولعل ذلك كان في وقت...
وفي الحقيقة قبائل شمر عند الاطلاق يراد بهم مجموعة واحدة كما تقدم ولم يكن التقسيم بين شمر الجرباء وبين شمر الجبل إلا منذ ان نزحت قبائل الجرباء وتكونت بعدها رياسة آل الرشيد وإلا فالقبائل واحدة. والبحث عنها بصورة متفرقة يدعو لتكرار الموضوع والكلام عليه مرتين أو أكثر كما ان الاتصال كان ولا يزال بين هذه القبائل ولم يستقل الواحد بانفصاله عن الآخر من كل وجه وانما القرابة لا تزال معروفة والتعارف والتقارب دائم. لذا رأينا ان نتكلم على قبائل شمر الجرباء والجبل مرة واحدة ونشير إلى ما يدعو إلى من سكن الجبل في نجد ومن هو متوطن العراق ونذكر بعض القبائل التي تفرعت من شمر كشمر طوقة إلا أنها فقدت بعض مزايا البدو ولا تزال معروفة بحيالها...
ولا يفوتنا ان قبائل شمر منها ما انفصل من اصله وسكن العراق مستقلاً باسمه من زمن بعيد وكاد ينسى الأصل الذي درج منه والقبيلة التي تفرع منها مثل المسعود وهذا سوف نتكلم عليه في مبحث خاص تحت عنوان (قبائل شمرية أخرى) يكون خاتمة القول عن تفرع قبائل شمر...
ومنها تظهر درجة انتشار هذه القبائل وتوغلها في العراق بصورة متوالية حتى كادت تحتله جميعه وتضع يدها على كافة مراعيه ووديانه. خصوصاً بعد انقراض آل الرشيد. وما ذلك إلا لوجود الصلة بين قبائله وعدم نسيانها بتاتاً. فلا ترى نفرة، ولا وحشة بين القبائل القديمة والحديثة.
وهذا التقرب وتلك الصلة كانت ولا تزال دواعيهما كثيرة، والأوضاع السياسية، وسنوح الفرص، وما ماثل من الأمور مما سهل أو عجل بالهجرة والاختلاط. وجامع ذلك الوحدة والتعاون بل التكاتف والقربى..
(1/57)
ذلك ما دعا ان رجحنا الكلام عليها مجموعة لتتوضح الصلة بذكر اساسها وتفرعاتها، ولأنها لا تزال بدوية ولم تقطع مرحلة ما من مراحل التطور فبقيت على حالتها الأولى التي كانت عليها قديماً بوجه التقريب وهي التي نعبر عنها ب(قبائل شمر) وهذا اجمع للقول...
* * * - 5 -
قبائل شمر الطائية
1 - القبائل الطائية والقبائل القحطانية
قبائل شمر سواء كانت طائية أو قحطانية في الأصل بدو رحالة، مالت جماعات منها إلى الأرياف واتخذت الزراعة مهمتها، ولكن لا يزال القسم الأكبر - موضوع بحثنا - على حالته الأولى... ولكل قبيلة من قبائلها رئيس لا يتجاوز نفوذه نطاقها، ويحتفظ ببيت الرياسة، وله مكانته المحترمة وسلطته القاهرة. والرياسة العامة لآل محمد كما تقدم.
جاء هؤلاء العراق بصورة متأخرة، ومتوالية، وكانت حالتهم ابان ورودهم العراق على اتفاق مع فريق من القبائل وحرب مع آخر استفادة من الأوضاع والحالات الراهنة، وهكذا ما يقع بين الفروع من إلفة أو عداء. وكان قد تم نزوح قسم من القبائل ايام مجيء آل محمد، وقسم آخر كان قد سبقهم في سكنى العراق، وهكذا حتى كادت تتكامل جموعهم...
وكانت قد أثرت عليهم قبائل عنزة كثيراً، مالت هذه الأخيرة إلى أرياف العراق، وصادف مجيئها في هذا الزمن، وصارت في نزاع وقراع بينها وبين القبائل العراقية من جهة، وبينها وبين قبائل عنزة الكبرى التي ركنت إلى العراق وسورية من أخرى، فكان لهذا الوضع حكمه.
