عيون الأنباء في طبقات الأطباء/الباب الأول/كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها

ملاحظات: كَيْفيَّة وجود صناعَة الطِّبّ وَأول حدوثها


أقول إن الكلام في تحقيق هذا المعنى يعسر لوجوه أحدها بُعد العهد به، فإن كل ما بعد عهده وخصوصًا ما كان من هذا القبيل، فإن النظر فيه عسر جدًّا، الثاني إننا لم نجد للقدماء والمتميزين وذوي الآراء الصادقة قولًا واحدًا سادًا في هذا متفقًا عليه فنتبعه، الثالث إن المتكلمين في هذا لما كانوا فرقًا وكانوا كثيري الاختلاف جدًا بحسب ما وقع إلى كل واحد منهم، أشكل التوجيه في أي أقوالهم هو الحق، وقد ذكر جالينوس في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط، إن البحث فيما بين القدماء عن أول من وجد صناعة الطب لم يكن بحثًا يسيراً، ولنبدأ أولًا بإثبات ما ذكره مع ما ألحقناه به في جهة الحصر لهذه الآراء المختلفة، وذلك أن القول في وجود صناعة الطب ينقسم إلى قسمين أولين فقوم يقولون بقدمه، وقوم يقولون بحدوثه، فالذين يعتقدون حدوث الأجسام يقولون إن صناعة الطب مُحْدثة، لأن الأجسام التي يستعمل فيها الطب محدثة، والذين يعتقدون القِدَم، يعتقدون في الطب قِدَمه، ويقولون إن صناعة الطب قديمة لم تزل مذ كانت، كأحد الأشياء القديمة لم تزل، مثل خلق الإنسان، وأما أصحاب الحدوث فينقسم قولهم إلى قسمين، فبعضهم يقول إن الطب خُلق مع خَلق الإنسان، إذ كان من أحد الأشياء التي بها صلاح الإنسان، وبعضهم يقول وهم الجمهور أن الطب استخرج بعد، وهؤلاء أيضًا ينقسمون قسمين فمنهم من يقول إن اللَّه تعالى ألهمها الناس، وأصحاب هذا الرأي على ما يقوله جالينوس وأبقراط وجميع أصحاب القياس وشعراء اليونانيين، ومنهم من يقول أن الناس استخرجوها، وهؤلاء قوم من أصحاب التجربة وأصحاب الحيل وثاسلس المغالط وفيلن، وهم أيضًا مختلفون في الوضع الذي به استخرجت وبماذا استخرجت، فبعضهم يقول أن أهل مصر استخرجوها، ويصححون ذلك من الدواء المسمى باليونانية الأنى وهو الراسن وبعضهم يقول أن هرمس استخرج سائر الصنائع والفلسفة والطب، وبعضهم يقول أن أهل فولوس استخرجوها من الأدوية التي ألفتها القابلة لامرأة الملك فكان بها برؤها، وبعضهم يقول أن أهل موسيا وأفروجيا استخرجوها، وذلك أن هؤلاء أول من استخرج الزّمر، فكانوا يشفون بتلك الألحان والإيقاعات آلام النفس، ويشفي آلام النفس ما يشفى به البدن، وبعضهم يقول أن المستخرج لها الحكماء من أهل قو، وهي الجزيرة التي كان بها أبقراط وآباؤه، وأعني آل اسقليبيوس، وقد ذكر كثير من القدماء أن الطب ظهر في ثلاث جزائر في وسط الإقليم الرابع أحداها تسمى رودس والثانية تسمى قنيدس، والثالثة تسمى قو، ومن هذه كان أبقراط، وبعضهم يرى أن المستخرج لها الكلدانيون، وبعضهم يقول أن المستخرج لها السحرة من أهل اليمن، وبعضهم يقول بل السحرة من بابل أو السحرة من فارس، وبعضهم يقول أن المستخرج لها الهند، وبعضهم يقول أن المستخرج لها أهل أقريطش، الذين ينسب لافتيمون إليهم، وبعضهم