عيسى إسكندر المعلوف المؤرخ اللبناني بمناسبة ذكراه السابعة في 2 تموز 1963
أبصر النور في قرية كفرعقاب بالقرب من بسكنتا لبنان في السنة ١٨٦٩. وتلقى علومه الابتدائية في كفرعقاب في مدرسة الإرسالية الاسكوتلاندية ثم انتقل إلى مدرسة هذه الإرسالية العالية، في الشوير فأكمل علومه الثانوية فيها وأتقن العربية، تعلَّم الإنكليزية ومبادئ الفرنسية، وعلم في المدرسة البطريركية الأرثوذكسية في دمشق ١٨٩٠ وفي مدرسة كفتين الأرثوذكسية ١٨٩٣ ثم في الكلية الشرقية بزحلة ١٩٠٠. وأنشأ غريغوريوس الرابع بطريرك أنطاكية وسائر المشرق مجلة - النعمة – في السنة ١٩٠٩ فأسند قسم الأبحاث التاريخية فيها إلى صاحب الترجمة. ولدى انتهاء الحرب العالمية الأولى أنشأت حكومة فيصل العربية شعبة للترجمة والتأليف فكان الأستاذ المعلوف من أعضائها. ثم قام مجمع علمي عربي في دمشق في عهد الانتداب، كان المترجم له من أعضائه العاملين. وفي السنة ١٩٢٨ انتدب الأستاذ المعلوف لعضوية المجمع العلمي اللبناني ثم أصبح في السنة ١٩٣٤ عضواً عاملاً في مجمع فؤاد الأول لللغة العربية في القاهرة، وبعد ذلك بسنتين أكرمته حكومة البرازيل فجعته عضواً مراسلاً لأكاديمية التاريخ والآداب البرازيلية، وجاءت الحرب العالمية الثانية واشتدت وطأة – الربو – على صاحب الترجمة فقضى وقته منقباً مدققاً في بيته مشتياً في بيروت ومصيفاً في زحلة.
وأقدم مصنفاته كما يظهر كتابه في الكتابة ضمَّنه أبحاثاً في الخط واللغة والإنشاء وطبعه في أربعة أجزاء صغيرة في السنة ١٨٩٥. ثم عني بتاريخ أسرته فتنقل من قرية إلى قرية ودير إلى دير ومكتبة إلى مكتبة وأطل في السنة ۱۹۱۱ بتاريخ بلدته زحلة في ٢٩٨ صفحة وأصدر في هـذه السنة عينها مجلة الآثار فاستمرت ثلاث سنوات متتالية ثم احتجبت في أثناء الحرب العالمية الأولى وظهرت سنتين بعدها. وفي السنة ١٩١٩ ألقى المعلوف محاضرة طويلة في الطب العربي في المعهد الطبي العربي في دمشق وطبعها في كراسٍ كبير في ٦٨ صفحة. وأردفها بمحاضرة ثانية في تاريخ الطب قبل العرب نشرها في السنة ١٩٣١. ثم انتهز فرصة انعقاد المؤتمر الطبي في جامعة بيروت الأميركية في السنة ١٩٢٥ فألقى فيها محاضرة ثالثة في أشهر الأسر الطبية وأشهر المخطوطات العربية في الطب. ثم عني بالتراجم فصنف رسالة في سيف الدولة في السنة ١٩٢٧ ورسالة في سيرة البطريرك الأنطاكي غريغوريوس الرابع في السنة ١٩١٩. ثم كتاباً في فخر الدين ابن معن في السنة ١٩٣٤ في ٤٤٨ صفحة. وأردفها في السنة ١٩٤٤ بالغرر التاريخية في الأسرة اليازجية في ١٢٨ صفحة.
ومن مصنفاته التي لا تزال مخطوطة، تحفة الكاتب للمعرِّب والكاتب، والأخبار المدونة والمروية في تاريخ الأسر الشرقية، وشحذ القريحة في المقطعات البليغة الفصيحة وأهم خزائن الكتب العربية ومعجم الألفاظ العامية والدخيلة، ومغاوص الدرر في أدباء القرن التاسع عشر والدُّر الثمين في أدباء القرن العشرين، والمكتبة التاريخية، ونفائس المخطوطات، وشرح المتن في تاريخ قضاء المتن في لبنان، وتاريخ وادي التيم، وجبل القلمون، ويومية الحرب الكبرى، وشرح الأمثال العربية العامية، وذيل في شعراء النصرانية وهو استدراك على ما فات الأب لويس شيخو من شعراء النصرانية وغير ذلك. وهو مفيد جداً وجدير بالحفظ في دار الكتب اللبنانية الرسمية.