2 - القبائل الطائية
والقبائل الطائية من شمر ترجع في الأصل إلى قبيلة طيء واتصالها بعيد جداً ومنها ما تمت رأساً إلى شمر ومنها إلى الطائية، وقد أوضحنا العلاقة فيما سبق ولكن كل قبيلة منها احتفظت بأسماء وانفصلت بهذه التسمية الخاصة عما تمت اليه. والمعروف ان الكثير من هذه الطوائف والفروع أو الأفخاذ الجديدة اشتهرت بأسماء جديدة إلا أن القسم الآخر حافظ على التسمية الأولى.
1 - قبيلة الخرصة
هذه من قبائل شمر الشهيرة، وهي عضد آل محمد (أمراء شمر) ولا يفرقون هذه القبيلة من انفسهم، ولا يتهاونون في شأنها، بل يناضلون عنها كنضالهم عن أنفسهم، وهي أيضاً تستميت في سبيل نصرتهم. والمعروف أنهم يتصلون بها في جد واحد، والكل من قبيلة طيء.
والخرصة قسم منها في سورية، ويرأسه الشيخ دهام الهادي من آل الجرباء ويسكنون الخابور، ونخوة القبيلة (سيافة) والمحفوظ أنهم (بنو ياس) ونظراً لتقادم العهد لا تعرف مكانة ياس من عمود نسبهم ولا يعدون من الصايح وإنما هم من عيال زوبع) ويقال لهم (سود الروس) ومما يدل على تداخل القبائل أن الخرصة والصبحى والعامود يقال لهم ضنا زائدة أي أنهم أولاد زائدة والحال انهم متباعدون ولكنهم في عين الوقت متداخلون مما يشير إلى أنه قد حصل تداخل في الأفخاذ... وتاريخ دخولهم يبتدئ بدخول آل الجرباء العراق...
وفرقهم:
1 - الغشم ورئيسهم حاجم بن غشم ولد حصيني، والأدهم، وأفخاذهم
الغشم. رئيسهم حاجم بن غشم.
الصبحة: رئيسهم الفند الملحان: رئيسهم ابن سليم
2 - الهضبة رئيسهم بردان بن جليدان، وابن فلاج
3 - آل عليان رئيسهم ابن دايس. وهؤلاء يتفرعون الى
حثاربة. رئيسهم علي بن جناع العصواد آل سبيه. رئيسهم حواس بن سبيه آل دايس. فخذ الرؤساء آل عكاب. رئيسهم محمد بن عكاب الشحاذة. رئيسهم ابن شحاذة المعزي. رئيسهم ابن معزي الطرابلة
4 - البريج رئيسهم الكعيط وهؤلاء وان كانوا يعدون الآن من الخرصة إلا أنهم في الحقيقة من آل محمد، ويتصلون معهم بجد قريب وفروعهم
(1) البهيمان. رئيسهم بهيمان وابن غراب. وكل منهما صار يسمى فخذه باسمه واستقل به.
(2) الحصنة. رئيسهم الكعيط وابن سعدي العارفة المشهور وهؤلاء منهم: (أ) الجداية ورئيسهم سلطان بن فلاح وغثيث بن جدعان (ب) آل سويحان (3) السعدي (4) الغوارب (5) الماجد (6) الولفة
(1/58)
5 - العامود. رئيسهم حسن بن عامود. وهو عارفة مشهورة ونخوتهم (عصلان) أو (أهل العصلة) ويحكى عن سبب هذه النخوة أنه وقعت لهم حرب مع بعض أعداءهم وكان لامرأة ناقة (عصلاء) وهي التي لا ذنب لها فأكثر القوم النضال عنها لاستخلاصها من أيدي عدوهم وكانت صيحتهم عليها (عصلة) فكرروها ومن ثم صارت لقباً لهم. منهم في العراق ومنهم في نجد والذين في نجد يرأسهم ابن فنيدي
وهذه حالة مألوفة من قديم الزمان وأساسها التنابز بالألقاب وهكذا يكون منشأ الألقاب أو التسميات في غالب أهل البادية... وقد يترك الاسم الأصلي ويتمسك بهذه الألقاب وحدها لكثرة ما تتردد على الألسن.