يقول أهل طور سينا. فالذين قالوا أن الطب من اللَّه تعالى، قال بعضهم هو إلهام بالرؤيا، واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة، وشفت كل من استعملها، وقال قوم ألهمها اللَّه تعالى بالتجربة ثم زاد الأمر في ذلك وقوي، واحتجوا أن إمرأة كانت بمصر وكانت شديدة الحزن والهم، مبتلاة بالغنظ والدرد، ومع ذلك فكانت ضعيفة المعدة، وصدرها مملوء إخلاطًا رديئة، وكان حيضها محتبساً، فاتفق لها أن أكلت الراسن مرارًا كثيرة بشهوة منها له، فذهب عنها جميع ما كان بها ورجعت إلى صحتها، وجميع من كان به شيء مما كان بها لما استعمله بَرَأَ بِهِ، فاستعمل الناس التجربة على سائر الأشياء، والذين قالوا أن اللَّه تعالى خلق صناعة الطب، احتجوا في ذلك بأنه لا يمكن في هذا العلم الجليل أن يستخرجه عقل إنسان، وهذا الرأي هو رأي جالينوس، وهذا نص ما ذكره في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط، قال وأما نحن فالأصوب عندنا والأولى أن نقول أن اللّه تبارك وتعالى خلق صناعة الطب وألهمها الناس، وذلك أنه لا يمكن في مثل هذا العلم الجليل أن يدركه عقل الإنسان، لكن اللّه تبارك وتعالى هو الخالق الذي هو بالحقيقة فقط يمكنه خلقه، وذلك أنا لا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند اللّه تبارك وتعالى، ووجدت في كتاب الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران الذي وسمه ببستان الأطباء وروضة الألباء، كلامًا نقله عن أبي جابر المغربي وهو هذا، قال سبب وجود هذه الصناعة وحي وإلهام، والدليل على ذلك أن هذه الصناعة موضوعة للعناية بأشخاص الناس، إما لأن تفيدهم الصحة عند المرض، وأما لأن تحفظ الصحة عليهم، وممتنع أن تعني الصناعة بالأشخاص بذاتها دون أن تكون مقرونة بعلم أمر هذه الأشخاص التي خصت العناية بها، ومن البيّن أن الأشخاص ذوات مبدأ لوقوعها تحت العدد وكل معدود فأوله واحد تكثّر، ولا يجوز أن تكون أشخاصُ الناس إلى ما لا نهاية له لأن خروج ما لا نهاية له إلى الفعل محال قال ابن المطران ليس كل ما لا يقدر على حصره فلا نهاية له، بل قد تكون له نهاية يضعف عن حصرها، قال أبو جابر وإذا كانت الأشخاص التي لا تقوم هذه الصناعة إلا بها ذوات مبدأ ضرورةً، فالصناعة ذات مبدأ ضرورة، ومن البين أن الشخص الذي هو أول الكثرة مفتقر إليها كافتقار سائرهم، ومن البين أيضًا أنه لا يأتي من أول شخص وجد علم هذه الصناعة استنباطًا لقصر عمره وطول الصناعة، ولا يجوز أن يجتمعوا في مبدأ الكثرة على استنباطها من أجل أن الصناعة متقنة محكمة، وكل أمر متقن لا يستنبط بالاختلاف بل بالاتفاق، والأشخاص التي هي أول في الكثرة لا يجوز أن تجتمع على أمر متقن، من أجل أن كل شخص لا يساوي كل شخص من جميع الجهات، وإذا لم تتساو من جهة آرائها لم يجز أن تجتمع على أمر محكم، قال ابن المطران هذا يؤدي أيضًا في باقي العلوم والصناعات إلى أنها إلهام، لأنها ذوات إتقان أيضًا وقوله أيضًا أن الأشخاص لا يجوز أن تجتمع على أمر متقن، ليس