وكان، رحمه الله، عالي الهمة، ماضي العزيمة يركب ظهور العوائق ولا يفوته مطلب، وكان يغرق في البحث ويمعن في التنقيب، ويستقصي في التنقيب. وكان سريع الحفظ ذكوراً يتلو من ظهر قلبه كأنما يقرأ في كتابٍ مسطور. وعلى الرغم من قوة ذاكرته وبعده عن النسيان فإنه سريع التدوين.
ومصنفاته التاريخية غزيرة المادة جزيلة المباحث واضحة التعبير جمة الفوائد. ولكنها لغزارة مادتها وكثرة مباحثها لم تكن دائماً مطردة التنسيق.
فكتابه (دواني القطوف في تاريخ بني المعلوف) هو أقرب إلى موسوعة صغيرة تضم معلومات شتي في مواضيع متنوعة لا علاقة لبعضها بموضوع الكتاب. وقد قال هو في ديباجة هذا المصنَّف وتحت العنوان ما نصه: كتاب تاريخي اجتماعي عمومي يحتوي على وصف الوقائع والعادات والأخلاق والشؤون العمرانية وأصول الأسر الشرقية وفروعها ومشاهيرها ومواطنها ومباحث علمية وجغرافية وإحصائية.
ونحن نرى أنه لو أحسن التنسيق، وأحكم الحدود وحصر كلامه في هذا الكتاب بموضوعه لأضاع علينا فوائد جمة لا نجدها اليوم إلا في هذا الكتاب. فدواني القطوف في تاريخ بني المعلوف هو في الواقع موسوعة في أحوال لبنان في النصف الأول من القرن التاسع عشر كما رعاها شيوخه في أواخر هذا القرن. وفضل عيسى إسكندر المطوف في تدوين ما سمع كبير جداً. ولو لم يسمـع ويدون لضاعت أخبار وأخبار وطمست آثارها و مقالات المؤرخ المعلوف في مشاهير الطائفة الأرثوذكسية التي نشرها تباعاً في مجلة النعمة هي في حد ذاتها كنز لا يفنى رمادة لا يستغني عنها كل من يعنى بتاريخ الكنيسة الجامعة في سورية ولبنان وفلسطين في العصور الوسطى والعصور الحديثة، وبعض مرادها من نوع المواد التي سجلت في دراني القطوف مأخوذة من أوراق قديمة سطت محن الدهر عليها ومن صدور رجال طويت أخبارهم. ولكن بعضها الآخر ينم عن صبر وثبات وتفتيش وتمحيص ونقد وسلامة استنتاج. ومن هذه مقالته في عبد الله ابن الفضل وما نقله في القرن الحادي عشر من اليونانية والسريانية إلى العربية ورده على الأب لويس شيخو في بعض ما ذهب إليه خطأ في هذا الموضوع. ومن هذا النوع أيضاً رسالته في الشيخ سلمان بن حسن الذي دخل في النصرانية في أوائل القرن الرابع عشر وأصبح أحد أساقفها. ومن رسائله هذه أيضاً رسالته في أسقفية حوران فإنها جزيلة الفائدة لما تحتوي عليه من نوادر الأخبار وقد لا يجد المؤرخ مجموعة من المعلومات التاريخية عن زحلة أكمل مما ورد في كتاب عيسى إسكندر المعلوف عن تاريخ هذه البلدة، ولكنه لم يعن بنقـد أخبارها عنايته بنقد الأخبار التي جاءت في رسائله المشار إليها أعلاه. وقرأ لنا رحمه الله، فصولاً من كتابه في الأسر الشرقية فأثار إعجابنا بسعة اطلاعه وطول أناته وصبره على التفتيش والجمع، والتدوين. وكان يعتز بمصنفه هذا ويعتبره أعظم ما ألف ولا نعلم إذا كان أكمله قبل وفاته ولكنه من المصنفات النادرة التي يجب نشرها.
هذا العمل في الملك العام في لبنان بموجب القانون رقم 75 لسنة 1999 الرامي إلى حماية الملكية الأدبية والفنية إما لأن مدة حماية حقوق المؤلف قد انقضت بموجب أحكام المواد 49–57 منه أو لأن العمل غير مشمول بالحماية بموجب المادة 4 منه.
|