فديتك من جان تجور وتعتب

فديتك من جانٍ تجور وتعتبُ

​فديتك من جانٍ تجور وتعتبُ​ المؤلف مصطفى لطفي المنفلوطي


فديتك من جانٍ تجور وتعتبُ
ونبذلُ جهداً في رضاكَ وتغضُبُ
ترى كل شيءٍ حبّةُ قلبه
فتحلو لك العُتبى ويحلو التجنُّب
أما بين أيدٍ ضارعاتٍ مُشفَّعٌ
وبين دُمُوعٍ سائِلاتٍ مُقَرَّبُ
عَهِدناك صباً بالوفاء فما لنا
نرى ماءَ ذاكَ العهدِ قد صارَ يَنضُبُ
قسوتَ وما عهدي بقلبك صخرةٌ
فجوهرُكُ السيَّالُ بالرفق أنسَبُ
فرحماكَ نهرَ النيلِ بالأَنفسِ التي
إذا لم تدارَكها بِرُحمَاكَ تعطَبُ
ورفقاً بهيمٍ ضامراتٍ بُطُونُها
لها الجوعُ عُشبٌ والخصاصَةُ مَشربُ
يَبيتُ حزيناً رَبُّها لِمُصابِها
فيَطوى كما تَطوى الليالي ويَندُب
لقد عاش هذا القفر دهراً حظيرةً
من الخِصبِ في ألوانها تتقلبُ
بها ما يشاءُ الطرفُ من حسنِ منظرٍ
أنيقٍ وما تهوى القلوبُ وترغبُ
فما زالَ سهمٌ للرزايا يصيبُها
وسهمُ الرزايا في الورى لا يخيبُ
إلى أن غدت قفراً فلا غصن ناضرٌ
يلوحُ بمغناها ولا روضَ مُخصِبُ
وكان البنانُ الرطبُ يحسدُ لينَها
فأضحت كصُمِّ الصخرُ أو هي أصلَبُ
فَمُدَّ يداً بيضاءَ مِنك تُنيلُها
مِنَ الخير ما تَرجو وما تَتَطلَّب
وليس لنا إلا الدموع وسيلةٌ
إليك فإن الشبه بالشبه يُجذَبُ
وقد كانَ في فَيض المدامِعِ ناقِعٌ
لِغُلَّتِنا لو كانَ مِثلُك يَعذِبُ
فقدنَاكَ فُقدانَ الرضيعِ لأُمِّه
ولَم يَبقَ مَن يحنُو عليه ويَحدَبُ
فما كنت إلا الروح فارق جسمه
فأني له من بعد في العيش مَأرب
لئن كان قد أقصاكَ قلةُ شكرِنا
لنعماكَ والهِجرانُ نعمَ المؤَدِّبُ
فها يدُنا أن لا نعودَ رهينةَ
وأن لا نزالَ الدهرَ بالشكر نَدأَبُ
لعلكَ خِلتَ الأَرضَ يَبلغ رِيَّها
دماءٌ بأَصقاعِ الجنوبِ تَصبَّبُ
أجل غيرَ أنَّ الحر تكبر نفسه
عن الأمر فيه ما يُهين ويثلبُ
فمن ذا الذي يرضى الحياةَ يشوبُها
من الجَورِ عيشٌ بالدِّماءِ مُخَضَّبُ
أما في قلوبِ الناسِ للناس رحمةٌ
وتُرضِعهم أُمٌ ويجمَعُهم أَبُ