بشيء، بل اجتماعها لا يكون إلا على أمر متقن، وإنما الاختلاف يقع مع عدم الإتقان، قال أبو جابر فقد بان أن الأشخاص في مبدأ الكثرة لا يتأتى منها استنباط هذه الصناعة، وكذلك عند نهاية الكثرة لتباينهم وافتراقهم، ووقوع الخلف بينهم، ونقول أيضًا يجوز أن يشك شاك فيقول هل يتأتى عندك أن يعرف إنسان من الناس أو كثير منهم، منابت الحشائش والعقاقير، ومواضع المعادن وخواصها، وقوى أعضاء سائر الحيوان وخواصها ومضارها ومنافعها ويعرف سائر الأمراض والبلدان واختلاف امزجة أهلها مع تفريق ديارهم؟ ويعرف القوة التي ينتجها تركيب الأدوية، وما يضاد قوة قوةٍ من قوى الأدوية، وما يلائم مزاجًا مزاجًا وما يضاده، مع ما يتبع ذلك من سائر صناعة الطب فإن سهل ذلك وهونه كذب، وإن صعب أمره في علمه من جهة المعرفة قلنا استنباطه ممتنع، وإذا لم يكن للصناعة الطبية لابتدائها إلا الاستنباط أو الوحي أو الإلهام، وكان لا سبيل إلى استنباط هذه الصناعة بقي أن تكون موجودة بطريق الوحي والإلهام، قال ابن المطران هذا كلام مشوش كله مضطرب، وإن كان جالينوس قال في تفسير العهد أن هذه الصناعة وحيية إلهامية، وقال فلاطن في كتاب السياسة أن اسقليبيوس كان رجلًا مؤيدًا ملهما لكن تبعيد حصول هذه الصناعة باستنباط العقول خطأ، وتضعيف العقول التي استنبطت أجل من صناعة الطب، ولننزل أن أول العالم كان واحدًا محتاجًا إلى صناعة الطب كحاجة هذا العالم الجم الغفير اليوم، وأنه ثقل عليه جسمه واحمرت عيناه وأصابه علامات الامتلاء الدموي، ولا يدري ما يفعل، فأصابه من قوته الرعاف فزال عنه ما كان يجده فعرف ذلك، فعاوده في وقت آخر ذلك بعينه، فبادر إلى أنفه فخدشه فجرى منه الدم فسكن عنه ما كان يجده، فصار ذلك عنده محفوظًا يعلمه كل من وجده من ولده ونسله، ولطفت حواشي الصناعة حتى فتح العرق بلطافة ذهن ورقة حس، ولو نزلنا لفتح العرق، أن آخر، ممن هذه صفته، انجرح أو انخدش فجرى منه الدم فكان له ما ذكرنا من النفع، ولطفت الأذهان في استخراج الفصد، جاز فصار هذا بابًا من الطب، وآخر امتلأ من الطعام امتلاء مفرطًا فأصابه من طبيعته أحد الاستفراغين، إما القيء وإما الاسهال بعد غثيان وكرب، وقلق وتهوع ومغص وقراقر وريح جوالة في البطن، فعند ذلك الاستفراغ سكن جميع ما كان يجده، وقد كان آخر من الناس عبث ببعض اليتوعات فمغصه، فأسهله وقيأه اسهالًا وقيئًا كثيراً، وصارت عنده معرفة أن هذه الحشيشة تفعل هذا الفعل، وأن هذا الحادث مخفف لتلك الأعراض مزيل لها، فذكره لذلك الشخص، وحثه على استعمال القليل منه لمّا تعوق عليه القيء والإسهال، وصعبت عليه الأعراض فأداه إلى غرضه منهما، وخفف عنه ما لقي من شر تلك الأعراض، ولطفت الصناعة ورقت حواشيها، ونظرت في باقي الحشائش الشبيهة بتلك، ما منها يفعل ذلك، وما منها لا يفعله، وما منها يفعله بعنف، وما منها يفعله بضعف، وجاء صفاء العقول فنظر في الدواء الذي يفعل ذلك أيُّ الطعوم طعمه، وأيُّ الكيفيات يسبق إلى اللسان منه، وأيها يتبعها، فجعل ذلك؛ سباره ويستخرج