وأفخاذ هذه الفرقة: التجاغفة. رئيسهم جاجان بن مصيول آل غضا. رئيسهم حسن بن محيسن آل خلف. رئيسهم حسن بن عامود. وهو رئيس كل الفرقة وعارفتها خلفاً عن سلف
6 - الصبحة وهؤلاء لم يكونوا من الخرصة كما هو المحفوظ والمنقول وإنما هم من الفضول من بني لام أو من طيء. وكذا الغزي من الفضول... ومنهم من يعدهم من الغشوم كما تقدم. والقربى ظاهرة سواء كانوا من طيء رأساً أو بالواسطة والاختلاف كثير من جهة الحافظة واستمرارها فانها لا تتمكن من ضبط الاتصال وهناك الاختلاف.
ومن عوارف الخرصة: 1 - متيوت بن صحن بن سعدي بن البريج وهو عارفة العموم 2 - مسلط من العامود وقد توفي والآن حسن العامود... ومن أقوالهم الشعرية مما يؤيد أن أصلهم من بني ياس
السربة الحرشة عليها بني ياس ... واستلغفوا بعكاب(1) راسك معه راس
أظن أن هذا البيت تغنوا به فحسبوه يخصهم أو أنه جد ليس بالبعيد وإلا فقبيلة (بني ياس) ذكر عنها صاحب (عشائر العرب) انها تبع القواسم من قبائل عمان وقال عنها: " قبيلة قوية، ذات طعن وحمية، وهؤلاء شعارهم الركاب العمانيات والضرب باليمانيات، والطعن بالردينيات، ولم يستعملوا ركوب الخيل، ولا يعرفون إلا مناجاة حريبهم في الليل، وعدد سقمانهم خمسة آلاف راكب امضى في المهمات من حدرد القواضب. " اه(1) وقد يجوز ان تكون التسمية متماثلة ولكن العلاقة في القربى لا وجود لها... وان جد الخرصة أو أحد رؤسائهم كان يقال له " سيف " فتنخوا به وصاروا يقولون " سيافة " كما أن أحد أجدادهم " ياس " واحتفظوا باسمه...
ملحوظة: 1 - الخرصة يقال لهم (غلبه) فهي تعمهم جميعاً. وما عدا الثابت 2 - والثابت يرجعون إلى زايدة فيقال لهم ضنا زائدة والخرصة 3 - والفداغة والعامود والحريرة يقال لهم (بني ياس ومن ثم 4 - والعامود ترى درجة القربى ومكانة بعضها من البعض.
5 - والصبحى وهي من مؤيدات ما قلناه اعلاه.
لذا قيل:
لو اهني من حطهم بس عامه
من حطهم ما بين تيمه والسياح
جسابة العيدان ريش النعامة
غلبه وعنهم تكع الاسلاف تنزاح
2 - قبيلة سنجارة
وهذه القبيلة تشترك وقبيلة زوبع وهما من نجار واحد، وكانت تسكن نجداً والآن قسم منها في نجد والقسم الآخر في العراق، جاؤا اليه بعد الاحتلال فراراً من الاخوان. ونخوتهم العامة (زوبع) والخاصة (جدعة) أو (خيال الجدعة ذريبي) ويقال ان اصل تسميتهم هو ان جدهم الأول قد ربته امة يقال لها (سنجارة) فسموا باسمها للسبب المذكور في نخوة العامود والتنابز بالالقاب عادة الجاهلية لا تزال آثارها معروفة. ورئيسهم متعب الاحدب واصلهم زوبع من طيء من فرقة الحريث وينتمون إلى محمد الحريث من طيء هكذا يحفظون نسبهم. ولعل طارقة دعت إلى اتفاقهم مع سائر شمر الطائية وكلهم يمتون إلى القحطانية وفرقها: 1 - الثابت: وهذه فرقة كبير من سنجارة وتتفرع الى: (1) آل زرعه: رئيسهم متعب الاحدب وفروعها: أ. آل عكبه ومنهم من يتلفظها بكعة: رئيسهم الاوضيح وظاهر الرويس: (1) الجودان (2) الروسان (3) الوضحان (4) آل شرارة ب. آل جاسم: (1) الحدبان. رؤسائهم رؤساء الثابت (2) آل وسيد.
ج. الحذانا.
(2) آل نجم: رئيسهم بن محيثل.
أ. آل متيتة: رئيسهم ابن رطني ب. آل دجارة. رئيسهم ابن جديان وابن عزام (3) آل عمار. رئيسهم ابن محيثل: العجارشه. رئيسهم العجرش (مطلك) ب. الذياب. رئيسهم ابن محيثل. وكان رئيس كل الثابت فترك
(1/59)
(4) آل تومان. وقد يعدون فرقة برأسها. ورئيسهم نواف بن بندر التمياط ومشل بن برغش التمياط ونخوتهم (المساعيد) أي أن جدهم مسعود وهناك فرقة تدعى المسعود سيأتي الكلام عليها.
أ. الأوضاح. رئيسهم نواف التمياط ب. الهدبة. رئيسهم مطلك بن عايش ج. الربعة. رئيسهم سعد بن سطام الربع.
وغالب هؤلاء في الموصل.
2 - الفداغة: فرقة من سنجارة. ويعدون من زوبع. وأساساً الكل من زوبع ويعدون منهم أيضاً لما بينهم من اتصال قريب مع زوبع الموجودين. ونخوتهم (بلهه فديغي) أو (خيال البلهه فديغي)، (كلايع زوبع). ورئيسهم الأصلي هجر بن وتيد والآن قسم كبير منهم في أراضي اليوسفية ورئيسهم سهيل المهاوش ورعد المهاوش ويعدون من أقسام زوبع وسيجيء الكلام عليهم هناك.
وأفخاذهم: الزملات. رئيسهم غديف أبو الوأ (بالوأ) (الجيس).
الحمير.
آل غريب. رئيسهم هجر بن وتيد.
المطعاي (المطعات). رئيسهم خليف اللكلكك الرثعة . رئيسهم حيزان آل سيد. رئيسهم سليمان بن جابر 3) الطيور. رئيسهم ابن كدور آل كدور آل نابت، أو النوابت 4) آل سويد رئيسهم الحمزي. ويعد كل الفداغة من آل سويد وفي الحقيقة أن آل سويد فرقة مهمة فيهم. ولكن الذين يأتون من نجد إلى سنجارة في العراق يقال لهم (آل كدور) ويتسمون بهذا الاسم. ويدخل ضمنها (آل غريب) والمطعاي (والطيور)..الخ وجاء في قلب الجزيرة أن فروعهم: الفضلي الكريشة الحرابدة 5) الدغيم. رئيسهم ابن عبد العزيز.
وغالب الفداغة في قضاء المحمودية في نهر السوسفية وقسم منهم مع سنجارة والآخر في نجد.
وفي قلب الجزيرة ان الفداغة: الرعجان الزملات 3 - الغفيلة. رئيسهم غضبان بن رمال الرمال. رئيسهم غضبان بن رمال الجرذان. رئيسهم العيبان المايج (دمنان بن مزيريج) 1. المياكك (آل مايج) 2. الحيكان. رئيسهم ابن مزيريج وابن فروة.
آل كني. رئيسهم ابن مسطح المزيريب وبين هؤلاء من هم مع الصائح وفي قلب جزيرة العرب سماهم (الحفيل) وليس بصواب وعدد من أفخاذهم ما يلي: آل جارد آل حازم آل سليق آل كلاب العمور آل زبيد آل بو علي آل رحام قال: " ومنازلهم أجا، وبيضا نثيل، وسلمى " .
4 - الزميل. رئيسهم بابج بن ثنيان وزوبع من هؤلاء أو تصل معهم إلى جد واحد فهم أقرب اليهم من غيرهم.... وأفخاذهم: الشلكان النمصان آلابي سعد (آل ابي سعد) الشيحه الرخيص. رئيسهم عيادة بن رخيص.
الثنيان. رئيسهم بابج بن ثنيان السلمان. رئيسهم ابن سمير النبهان. رئيسهم جاسم بن رخيص العفاريت: الضفير. منهم محمد الضفيري (10) آل الضو. رئيسهم حسبان الضوي.
(11) الخمسان. رئيسهم حواس ابن خمسان (12) اللواحق. رئيسهم اللاحقة.