منه، وأعانته التجربة وأخرجت ما وقع له من القول إلى الفعل، وكذبت ما غلط فيه، وصححت ما حدس عليه حدسًا صحيحاً، حتى اكتفى من ذلك، وإذا نزلت أن مسهولًا لا يعلم أي الأدوية وأي الأغذية ينفعه أو يضره، استعمل بالاتفاق سماقًا في غذائه فانتفع به ودام عليه فأبرأه، فأحب أن يعلم بماذا أبرأه، فتطعمه فوجده حامضًا قابضاً، فعلم أنه لا يخلو من أن يكون حمضه نفعه أو قبضه، فذاق غيره مما فيه حموضة محضة فقط، واستعمله في غيره ممن به مثل ما كان به، فوجده لا يفيده ما أفاده هو، فعمد إلى شيء آخر طعمه قابض فقط، فاستعمله في ذلك الشخص بعينه، فوجد فائدته فيه أكثر من فائدة الحامض المطلق، فعلم أن ذلك الطعم مفيد في تلك الحالة وسماه قابضاً، وسمى ذلك استفراغاً، وقال إن القابض ينفع من الاستفراغ، ولطفت الصناعة ورقت حواشيها في ذلك، حتى استخرجت العجائب، واستنبطت البدائع، وأتى الثاني فوجد الأول وقد استخرج شيئًا جرّبه فوجده حقاً، فاحتفظ به وقاس عليه، وتمم حتى استكملت الصناعة، ولو نزلنا مجيء مخالف وجدنا كثيرين موافقين، وإذا غلط متقدم سدد متأخر، وإذا قصَّر قديم تمَّم محدث، هكذا في جميع الصناعات، كذا الغالب على ظني، قال قال حبيش الأعسم أن رجلًا اشترى كبدًا طرية من جزار ومضى إلى بيته، فاحتاج أن ينصرف في حاجة أخرى، فوضع تلك الكبد التي كانت معه على أوراق نبات مبسوطة كانت على وجه الأرض، ثم قضى حاجته وعاد ليأخذ الكبد فوجدها قد ذابت وسالت دمًا فأخذ تلك الأوراق وعرف ذلك النبات وصار يبيعه دواء للتلف حتى فطن به وأمر بقتله، أقول هذه الحكاية كانت في وقت جالينوس، وقال إنه كان السبب في مسك ذلك الرجل وفي توديته إلى الحاكم حتى أمر بقتله، قال جالينوس وأمرت أيضًا في وقت مروره إلى القتل أن تشد عيناه حتى لا ينظر إلى ذلك النبات، أو أن يشير إلى أحد سواه فيتعلمه منه، ذكر ذلك في كتابه في الأدوية المسهلة. وحدثني جمال الدين النقاش السعودي أن في لحف الجبل الذي بأسعرد، على الجانب الآخر منه قريبًا من الميدان، عشبًا كثيراً، وأن بعض الفقراء من مشايخ أهل المدينة أتى إلى ذلك الموضع، ونام على نبات هناك، ولم يزل نائمًا إلى أن عبر عليه جماعة، فوجدوه كذلك، وتحته دمًا سائحًا من أنفه ومن ناحية المخرج، فأنبهوه وبقوا متعجبين من ذلك، إلى أن ظهر لهم أنه من النبات الذي نام عليه، وأخبرني أنه خرج إلى ذلك الموضع ورأى ذلك النبات، وذكر من صفته أنه على شكل الهندبا غير أنه مشرف الجوانب، وهو مر المذاق، قال وقد شاهدت كثيرًا ممن يدنيه إلى أنفه ويستنشقه مرات، فإنه يحدث له رعافًا في الوقت، هذا ما ذكره، ولم يتحقق عندي في أمر هذا النبات، هل هو الذي أشار إليه جالينوس أو غيره، قال ابن المطران فأقول حينئذ أن النفس الفاضلة المفيدة للخير، نَظَرت حينئذ فعلمت، وكما أن الدواء فعل ذلك الفعل، فلا بد وأن يكون خَلْق دواء آخر ينفع هذا العضو، ويقاوم هذا الدواء، ففتش عليه بالتجربة، ولم يزل يطلب في كل يوم أو في كل وقت حيوانًا فيعطيه الدواء الأول ثم