(13) الذرفان. رئيسهم الذرفي ومن هؤلاء من هم مع الصايح.
وفي قلب الجزيرة قسم الزميل الى: أ.آل سهيل وهذه افخاذهم: آل سلمان آل شيحا الابي سعد الضرفان النمسان المغافل الربظان السلقان ب. النبهان وهذه فروعهم: الشمروخ الخمسان الوضنان آل كويس آل ضو 5 - التومان. رئيسهم نواف بن بندر التمياط ومثل ابن برغش التمياط.
وهؤلاء يعدون من الصايح. لأنهم تابعوا الصديد حينما تنافر مع الجرباء. وقد مر الكلام عليهم عند ذكر سنجارة...
اعتبر صاحب قلب الجزيرة التومان قبيلة قائمة برأسها من بين قبائل شمر وقال مجموع قبائل شمر سنجارة والتومان وأسلم وعبده ولم يعين الصلة بين هذه القبائل. والمحفوظ عنها ما ذكرت وهم في العراق. وعدد الحيدري في كتابه (عنوان المجد في تاريخ البصرة وبغداد ونجد) الفروع والقبائل جميعاً ولم يفرق بين الأصل والفرع، ومثله فعل الآلوسي.
3 - قبيلة زوبع
قال الشاعر:
اليا لفونا زوبع من فوك ضمر ... كبّ يطيرن العجاج اليجادر
(1/60)
وهذه القبيلة تعد نفسها من سنجارة أو أنها وقبيلة سنجارة من جذم واحد والحقيقة أن بعض الفرق تحافظ على الاسم القديم وبقية اقسامها تسمى باسماء جديدة وان كان الفرع كبيراً بالنسبة لمن حافظ على أصل التسمية وزوبع من هذا القبيل والمحفوظ ان زوبع هو اسم جد بهذا الاسم ابن محمد الحريث، قبيلة معروفة من طيء. وهو جد سنجارة أيضاً ويقول لي الطاعنون في السن ان زوبع من الزميل على ان زوبع جميعها من الحريث كما تقدم.. وكانت نخوتهم (معن). وهذا هو المنقول عن الشيخ ظاهر المحمود حكاه لي أحفاده.. ولا صحة لما اورده الشيخ علي الشرقي في مجلة الاعتدال من انهم من ربيعة العدنانية وتغلب البداوة على هذه القبيلة وان كانت تقربت من المدن واتخذت الزراعة مهنة لها. فلا تزال الروح البدوية غالبة عليها. ورئيسها الشيخ ضاري بن ظاهر المحمود مات بعد قتلته للجمن. ووقعته معه مشهورة. والرئيس الآن خميس بن ضاري الظاهر المحمود.
قال صاحب (عشائر العرب): " ومنهم زوبع المعروفين والكرام المألوفين، السالكين مسالك الحمد. والمالكين أزمة المجد، ذوي العفو عند المقدرة، والسخاء بلا معذرة.. " اه ص47 وكانوا قبل هذا التاريخ ورد ذكرهم في وقائع العراق سنة 1169ه - 1756م ورئيسهم آنئذ بكر الحمام. والآن فرقة من الحمام تعرف به.(1) ولكل فرقة من فرق هذه القبيلة نخوة خاصة وان كانت نخوتهم العامة محفوظة أيضاً. وتشترك هذه مع سنجارة في كثير من أفخاذها وقد سبقت سنجارة في مجيئها إلى العراق. والمحفوظ أنهم جاءوا إلى هذه الأنحاء أيام حمام جد فرقة الرؤساء منهم...
والحريث من طيء وهي منتشرة في الأنحاء العراقية وسنتناول موضوعها عند الكلام على قبائل طيء الحاضرة وزوبع هم المقصودين بقول أحد الدغير لعبد الله آل رشيد أمير شمر حينما رآه صاداً عنهم وملتزماً جانب مطير وعتيبة:
يامير ترهم زوبع والسناعيس وهل الحيسه ان جانها بالحمية
ويسكنون في أراضي أبي غريب وفي اليوسفية وقسم منهم في البادية ولا يزال الباقون مع سنجارة ويعيشون في البداوة وسكنى الصحاري البعيدة...