الثاني، فإن دفع ضرره فقد حصل مراده، وإن لم ينفع فيه طلب غيره، حتى وقع على ذلك الدواء، وفي استخراج الترياق أعظم دليل على ما قلت، إذ لم يكن الترياق سوى حب الغار وعسل، ثم صار إلى ما صار إليه من الكثرة والنفع، لا بوحي ولا إلهام، ولكن بقياس وصفاء عقول وفي مدد طويلة، فإن قلت من أين علم أن الدواء لا بد له من ضد، قلنا إنهم لما نظروا إلى قاتل البيش، وهو نبات يطلع فإذا وقع على البيش جففه وأتلفه، علموا أن مثله في غيره فطلبوه، والعالم الفطن يقدر على علم كيفية استخراج شيء من المعلومات إذا نظر فيه، على قياسنا الذي وضعناه له، وقد عمل جالينوس كتابًا في كيف كان استخراج جميع الصناعات، فما زاد فيه من النحو الذي ذكرنا، أقول وإنما نقلنا هذه الآراء التي تقدم ذكرها على اختلافها وتنوعها، لكون مقصدنا حينئذ أن نذكر جل ما ذهب إليه كل فريق، ولما كان الخُلف والتباين في هذا على ما ترى صار طلب أوله عسرًا جدًّا، إلا أن الإنسان العاقل إذا فكر في ذلك بحسب معقوله، فإنه يجد صناعة الطب لا يبعد أن تكون أوائلها قد تحصلت من هذه الأشياء التي قد تقدمت أو من أكثرها، وذلك أنا نقول أن صناعة الطب أمر ضروري للناس منوطة بهم حيث وجدوا ومتى وجدوا، إلا أنها قد تختلف عندهم بحسب المواضع وكثرة التغذي وقوة التمييز، فتكون الحاجة إليها أمسَّ عند قوم دون قوم، وذلك أنه لما كانت بعض النواحي قد يعرض فيها كثيرًا أمراض ما لأهل تلك الناحية، وخصوصًا كلما كانوا أكثر تنوعًا في الأغذية، وهم أدوم أكلًا للفواكه، فإن أبدانهم تبقى متهيئة للأمراض، وربما لم يفلت منهم أحد في سائر أوقاته من مرض يعتريه، فيكون أمثال هؤلاء مضطرين إلى الصناعة الطبية أكثر من غيرهم، ممن هم في نواحي أصح هواء، وأغذيتهم أقل تنوعاً، وهم مع ذلك قليلو الاغتذاء بما عندهم، ثم أن الناس أيضًا لما كانوا متفاضلين في قوة التمييز النطقي، كان أتمهم تمييزاً، وأقواهم حنكة، وأفضلهم رأيًا أدرك وأحفظ لما يمر بهم من الأمور التجريبية وغيرها، لمقابلة الأمراض بما يعالجها به من الأدوية دون غيره، فإذا اتفق في بعض النواحي أن يكون أهلها تعرض لهم الأمراضُ كثيراً، وكان فيهم جماعة عدة بمثابة من أشرنا إليه أولًا فإنهم يتسلطون بقوة إدراكهم وجودة قرائحهم، وبما عندهم من الأمور التجريبية وغيرها على سبيل المداواة، فيجتمع عندهم على الطول أشياء كثيرة من صناعة الطب، ولنذكر حينئذ أقسامًا في مبدئية هذه الصناعة بقدر الممكن، فنقول:

عيون الأنباء في طبقات الأطباء - الباب الأول
كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها | كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها:القسم الأول | كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها:القسم الثاني | كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها:القسم الثالث | كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها:القسم الرابع | كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها:القسم الخامس