وفرقهم الأساسية: 1 - الحيوات 2 - الجدادة 3 - الفداغة وهؤلاء يعدون (عيال زميل). وهم أو رؤساؤهم في الأصل من الحريث جذم من طيء. وهذا عندهم مقطوع به، ومنقول عن أجدادهم وعن ظاهر المحمود، وانهم أيام محمود كانت نخوتهم (معناً)، وأكدوا أكثر حينما ذهب ظاهر اليهم فاراً، والتحق بالترك.
1 - الحيوات
وهؤلاء يتفرعون إلى فروع عديدة وهي: الحمام، والسعدان، والشيتي والكروشيين.
الحمام: وهؤلاء يتشعبون من أولاد حمام وهم بكر وظاهر وعودة وعساف وتتألف منهم فروع الحمام. وهذه تفصيلاتهم: 1) الظاهر. ورئيسهم درع بن محمود بن ظاهر بن حمام بن سليمان وفروعهم: (1) المحمود. وهم الرؤساء (2) الحميدي (3) الحامد (4) الجعدان (5) الجنديل (6) المحمد (7) الفارس (8) الحماد (9) العواد وهؤلاء أولاد ظاهر بن حمام بن سليمان المذكور وصار كل واحد منهم رأس الفخذ الذي تولد منه وسمي باسمه. ونكتفي هنا ببيان فرع الرؤساء وهو أولاد ظاهر ابن محمود بن ظاهر بن حمام.
2) - العودة. رئيسهم مطلك المحيميد. وفروعهم: (1) السعد (2) العكيدي 3) العساف. ورئيسهم حسين المخلف.
4) - البكر. رئيسهم صالح بن عواد بن سليم بن بكر الحمام. ومن هذا الرئيس علمت الشيء الكثير عنهم. ومن الوقائع المدونة لبكر الحمام هذا الذي تسمى به الفخذ الوقعة المؤرخة سنة 1169ه - 1756م وهي حادثة غزو ابل انتهبها من قرب الست زبيدة في بغداد.
وفروعهم: (1) السليم. والرئيس منهم.
(2) الطرفة. رئيسهم عباس اليوسف (3) الحماد. رئيسهم فرحان العباس ب. السعدان: وهؤلاء يتصلون والحمام بجد واحد وذلك أن حمام هو ابن سليمان بن حماد وان جد السعدان هو حمود أخو حماد المذكور وان ولده سعدان رأس الفرع المتسمى باسمه الذي هو جد السعدان. ورؤساؤهم يوسف العرسان وشكر المحمود.
وفروعهم: (1) الخضير (2) الخضر (3)العابد (4) الفرهود (5) اليونس (6) العبيد ويلحق بهم: 1) الزوينات. وهم من الجبور 2) العناز. من عنزة من الفدعان 3) الخوابرة. من اهل الخابور.
ج. الشيتي:
(1/61)
وهؤلاء رئيسهم محمد العيد ويتصلون والحمام في جد واحد.
وفروعهم: 1) الشيتي.
2) - الحليفات.
ه. الكروشيين: رئيسهم فزع الشنيتر ونخوتهم (ضواري)، يرجعون إلى الحيوات. وهم اولاد راشد العبد الله. يسكنون في محيريجة، والربع الخالي، والسلطانيات وام عزب، وهوير معلى، وكنيسة، والعكروشيات، والعجيلية، والزبدية، وغبينه وعكروكية، وهوير الباشه في ابي غريب، والسديره، والشطافيه؛ والسهيلية في الرضوانية.
وفرقهم: 1 - الزامل: الرفوش. رئيسهم ويس الخضر الحطحوط. رئيسهم عثمان الشحل. رئيسهم خليف الزكم العزبة. رئيسهم فزع الشنيتر 2 - الفليح. رئيسهم ناصر العلي ومحسن الخليل الدندن. هم الرؤساء الطهماز. حسن بن شحاذة وحميد بن شحاذة اللوابدة. فليج المحمود الزوابعة. عبد العايد المنيصير. حسن المحسن، وشلال الحسين الصناحي الكرير نفس المنيصير الكطوم. حسين العنيد اللافي. حسين السالم 3 - الشنادخة. رئيسهم عبطان واغوان اولاد حمود.
الدلي. رئيسهم علوان الحسين المصري. مغيض بن دنبوس العديد. فياض العديد نفس الشندوخ. عبطان واغوان.
4 - الحناظلة. رئيسهم كاطع الموسى: ولد سلمان ولد كاطع ولد محمد الفرحان 5 - الخماس. رئيسهم طفش الكاظم، ويقال لهم البادوش وهم البواديش من الهداب: البادوش.
الدغش.
المحمد.
الدهش.
6 - الهداب. رئيسهم فضل الفهد: الكطيمي المحمد سعيد المحسن الجساب
2 - قبائل وفروع أخرى (ملحقة بالحيوات)
وهناك قبائل وفروع كانوا قد سكنوا قبل ورود زوبع، أو جاءوا أيام سكناهم فصاروا يعدون منهم، وهم حلف لهم، أو اندغموا فيهم. وهؤلاء كثيرون نذكر اشهرهم: أ. الغريباويون، ويقال لهم (الجلابيون) وهم (الكلابيون). وهؤلاء يرجعون إلى (التويم) من الجلابيين، وبينهم من (المسعود) ويقال لهم (السعد) أيضاً. والمعروف أنهم من الكلابيين. وفروعهم: 1) - البو عيسى 2) - البو راشد 3) - البو وليد 4) - التويم 5) - البو ناجي ب. الشورتان. وهم من الموالي ويسكنون في الهويرات من الكرمة وفروعهم: (1) - البو فرج (2) - البو ناصر ج. الصبيحات. وهؤلاء من الموالي أيضاً.
د. الحرصة. من الرمال وهم من غفيلة (سنجارة) وهم من قوم ابن رمال.
ه. النمور. وهؤلاء من الجدادة. ومنهم من يعدهم من الجبور ويقال انهم من النمر القبيلة القديمة المعروفة.
و. الهليل. وهم من المجمع ز. القراغول وسيأتي الكلام عليهم في حينه.
ح. اللهيب. وهم من البو عطية من الجبور ويسكنون الهويرات في الكرمة بجوار الشورتان وفروعهم: 1) - درافلة 2) - دوايخ ط. الخوالد. يقال انهم من بني خالد ي. الفياض من بني تميم.
ك. العبد الله. من العبد الله من عنزة.
ل. الهيتاويون. يسكنون أراضي النعيمية من الرضوانية واراضي البداعي من أبي غريب ونخوتهم (أخوة عوفة) رئيسهم شبل بن كاظم المسلط. ويحفظون انهم يرجعون إلى العبد الله من زبيد. وأفخاذهم: 1) - الخان. رئيسهم محيميد الخضير 2) - المسلط. هم الرؤساء 3) - الزايد. رئيسهم صعيجر بن مطرب 4) - العواد. رئيسهم سعود الغزال 5) - الحسين. رئيسهم حافظ الهجيج 6) - الحماد. رئيسهم عبد بن حسين 7) - السليمان. ومنهم جسام المحمد ولم يبق منهم الا القليل 8) - العابر. رئيسهم محمود الحنش.
ويجاورهم الجميلة، والفياض من بني تميم، والزرفات من البو سودة من زبيد والشيتي والسعدان.
م. الجناعرة. وهؤلاء من الجنابيين، تبع الكروشيين العاشور المجبل الخواف ن. التكارتة. ويقال لهم الفلوجيون، وأصلهم من تكريت. رئيسهم يعقوب اليوسف: السماعيل المردي الخضير س. اللكاكدة. رئيسهم محسن العلي. ويرجعون سلالمة من المسعود ع. الفريجات. رئيسهم حسين الفياض. ويرجعون إلى البو هيازع من قبيلة العبيد.
ق. الشعار: وهؤلاء يرجعون في الأصل إلى الجبور، ونخوتهم (عيال العود) إلا أن اختلاطهم بزوبع قديم جداً ويعدون منهم فلا يفترقون عنهم، ويسكنون في ابي غريب من قنطرة رحيم إلى البيوضات.
وفرقهم: 1 - السويلم. رئيسهم خليف السلطان السويلمات.
الحاجم الخماس الحميزة العكيدي الخليفات ويلحق بهؤلاء (الحلاف)ى وهم من المنتفق.
(1/62)